الرابطة الثانية هواة (مجموعة وسط-شرق): مستقبل الرويسات يواصل الزحف, مولودية قسنطينة و نجم التلاغمة في المطاردة    صحة: تزويد المستشفيات بمخزون كبير من أدوية الملاريا تحسبا لأي طارئ    رابطة أبطال إفريقيا (مرحلة المجموعات-القرعة): مولودية الجزائر في المستوى الرابع و شباب بلوزداد في الثاني    قرار محكمة العدل الأوروبية رسالة قوية بأن كفاح الشعب الصحراوي يحظى بدعم القانون الدولي    إيطاليا: اختتام أشغال اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7    المجلس الشعبي الوطني يشارك بنجامينا في دورة اللجنة التنفيذية للاتحاد البرلماني الافريقي    لبنان: الأطفال في جنوب البلاد لا يتمتعون بأي حماية بسبب العدوان الصهيوني    الجزائر-البنك الدولي: الجزائر ملتزمة ببرنامج إصلاحات لتعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة والشاملة    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7 بإيطاليا: مراد يلتقي بنظيره الليبي    زيارة المبعوث الأممي لمخيمات اللاجئين: الشعب الصحراوي مصمم على مواصلة الكفاح    الأعضاء العشرة المنتخبون في مجلس الأمن يصدرون بيانا مشتركا بشأن الوضع في الشرق الأوسط    ديدوش يدعو المتعاملين المحليين للمساهمة في إنجاح موسم السياحة الصحراوية 2025/2024    طاقات متجددة : إنتاج حوالي 4 جيغاوات بحلول 2025    مجمع سونطراك يؤكد استئناف نشاط محطة تحلية مياه البحر بالحامة بشكل كامل    ضبط قرابة 94 كلغ من الكيف المعالج بتلمسان والنعامة قادمة من المغرب    وهران: انطلاق الأشغال الاستعجالية لترميم قصر الباي    اجتماع وزراء الداخلية لمجموعة ال7: السيد مراد يتحادث مع نظيره الايطالي    سايحي يشدد على ضرورة تلقيح كل قاطني المناطق التي شهدت حالات دفتيريا وملاريا بالجنوب    السيد بوغالي يترأس اجتماعا تحضيريا للمشاركة في أشغال اللجنة الأممية الرابعة    لماذا يخشى المغرب تنظيم الاستفتاء؟    أدوية السرطان المنتجة محليا ستغطي 60 بالمائة من الاحتياجات الوطنية نهاية سنة 2024    تبّون يُنصّب لجنة مراجعة قانوني البلدية والولاية    إرهابي يسلم نفسه ببرج باجي مختار    ملفّات ثقيلة على طاولة الحكومة    عدد كبير من السكنات سيُوزّع في نوفمبر    يوم إعلامي حول تحسيس المرأة الماكثة في البيت بأهمية التكوين لإنشاء مؤسسات مصغرة    السيد حماد يؤكد أهمية إجراء تقييم لنشاطات مراكز العطل والترفيه للشباب لسنة 2024    افتتاح صالون التجارة والخدمات الالكترونية    افتتاح مهرجان الجزائر الدولي للشريط المرسوم    محارم المرأة بالعدّ والتحديد    ديدوش يعطي إشارة انطلاق رحلة مسار الهضاب    ليلة الرعب تقلب موازين الحرب    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    وهران: انطلاق الأشغال الاستعجالية لترميم "قصر الباي" في أقرب الآجال    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: سينمائيون عرب وأوروبيون في لجان التحكيم    كأس افريقيا 2025: بيتكوفيتش يكشف عن قائمة ال26 لاعبا تحسبا للمواجهة المزدوجة مع الطوغو    شرفة يبرز دور المعارض الترويجية في تصدير المنتجات الفلاحية للخارج    حوادث المرور: وفاة 14 شخصا وإصابة 455 آخرين بالمناطق الحضرية خلال أسبوع    مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي: الطبعة ال12 تكرم أربعة نجوم سينمائية    توافد جمهور شبابي متعطش لمشاهدة نجوم المهرجان    هل الشعر ديوان العرب..؟!    