"لابد من تخليص المصير الاجتماعي لشعبنا من تقلبات سوق النفط" أكد رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، أن "الهاجس الأمني المرتبط بالتهديدات الإرهابية في منطقة إقليمية ملتهبة بالاضطرابات لا يزال يشكل انشغالا على أعلى مستوى لتجنيب الجزائر أي مخاطر محتملة". واستنفر بوتفليقة حكومة عبد المالك سلال وأجهزتها الأمنية "لتعزيز جهدنا المشترك لمغالبة تحديات اليوم بيقظة أعلى لحماية أمن الجزائر". ركز رئيس الجمهورية، في رسالة له بمناسبة إحياء اليوم الوطني للمجاهد وتخليد الذكرى المزدوجة ليوم 20 أوت 1955 و20 أوت 1956، قرأها نيابة عنه وزيرالثقافة، عزالدين ميهوبي، خلال الاحتفالات المخلدة لهذه الذكرى التي احتضنتها ولاية بجاية على جانبين رئيسيين أحدهما أمني أملته التطورات في الساحة الإقليمية أمام توسع رقعة سيطرة تنظيم "داعش" في ليبيا وفرضيات تمدّده إلى بلدان الجوار، والآخر اقتصادي مرتبط بتراجع مداخيل الخزينة العمومية جراء انهيار أسعار النفط في الأسواق العالمية. وفي الشق الأمني، ربط رئيس الدولة نجاح السياسة الحكومية لفرض تغطية أمنية شاملة بالتفاف المواطنين حول الأجهزة العسكرية والأمنية قائلا "أملي أن يكون التفاف أبناء شعبنا في الذكرى المزدوجة ليوم المجاهد، فرصة لتعزيز جهدنا المشترك لمغالبة تحديات اليوم بيقظة أعلى لحماية أمن الجزائر وبعمل أكثر جدية واستمرارية لبناء اقتصاد بلادنا. وبعبارة واحدة، أن نكون في مستوى تضحيات شهدائنا ومجاهدينا وأن نضمن مواصلة كفاحهم من أجل بناء تلك الجزائر التي حلموا بها، جزائر العزة والكرامة". وأكد رئيس الجمهورية في رسالته أن "الشعب الجزائري الأبي وقف، بعد مكابدة المأساة الوطنية، في مسعى تجدد وطني كان لي الشرف أن أخوضه معه اعتبارا من سنة 1999". وأضاف قائلا "لقد عزمنا على أن نخرج البلاد من دوامة الإرهاب والدمار الجهنمية لكي نمر إلى الوئام المدني ثم المصالحة الوطنية، مستلهمين في ذلك من قيمنا السمحة، تلك القيم التي شكلت المحرك الأول لشعبنا المسلم عندما قام بإطلاق ثورته المجيدة وهو يكبر باسم الخالق العظيم". وخلص الرئيس بوتفليقة إلى القول: فعلى هذا المنوال، اتفق جميع أبناء هذا الوطن الغالي، مرة أخرى، حول مصير الجزائر، وطنهم الوحيد والمشترك". وتتفاوت مستويات الاستنفار الأمني، منذ الاضطرابات التي أفرزتها موجة ما اصطلح عليه ب "الربيع العربي" وتأثيراتها المباشرة على بلدان الجوار، من مكان لآخر في الجزائر، حيث بلغ الاستنفار أقصى مستوياته في الحدود مع ليبيا ومع تونس ومالي، وفي الولايات والمدن الكبرى والمطارات وفي حقول ومنشآت النفط والغاز، والمواقع الحيوية والسيادية. وشدّد بوتفليقة في حديثه عن التحديات الاقتصادية على أن "الإصلاحات أصبحت اليوم أمرا لا مفر منه لفتح آفاق الاقتصاد الوطني بشكل نهائي و«تخليص المصير الاجتماعي للشعب من تقلبات سوق النفط". وقال رئيس الدولة إن "من بين أهداف التعديل الدستوري الأخير عصرنة طرق وقواعد الحوكمة والديمقراطية والحرية مواكبة لمسار الإصلاحات الاقتصادية التي لم تنقطع المطالبة بها والتي أصبحت اليوم أمرا لا مفر منه لكي نفتح نهائيا آفاق الاقتصاد الوطني ونخلص المصير الاجتماعي لشعبنا من تقلبات سوق النفط". ويتأتى هذا -يضيف رئيس الجمهورية- من خلال "تحقيق اقتصاد متنوع ذي قدرة حقيقية على منافسة اقتصاد الدول الأخرى وعلى فرض ذاته في خضم العولمة"، واعتبر تحقيق مثل هذا التحدي بمثابة "المعركة" التي تنادي سواعد وعقول وطاقات الشباب الجزائري. وأشاد الرئيس في هذا السياق ب«جهاد" الشعب الجزائري التاريخي الذي "عرف كيف يتغلب بعد سنين معدودة من الجهاد الأكبر جهاد البناء والتشييد يتغلب مرة أخرى على البؤس والفقر وآثار التشريد والدمار ببناء دولة عصرية ذات اقتصاد صناعي واعد (...)". لكن القدر شاء -يتأسف بوتفليقة- أن "تعثر مسيرة الجزائر المستقلة هذه الطموحة والواعدة جراء تدهور رهيب لسوق النفط في الثمانينيات وجراء أخطاء ارتكبت في توجيه البلاد حتى وإن ارتكبت من طرف مسؤولين ذوي ماض ثوري مشهود لا غبار عليه وذوي نوايا حسنة لا يرقى إليها الشك". وأعرب بوتفليقة عن أمله في أن تكون مناسبة إحياء ذكرى معارك 20 أوت 1955 ومؤتمر الصومام (20 أوت 1956) فرصة لتعزيز الجهود من أجل "عمل أكثر جدية واستمرارية لبناء اقتصاد بلادنا".