تبين من خلال استطلاع ''البلاد'' من أجل معرفة أطراف معادلة صرف العائلات الجزائرية البسيطة لرواتبها الشهرية، في ظل انخفاض الدخل الفردي وارتفاع القدرة الشرائية، أن جل العائلات التي اتخذناها كعينة لإماطة اللثام عن الواقع المعيشي لها، وذلك من خلال تسليط الضوء على ''الإستراتيجية'' التي تعتمدها لإدارة شؤونها المالية. أجمعت على أن المواطن أضحى حبيس مفهومي''الفاسيليتي'' و''الكريدي''، ويرجع السبب الأول في ذلك إلى ضعف الدخل الفردي إن لم يكن ''صفرا'' أو تفهه التهاب الأسعار. عائلات تحت رحمة ''الاقتراض والشراء بالتقسيط'' أكدت عائلة عمي لخضر، القاطنة ببلدية بولوغين، أن جميع مستلزمات البيت على غرار الثلاجة، آلة الغسيل وجهاز التلفاز تم شراؤها بالتقسيط، وأكد محمد.ك 53 سنة، الابن الأكبر في العائلة وموظف بإحدى المؤسسات الخاصة ''أنا أتقاضى راتب 30000 دج، إلا أنني لم أتمكن من ادخار فلس واحد، لأن المبلغ لا يكفي لتسديد حاجيات عائلة مكونة من ثمانية أفراد''. أما كريمة، أم لطفلين، فتؤكد أن راتب زوجها المقدر ب25000 دج مقسم بين تسديد الكراء، الكهرباء والماء، النفقة على البيت، مضيفة ''في الواقع أن نهاية الشهر تختتم دائما بالاقتراض من بعض المقربين قصد إتمام الأيام المتبقية''. أما فؤاد.ر 13 سنة، إطار بفرع من البنوك الوطنية، فيقول ''لقد تزوجت حديثا، وراتبي يتراوح بين 23000 و27000 دج، إلا أن زواجي كلفني الكثير ولاأزال أدفع ثمن الديون، من بينها تلك المتعلقة بمصاريف الزفاف وتسديد كلفة السيارة ليتبقى آخر الشهر حوالي 2000 دج''، مشددا على أن ''الكريدي والفاسيليتي أسوأ ما تبناه الجزائري من الواقع المعيشي الصعب''. ''المعيشة غالية والدخل قيس قيس'' أما عمي أحمد، 67 سنة، متقاعد وأب لستة أطفال، فيقول ''بالرغم من التجربة التي جنيتها من الحياة إلا أنني أجد صعوبة في تسيير شؤون عائلتي ماليا، وذلك بسبب ارتفاع الأسعار، حيث أكاد اختنق بمجرد دخول السوق أو رؤية فاتورة الكهرباء والماء''. اما عتيقة، أم لثلاثة أطفال وعاملة بمؤسسة عمومية، فتؤكد''أنا وزوجي نتقاسم مصاريف البيت إلا أننا لم نتمكن من وضع أساس متين لبناء أسرة دون ديون. فكل شيء ارتفع سعره ومطالب الأولاد تعددت، والأسوأ من ذلك اقتراب فصل الصيف الذي يحرق جيوبنا بالمصاريف الثقيلة الخاصة بالفسح والأعراس. لقد تعبنا من الوضع الروتيني، نريد أن نعيش دون أن نفقد حقنا في الترفيه، حيث أعتبره شرطا أساسيا لضمان توفير الراحة والانطلاق من جديد في مواجهة تكاليف الحياة''. أنقذوا راتبي... فهو يحتضر استوقفتنا خلال جولتنا العديد من المحطات، إلا أن حالة فاطمة الزهراء، موظفة بإحدى المدارس الابتدائية بالعاصمة وأم لثلاثة أطفال، فأثار تساؤلات عديدة. وقصد إدخال الوضع ضمن خريطة البحث، اقتربنا من المعنية التي شهد وسطها المهني والعائلي على حجم المعاناة التي تتخبط فيها. تقول المتحدثة إنه بعد أن تركها زوجها واستقرت بأحد منازل أقاربها، تبنت مسؤولية إدارة شؤون العائلة بمفردها، ''أنا أتقاضى راتب 5500دج، ''والفاهم يفهم''، لأن التعقيب على الأمر لن يقدم لي الجديد، فهو سيناريو حياتي طيلة 13سنة. وبالإضافة اإى كل المعطيات المقدمة، فأنا أعاني من مرض القصور الكلوي، ووضعيتي الصحية متدهورة''. وعند تناولها مخطط صرف راتبها، أو كما أسمته ''صدقة الحكومة''، تقول فاطمة الزهراء: ''أنا أخصص جزءا لأولادي قدره 1500دج، أي بمعدل 500دج لكل واحد، و3000 دج لشراء المستلزمات الغذائية الضرورية فقط كالخبز والحليب والعجائن. أما مبلغ 1000دج فهو رهينة لتسديد جزء من القروض المسجلة''. لتقاطعها ابنتها سلمى.م، 12 سنة، المقبلة على شهادة البكالوريا ''لولا صدقة المحسنين لكنا في عداد الموتى. فأنا شخصيا أجني القليل من المال من خلال بيع ملخصات لمقالات فلسفية لتلاميذ الثانوية المترفين. لكن الأشد من هذا قسوة هو طردنا من البيت في شهر جوان المقبل فهل راتب أمي الذي لا يسدد تكلفة الخبز خلال الشهر يكفينا لاستئجار بيت؟'' ''الشهرية في القفة والقفة فارغة'' استتر وراء مقولة حسان، موظف وأب لأربعة أطفال، معنى عميق ومعبر عن الوضع الذي آل إليه المستوى المعيشي للمواطنين، حيث اعتبر أن ما يجنيه الفرد البسيط لا يكفي لتغطية حاجياته اليومية العادية، قائلا: ''على الجهات المسؤولة أن تدرك أن الفقر حقيقة مدت بجذورها في مجتمعنا، فكيف نفسر عدم تغطية راتب ب250000 دج أساسيات الحياة''، مضيفا أن ''الشهرية كلها تقتل في ملء القفة التي تلفظ أنفاسها قبل نهاية الشهر مع تدوين ''الكريدي على الكارني'' الذي لا يخلو درج مواطن منه''.