المشروع التمهيدي لقانون المالية 2025- تعويض متضرري التقلبات الجوية    مدى إمكانية إجراء عزل الرئيس الفرنسي من منصبه    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب:الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    تدشين المعهد العالي للسينما بالقليعة    نعكف على مراجعة قانون حماية المسنّين    حالات دفتيريا وملاريا ببعض ولايات الجنوب: الفرق الطبية للحماية المدنية تواصل عملية التلقيح    قوجيل: السرد المسؤول لتاريخ الجزائر يشكل "مرجعية للأجيال الحالية والمقبلة"    إعادة التشغيل الجزئي لمحطة تحلية مياه البحر بالحامة بعد تعرضها لحادث    بيتكوفيتش يكشف عن قائمة اللاعبين اليوم    منتخب الكيك بوكسينغ يتألق    حرب باردة بين برشلونة وأراوخو    هذا جديد سلطة حماية المعطيات    خطيب المسجد النبوي: احفظوا ألسنتكم وأحسنوا الرفق    مونديال الكيك بوكسينغ : منتخب الجزائر يحرز 17 ميدالية    الحياء من رفع اليدين بالدعاء أمام الناس    عقوبة انتشار المعاصي    حق الله على العباد، وحق العباد على الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البلاد في بيت “الجماعة” : لهذا منح المصريون “الإخوان المسلمين” مفاتيح الحكم

الجماعة ”المحظورة” في عهد مبارك استثمرت في الفقر وبنت إمبراطورية مالية وإعلامية
حملة انتخابية ب16 مليون دولار واتهامات بدعم قطري ورضا أمريكي وتواطؤ عسكري
موفد ”البلاد” إلى القاهرة: أحمد جوامعي
قد يقول قائل إن فوز حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين، في أولى مراحل الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة إلى حد الآن هو امتداد طبيعي لموجة المد الإسلامي التي اجتاحت المنطقة العربية وتحديدا في جزئها الشمال إفريقي باكتساح حركة ”النهضة” أغلبية مقاعد المجلس التأسيسي التونسي، وفوز حزب ”العدالة والتنمية” المغربي بنسبة مريحة من الأصوات دفعت بملك المخزن إلى تكليفه بتشكيل حكومة طيف ”إسلامي” لأول مرة في مملكة أمير المؤمنين·
وإن كان في هذا الرأي الكثير من الوجاهة والواقعية بناء على التجارب التاريخية التي أثبتت تأثّر هذه الدولة بعضها ببعض كونها تتشابه من حيث ظروفها السياسية والتركيبة البشرية لشعوبها، إلا أن المتابع للمسار الذي انتهجته ”الجماعة” كما يفضل المصريون تسميتها منذ تأسيسها على يد حسن البنا، مرورا بالمراحل التي عاشتها في ظل ولاية الملك فاروق والرؤساء المتعاقبين على حكم مصر بعد ثورة الضباط الأحرار عام ,1952 وصولا إلى فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك المطاح به في ثورة شعبية ضخمة شهر جانفي الماضي، يدرك أن ما تحقق لها من فوز كبير بحسب ما أعلن من نتائج المرحلة الأولى لأول انتخابات برلمانية حقيقية تجرى في البلاد منذ أكثر من 60 سنة، لم يكن وليد أنفلونزا ”إسلامية” تجتاح المنطقة العربية التي تقع مصر في قلبها، بقدر ماهو نتاج تأثير ونفوذ قويين صنعهما ”الإخوان” لأنفسهم على مدار سنين طويلة أتاحت لهم الاستئثار بشعبية كبيرة في أوساط 86 مليون مصري·
”البلاد” حاولت فهم بعض ملامح الأسباب التي منحت جماعة كانت مضطهدة ومحظورة ومضيق عليها منذ تأسيسها، كل هذا الرصيد الشعبي الذي لمسناه في إقبال الناخبين المصريين على اختيار مرشحيها في انتخابات الأسبوع الماضي، وهو ما لمسناه خلال تجوالنا بين مراكز الانتخاب في عدد من المناطق بالعاصمة المصرية القاهرة، لنستعرض صورا عن الخلفيات التي جعلت المواطن المصري ينحاز إلى الإخوان مع توافر خيارات أخرى أمامه تطرح عناوين أكثر جاذبية وحداثة في الساحة·
83 سنة ”معارضة”·· الأقدم في العالم!
يحتفظ إخوان مصر لأنفسهم بتاريخ نضالي طويل في المعارضة ومقارعة الأنظمة التي تداولت على حكم البلاد منذ فترة الملكية وصولا إلى آخر رؤساء العسكر المخلوع محمد حسني مبارك، فهم الحركة السياسية الأقدم في العالم التي بقيت تنشط في الظل وتحت سياط القمع والملاحقات الأمنية دون أن تنجح في تشكيل كيان سياسي ”معترف به” أو تحقيق هدفها في الوصول إلى السلطة منذ تاريخ تأسيسها نهاية العشرية الثانية من القرن الماضي·
ويبدو أن هذا الرصيد الطويل من حالات الاضطهاد الذي بدأ مع اغتيال مؤسسها حسن البنا واشتد أيام الرئيس جمال عبد الناصر واستمر في عهد مبارك، أكسبها تعاطفا واحتراما كبيرا في أوساط شريحة واسعة من الشعب المصري وهو ما يعكسه الانتشار الواسع لها في الأنشطة المجتمعية والنقابية والعلمية ونجاحها في انتزاع عدد مهم من المقاعد في انتخابات مجلس الشعب المصري سنة 2005 برغم التضييق الممارس عليها آنذاك والاعتقالات التي طالت عددا كبيرا من مرشحيها وقيادييها·
ويلمس من يحتك بالمواطن المصري هذا النوع من الاحترام للتجربة الإخوانية في معارضة الأنظمة الشمولية الحاكمة منذ عقود مديدة، فحديث أو استفسار عابر مع أي شخص بسيط بمجرد أن تسأله عن رأيه في الإخوان، يواجهك بالرد الذي سمعناه طيلة تجوالنا بين ميادين ومحافظات القاهرة ”إحنا نحترمهم لأنو هما ناس جامدين عانوا بشكل فضيع من قهر النظام البائد ومش عيب انو الواحد يوثق فيهم··”· واللافت في الأمر أن هذا الكلام سمعناه مرات عدة ومن أطياف متباينة في الثقافة والخلفية والمستوى الاجتماعي، بل إن كثيرين ممن التقيناهم أمام مراكز الاقتراع في انتخابات الاثنين الماضي قالوا ذات الجملة مع اعترافهم لنا بأنهم لم يصوتوا لصالح حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر·
الاستثمار في الفقر·· تأليف لقلوب ملايين ”الغلابى”
”حين تدرك أن أكثر من 40 مليون مصري يعيشون بدولار واحد في اليوم وترى حجم المجهود الذي تبذله الجماعة لعشرات الآلاف من الأسر الغلبانة والمريضة والأمية·· حينها فقط ستفهم سر الإقبال اللافت من الناس على الإخوان المسلمين··”، بهذه الجملة رد محمد زيدان، المسؤول العام لمنطقة العجوزة والمهندسين والزمالك في حزب الحرية والعدالة، على سؤال ”البلاد” بخصوص سر القبول الشعبي الذي يحظى به تنظيمه في بلد متعدد دينيا وثقافيا واجتماعيا مثل مصر·
جواب المسؤول الإخواني دفعنا إلى محاولة الغوص بشكل أعمق في عالم ”العمل الخيري” الذي اكتسبت من خلاله الجماعة سمعة واسعة صنفتها في خانة الحليف الدائم للطبقات المهمّشة والمحرومة في مصر التي يعاني أكثر من ثلاثة أرباع سكانها أوضاعا معيشية أقل ما يمكن أن توصف به أنها ”غير مقبولة”·
وقد تستغرب وأنت تطوف بين أحياء وأزقة القاهرة المكتظة بلافتات كثيرة ومختلفة لجمعيات خيرية تارة تكشف عن هويتها بإضافة ”إسلامية” إلى أسمائها وتارة أخرى تختفي بمسميات عامة فرضتها إكراهات التضييق الذي كان مفروضا أيام حكم ”الريّس” الملقى الآن في فراش المرض تحت الإقامة الجبرية، وقد لا تخلو معظم تلك الجمعيات كما ذُكر لنا من علاقات مباشرة وتنظيمية تارة أو فكرية تارة أخرى بالإخوان المسلمين، على غرار جمعية الدعوة الإسلامية والشبان المسلمون وهيئة الإغاثة وجمعية مصر للثقافة والحوار، إضافة إلى تمتعهم بحضور كبير داخل النقابات المهنية والعمالية·
كما قد يفاجأ الشخص وهو يزور بعض العشوائيات بالقاهرة أو الأحياء القصديرية، كما نسميها في الجزائر، بمشاهد لبعض المشاريع الخدمية كالمستوصفات ودور الحضانة وأحيانا حتى محولات الكهرباء التي وضعتها جمعيات وشُعَب محسوبة على الإخوان للتخفيف من معاناة السكان، في ظل الغياب الكلي للدولة·
وتشمل أنشطة الجماعة جميع أنماط العمل الخيري كتوزيع الصدقات وبناء المساجد والمصانع، وإنشاء الصيدليات والعيادات والمستشفيات التي تلبي احتياجات الطبقة المنسية، ولعل تجربة الإخوان على المستوى العالمي بما في ذلك الجزائر تمتلك رصيدا قويا في هذا الجانب، إلا أن الخصوصية في مصر تكشف بجلاء تغلغل الجماعة في هيئات المجتمع المدني والعمل الخيري إلى حد عميق، رغم التضييق الأمني الذي كان يلاحقها اعتمادا على تنظيم سري مكلف بالتوجيه والتغلغل واختراق الخصوم والتنظيمات الأخرى، كل هذا أكسبها شعبية وقناة للتعبئة والتجنيد تفسر جزءا كبيرا من خلفيات النتائج التي حصلت عليها في الانتخابات الأخيرة·
قوة تنظيمية استثنائية··قوامها الطاعة والغموض
يتميز الإخوان المسلمون في مصر بقدرة تنظيمية مثيرة للإعجاب، سمحت لهم بإدارة شؤونهم الاجتماعية والدعوية واستمرارهم في حشد المؤيدين على نحو أكثر فعّالية من أي جماعة أخرى في المشهد السياسي المصري، على الرغم من الحملات الأمنية المتلاحقة لأجهزة أمن الدولة والمخابرات التي كانت تترصدهم وتعتقلهم مع كل حركة·
ويذكر العارفون بخبايا التنظيم أن هذا الأخير يمتلك سلسلة بناء تنظيمي مرن وسري وصارم في نفس الوقت يبنى على قواعد هرمية وتسلسلية دقيقة، منطلقها ترسيخ مبادئ الولاء والسمع والطاعة في الخلية الأساسية للتنظيم وهي الأسرة التي تعد المحضن التربوي والفكري لآلاف الأفراد ممن يتم استقطابهم للدعوة مرورا بالشعبة وهي ما يطلق عليه في العرف الحزبي المكاتب المحلية، وصولا إلى رأس الهرم المتمثل في مكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة· ويربط كل هذا النظام ما يطلق عليه الاخوانيون مصطلح ”البيعة” وهو الأساس الذي تتركز عليه
قاعدة الولاء الايديولوجي للجماعة·
وخلف هذا التنظيم الداخلي امتلك التنظيم العالمي للإخوان المسلمين نفوذا وقوة أضحت تشكل روافد مالية كبيرة للجماعة الأم في مصر، ولعل بعض القراء يذكرون هنا الحقائق التي كشف عنها الملياردير المصري يوسف ندا، المكلف بتسيير أموال التنظيم العالمي، في حلقات ”شاهد على العصر” التي بثتها قناة الجزيرة القطرية قبل سنوات بعد تجميد كل أرصدته على خلفية أحداث 11 سبتمبر·
وأرجع عدد من المراقبين ومن بينهم المحلل السياسي ضياء رشوان في تعليق ل”البلاد” على الموضوع، عامل قوة التنظيم في حشد أصوات الناخبين إلى أن توحد الفكرة ومتانة التنظيم وانضباط الحركة يمنح الإخوان فرص عديدة في مقابل تحديات أكبر أمام التيارات والأحزاب الأخرى في مصر·
16 مليون دولار·· ميزانية الصومال في شهر لحملة الإخوان!
تحدثت هنا وسائل الإعلام المصرية عن رصد حزب الحرية والعدالة، مبلغا ماليا قدره 100 مليون جنيه مصري لحملة الانتخابات التشريعية الأخيرة التي أجل الإعلان عن نتائجها لأكثر من 3 مرات قبل أن تعلن أول أمس أي ما يعادل 16 مليون دولار أمريكي في حدود 150 مليار سنتيم بالعملة الجزائرية·
هذا الرقم الذي علق البعض بأنه يكاد يساوي ميزانية دولة فقيرة مثل الصومال خلال شهر واحد، يكشف حجم الاهتمام الذي أولته الجماعة في سبيل الترويج لنفسها ورغبتها في أن تكون القوة رقم واحد في برلمان ما بعد الثورة الشعبية، فالمتصفح للجرائد المستقلة والقومية (العمومية عندنا) أو المتبحر في الفضائيات الخاصة المصرية، يلحظ الزخم الإعلامي الذي صنعته الحملة الانتخابية لحزب الحرية والعدالة·
وكان من بين الملاحظات التي لفت انتباهي إليها أحد الزملاء الصحفيين المصريين، أن الومضات الإشهارية الخاصة التي كانت تروج لحزب الحرية والعدالة، بثت في قنوات مملوكة لأحزاب منافسة للجماعة، على غرار قنوات الحياة 1 و2 المملوكة لزعيم حزب الوفد السيد بدوي، الغريم التقليدي للإخوان، وهو ما يعكس الرغبة الملحة من قبل قيادات الحرية والعدالة في اقتحام الحصون الإعلامية لمنافسيهم بغض النظر عن التكلفة المالية لهكذا خطوة، الأمر الذي كان له مفعوله حسب المراقبين في الترويج لكثير من برامج ومرشحي الإخوان على نطاق واسع، شمل أيضا طبقات واسعة من الطبقة الوسطى أو الميسورة التي لم يكن للإخوان قنوات مباشرة للاحتكاك بها ونقل تصوراتها إليها·
وقد حاولت ”البلاد” التأكد من قيادات ميدانية للحزب عن حقيقة الرقم لكن دون أن تجد ردا واضحا، على اعتبار أن المبلغ الحقيقي المدفوع في الحملة يبقى أمرا يخص الهيئة المالية المركزية للحزب ويتم تداوله في الأطر المؤسساتية له·
هذا الرقم المتداول جعل الكثير من المنافسين السياسيين للإخوان، يتهمونهم باستخدام تلك الأموال لاستمالة الناخبين في عملية ”شراء مموه” للأصوات بنفس الأسلوب الذي كان مرشحو الحزب الوطني ”المحل” أيام مبارك يستخدمونه، لكن الإخوان يردون على ذلك بأن تلك التهم هي إحدى وسائل غرمائهم لتشويه صورتهم ويتهمون بالمقابل الليبراليين بالاستغلال الواضح للمال السياسي·
”الجزيرة” والقرضاوي·· القوة الناعمة ”المستترة” للجماعة
تظهر الأمور واضحة في نظر طبقة واسعة من المصريين حين تسألهم عن علاقة الإخوان المسلمين بقناة ”الجزيرة” الفضائية، حيث تلاحظ انقساما حادا حول تقييم أدائها ودورها الإعلامي في الساحة المصرية·
بل إن بعض الإعلاميين المصريين الذين تحدثت إليهم ”البلاد” لم يجدوا غضاضة في وصف القناة القطرية بأنها ”بوق إعلامي” فعال نجح في خلق رأي عام شعبي ونخبوي مؤيد أو متعاطف مع أفكار الجماعة، ويشير هؤلاء إلى أن ”الجزيرة” التي تحاول حسبهم إخفاء انتمائها يستطيع أي متابع لبرامجها وخطها الإعلامي أن يكتشف أنها تتبنى فكرا وإيديولوجية إخوانية لا تحتاج إلى ذكاء لافت للانتباه إليها·
ويظهر مصريون كثر استطلعنا رأيهم في الموضوع وعيا بهذا الأمر، برروه بخط القناة التي غالبا ما تحرص حسبهم على استضافة أشخاص يحملون ميولات إخوانية في برامجها و استديوهات التحليل لديها، إضافة إلى طبيعة المواضيع التي تطرح في أشهر برامجها التي تشهد إقبالا واسعا عليها تجاوز 100 مليون مشاهد على غرار برنامجي ”شاهد على العصر” و ”بلا حدود” لمنشطهما المعروف أحمد منصور، الذي يعتبر أحد أبرز المؤيدين للإخوان بشكل صريح وعلني·
كما يشير هؤلاء إلى أن معظم المسؤولين التحريريين في ”الجزيرة” هم من المتبنين لفكر الإخوان، ومن بينهم مدير عام القناة السابق نفسه وضاح خنفر الذي يقال إنه كان عضوا مع اخوان الأردن واعتقل سابقا لهذا الأمر، قبل أن يتم تعويضه منذ أشهر بالاعلامي الجزائري البارز الدكتور مصطفى سواق· كما يشار إلى مدير التحرير بالقناة محمد الشيخ المحسوب أيضا على هذا التيار·
وغير بعيد عن ”الجزيرة”، يشير المصريون أيضا إلى قناة ”المحور” التي تبث من العاصمة البريطانية لندن،
حيث لا تخفي هذه الأخيرة حسبهم ترويجها لأفكار الجماعة وقياداتها في مصر وباقي الدول العربية، كما كان حاصلا مع زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي قبل تطليقه منفاه الاجباري على إثر نجاح ثورة الياسمين في إسقاط نظام بن علي وفوز حركته بأغلبية مقاعد المجلس التأسيسي في تونس·
أما داخليا وبالرغم من عدم امتلاك الجماعة قناة فضائية معروفة تروج لها، كما هو حاصل مثلا مع حزب ”الوفد” الذي يملك قنوات ”الحياة” أو ”المصريين الأحرار” المحسوبة عليه قناة ”أو تيفي” المملوكة لرجل الأعمال القبطي نجيب ساويرس، فإنها بدأت تسجل حضورا إعلاميا لافتا لها من خلال تفكيرها في مشروع قناة ضخمة قيل لنا إنه سيحشد لها ترسانة اعلامية ومالية ضخمة· كما سجلت إصدار الذراع السياسية للجماعة جريدة يومية تحمل اسم الحزب ”الحرية والعدالة”، أضحت تنافس كبريات الصحف في البلد على غرار ”المصري اليوم” و”الشروق” و”اليوم السابع”، وهو ما يعكسه زيادة صفحات الإشهار التي تدل على قوة انتشار لافتة أغرت الشركات المعلنة على نشر اعلاناتها فيها·
بالمقابل لا يخفي رأي آخر ممن استطلعتهم ”البلاد” تأثير الشعار الإسلامي الذي تحمله الجماعة على استمالة الشريحة الأوسع من أصوات المصريين لصالحها، في حين يتحدث آخرون عن دور مