في انقلاب في خطها التحريري ''الجديد''، تحولت صحيفة ''ليبرتي'' الناطقة بالفرنسية لمالكها رجل الأعمال يسعد ربراب إلى لسان حال الأرسيدي الذي يقود حملة تخلاط سياسي في بلادنا في هذه الفترة خدمة لأجندة لا يعلم أين ستقود البلاد. وتشير مصادر مطلعة إلى أن مجموعة من صحفيي الجريدة المحسوبين سياسيا على الأرسيدي قد رفع عنهم الحصار في الأيام الأخيرة بعد سنوات من التهميش، وتم تحريرهم للدعاية لأطروحات الرمز سعدي، في مؤشر عن التحول في الخط السياسي لهذه الصحيفة التي ظلت السنوات الماضية ممنوعة على سعدي ''إلا ما ندر''. وقد يؤشر تغيير خطاب الصحيفة المفاجئ لتوجه مالكيها لأخذ بعض المسافة بعيدا عن ''الدولة'' في ظل التحولات المحلية والإقليمية وخصوصا ما حدث في تونس، وأيضا لأسباب تسويقية في ظل منافسة عناوين أخرى تبنت الحركة الاحتجاجية ومطلب التغيير السياسي والانفتاح في بلادنا. لكن التحول في خطاب الصحفية ليس مفاجئا لأكثر من ملاحظ، فتبني سعدي وخطه الانقلابي، يوحي بأن الصحيفة ومن ورائها ممولها، عادوا إلى طبيعتهم، وإن التغطية الإعلامية المكثفة لنشاط الأرسيدي تؤكد مقولة ''الطبع يغلب التطبع''. إن التعديل الذي طرأ على الخط الافتتاحي ل''ليبرتي'' منذ الانتخابات الرئاسية في ,2004 سرعان ما تأكد أنه تعديل ظرفي مرتبط بحسابات أبعد وأعمق، وبالفعل جاءت اللحظة ''الفارقة'' أمس، مع عودة الأرسيدي إلى النشاط والابتزاز، حيث وقفت الجريدة إلى صف سعدي بدعاية واضحة في صدر الصفحة الأولى أمس رغم خطورة الموضوع وخطورة الظرف الذي تمر بها البلاد. والظاهر أن الوضع أعمق من ذلك: إنه تحول حقيقي ممنهج لحسابات آنية وبعيدة بعدما ساءت علاقة ''سيفتال'' بالحكومة وشعور مالكها بالتهديد، ها هي الصحيفة ترفع سقف الدعاية عاليا لصالح سعدي في مستهل العشرية الجديدة، بعدما أدرك مالك ''سيفتال'' أن ساعة الحقيقة دقت لديه بعد خطوته الأخيرة لإقامة سلطة اقتصادية موازية للدولة، عندما قام بخفض أسعار السكر والزيت تحت السقف الذي حددته الحكومة. وقد أسر مسؤول سياسي حكومي، قبل أيام لبعض مساعديه، أن ما قام به مالك ''سيفتال'' لا يغتفر. لقد خدع الحكومة التي منحته كل الوسائل والتراخيص والحماية لإنشاء إمبراطورية السكر والزيت حيث يسيطر على 85 بالمائة من الإنتاج من السكر وحوالي 70 بالمائة من الزيوت وها هو يتحول إلى ''غول'' يتحداها عبر ابتزازها للحصول على اليد العليا في السوق الوطنية وتوسيع إمبراطوريته المالية والتجارية، سكر زيت، مياه معدينة، مشروبات وتوليد الطاقة.. إلخ. وقد تسببت قرارات شركة تحويل السكر والزيوت في أزمة سياسية داخل الحكومة التي لم تدرك طبيعة التهديد الذي يشكله المجمع المالي الصناعي الجديد الناشئ في بلادنا والذي ينتهج خطة لإخضاع الحكومة وتوجيه سياستها لخدمة مصالحه، والدفع إلى تعفن الأوضاع ليواصل مسار الهيمنة على السوق الجزائرية مستغلا انشغال الحكومات المتعاقبة بإدارة الأزمات المتوالية. ويتوقع أن تتجه إمبراطورية ''البازار'' إلى تشدد أكبر مع قرب اتخاذ الحكومة إجراءت جديدة لتنظيم السوق الوطنية وإنهاء الاحتكار الفعلي لغذاء الجزائريين، بالموازاة مع خطط إعادة بعث شركات عمومية أخرى أغلقت خطأ في وقت سابقا لإنتاج هذه المواد الحيوية. وتشير التحولات الأخيرة في بلادنا إلى أن الدولة ليست في حاجة فقط إلى انفتاح سياسي وإعلامي بلا انفتاح اقتصادي حقيقي، يضم رفع التجميد عن عشرات المشاريع الاستثمارية في الصناعة الغذائية لرجال أعمال جزائريين وأجانب، لإنهاء احتكار مجموعة البازار للقرار الاقتصادي في بلادنا.