خلّف مشروع قانون المالية لسنة 2016 ما لم يخلّفه أي قانون من ردود أفعال واحتجاجات في الجزائر من ذي قبل، فقد شكا نقطة ارتكاز لبدء حملة كر وفر بين السلطة والمعارضة انطلاقا من قبة البرلمان، وتطور النزاع إلى حد الشارع عندما خرج النواب المعارضين في محاولة لنقل المشهد إلى المواطن. وزير الداخلية رد على المعارضة بلهجة حادة عندما استغل مناسبة الزيارة الرسمية التي قادته لتلمسان نهاية الأسبوع الماضي واعتبر أن المعارضة تحاول تغليط المواطن، وكانت عبارات الانتقاد حادة على لسان نورالدين بدوي، وهو يرد على أقطاب المعارضة التي قادت حملة واسعة ضد قانون المالية 2016، فقد نفى أن تكون للحكومة نية لتسريح العمال، وتردد هذا الكلام في الآونة الأخيرة، ما استحضر للرأي العام سابقة للسلطة عندما سرحت الآلاف وحلت مئات المؤسسات العمومية أو باعتها، بل إن المعارضة ارتكزت في حملتها المناهضة لقانون المالية على بعض المواد التي قالت إنها "تبيح" بيع المؤسسات العمومية للخواص، وقرأت المعارضة قانون المالية على أنه مرسوم خاص برجال المال والأعمال لاستباحة المؤسسات الوطنية، إلا أن وزير الداخلية كان واضحا عندما رد على المعارضة متسائلا : من له القدرة على بيع المؤسسات الوطنية العمومية؟ تطورات المشهد الاقتصادي ورغم أنها تعني المواطن بالدرجة الأولى ظلت حبيسة قبة البرلمان والصالونات و مقرات الأحزاب وقاعات التحرير، فالمواطن لم ينخرط في هذا الحراك، والحكومة عرفت كيف توظف هفوات المعارضة لصالحها، بل وتؤلب في بعض الأحيان المواطن على المعارضة لأسباب عدة، أبرزها أن بعض الأحزاب التي تعارض اليوم قانون المالية 2016، هي نفسها التي باركت وساندت برنامج الرئيس بوتفليقة عندما كانت البلاد تعيش في بحبوحة مالية، وهي نفسها التي استفادت من المناصب لوزرائها و قياداتها على المستوى الوطني والولائي والمحلي، وهي نفسها التي استثمرت في تقاربها مع دوائر صناعة القرار من أجل تحسين الوضع المالي والتجاري والصناعي لرجالها، من هنا فشلت تلك التشكيلات السياسية في استقطاب المواطن الذي أدار ظهره لمطالبها بضرورة انخراطه في مسعى مقاومة قانون المالية، لذلك بدت المعارضة وكأنها تغرد لحسابها ما دفع بالسلطة إلى تحريك آلة حزبية قادها الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني عمار سعداني الذي استغل تصريحات زعيمة حزب العمال فجمع كافة الحسابات القديمة والجديدة، ليطلق النار على الحراك السياسي الذي أعقب إعلان مجموعة 19- 4 المطالبة بلقاء رئيس الجمهورية، ثم امتدت نيران سعداني إلى الفريق المتقاعد توفيق والعلاقة السابقة لحنون بمصالحه، هذه الملفات كلها تزامنت مع ما حدث تحت قبة المجلس الشعبي الوطني في الآونة الأخيرة وتحالف كافة أطياف المعارضة، لكن رغم ذلك مر القانون الذي سيوقع الرئيس في نهاية الشهر الجاري، مثلما مرت الكثير من القوانين دون أن تطول يد المعارضة أزرار تجميدها أو إلغائها، فضلا عن الفشل الذريع في تجنيد المواطنين لصالحها.