استعرض الروائي والمترجم محمد ساري لدى نزوله مساء أول أمس ضيفا على فضاء ''صدى الأقلام'' للمسرح الوطني محي الدين باشطرزي؛ عددا من القضايا الثقافية والأدبية أبرزها حديثه عن قطاع النشر بين السبعينات والوقت الحالي وإشكالية المقروئية التي تشهد تراجعا مستمرا بالنظر إلى عدة اعتبارات حصرها المتحدث في غياب التقنيات الحديثة التي صعبت نشاط الناشرين والمطبعيين في السنوات السابقة، إلى جانب غياب القارئ الحقيقي للأدب والتاريخ والفلسفة وغيرها، ما تسبب، حسبه، في الركود الذي تشهده صناعة الكتاب حاليا. وكان اللقاء من ناحية أخرى، فرصة للحديث عن مضمون مجموعته القصصية الجديدة الصادرة عن منشورات ''ألفا'' تحت عنوان ''الغرق''، وهي عبارة عن مجموعة قصص كتبها باللغة الفرنسية تناول ساري من خلالها عددا من القضايا المرتبطة بالإنسان الجزائري ويومياته والمواقف المختلفة التي تميز الحياة العامة في الأسواق ووسائل النقل وغيرها من أمكنة الاحتكاك. كما حاول الكاتب رصد تلك اليوميات معتمدا على نظرته وتأملاته الشخصية أحيانا، إضافة إلى نقل تأملات الآخرين في قصص من بينها ''السوق'' و''إغراء من القبر'' و''الوهم الكبير'' و''حفنة رمل'' و''الغرق'' التي حملت عنوان المجموعة. وعمد ساري إلى توظيف لغة بسيطة ومباشرة وجملا بسيطة في معالجته لتلك المواقف واليوميات، خصوصا أنها نابعة من عمق المجتمع الجزائري الذي رغم معايشته للعديد من الأحداث المعقدة وغير المفهومة، إلا أنه يبقى محافظا على بساطته في التفكير والعيش. وفي السياق ذاته، شكلت قصة ''الغرق'' محورا أساسيا في السياق العام للمجموعة، فهي قصة واقعية نقلت ما حدث لصديقين كانا ينتظران فرصتهما للعمل في أوروبا سنة 1970 عبر مكاتب اليد العاملة التي كان الشباب العاطلون آنذاك ينظرون إليها من باب ''الفرصة الأخيرة'' للتشغيل وضمان المستقبل، غير أن ما وقع هو اصطدامهما بالأزمة البترولية في ذلك الوقت التي تسببت في غلق جميع المنافذ أمامهما كغيرهم من الشباب لتقفل مكاتب التشغيل التي علقا عليها الأمل، وهنا، قررا ركوب الأمواج والسفر إلى أوروبا عبر المغرب وقاموا بمغامرة لم تكلل بالنجاح ليعودوا جارين أذيال الخيبة إلى الجزائر. كما تتضمن قصة ''الغرق'' العديد من المواقف والمشاهدات الإنسانية التي ميزت رحلة الشابين بحثا عن غد ومستقبل أفضل، من بينها ظهور باخرة الصيد التي تغرق وينجو بعض ركابها الذين يدخلون في سباق للوصول إلى اليابسة عن طريق السباحة وتقاسمهم بعض ''الهموم'' في أثناء تلك الرحلة المحفوفة بالمخاطر.