طالب جامعي بطّال في تونس أحرق نفسه احتجاجا على حرمانه كسب لقمة العيش بالحلال بواسطة طاولة على الرصيف، انتهت إلى انتفاضة شعبية في بلدته! وبطّال آخر تسلّق عمودا كهربائيا أسوة بما فعله الأول بغرض الانتحار أدى إلى توسيع الانتفاضة لتشمل البلدة وما جاورها! حجم البطالة في الجارة تونس ليست أكثر ارتفاعا من نظيرتها في الجزائر إن لم تكن أقل حدة. والنظام هناك ''بوليسي'' بامتياز ويمكن أن يكون نموذجا لكل الأنظمة العربية التي لم تصل بعد إلى هذا النوع من الحكم البوليسي أو أنها في طريقها إليه، ومع ذلك فإن محاولة انتحار بطّال حرك مدنا وقرى بكاملها وجعل ألسنتها تتحرك وتطالب بحقها في التنمية وفي العيش الكريم وقسمة الثروة بنوع من العدل تؤطرها حركة عمالية، أبعد ما تكون عن ممارسات نقابة سيدي السعيد المتيقظة لأكل المشوي والثريد! تقليديا مناطق سيدي بوزيد والحوض المنجمي وما جاور قفصة تشكل هاجسا للسلطة في تونس، مثلما تشكّل منطقة القبائل عندنا هاجسا للسلطة فهي دائما مصدر الثورات والانتفاضات والغليان الشعبي والتحديات المستمرة. وهكذا دامت ثورة العروش مع النظام المفروش ثلاث سنوات بسبب مقتل تلميذ في الثانوي على الأقل كسبب ظاهري، لكن قيام أحدهم بختن نفسه في جهة قريبة من القبائل احتجاجا على توظيف النسوان دون الرجال كما خيل إليه لم يحرك ساكنا، وهذا في وقت تتوسع فيه طوابير الانتحار والحرق والحرقة وكوارث أخرى يندى لها الجبين انتقاما من الواقع المر دون أن يحيّر حتى مسكينا ويتيما على اعتبار أن دوره آت ولو بعد حين! وعندما يؤدي انتحار شخص واحد إلى ثورة في تونس تحرك الجميع بما فيها السلطة التي تزعم أنها لا ترى أي مبرر لذلك لأنه فعل معزول ولا يحرك مثل ذلك شعرة واحدة من شعرات حكامنا الميامين. فإن ذلك مرده إلى طبيعة التناقض الحاصل في تجربة البلدين الشقيقين في علاقتهما ب''الغاشي الراشي''! فتونس بلد الفرح الدائم كما تسمى والعصا التي لا تنام بدأت بالتدريج من حيث تبدأ عادة الأمور حتى تنوّر كالملح ثم تهيج.. في حين أن الجزائر بدأت بالتهييج و''الهول'' وغول العنف الذي حصد الآلاف طوال السنين الماضية، أصبح الموت والعراك معها ''نورمال'' كما يقول المتفرنسون.. يكون معها شنق فار (بشري) لنفسه مدرجا ضمن أخبار المنوعات والتسلية وكذلك حرق دار وسرقة مليار وحتى تزوير صندوق انتخابي!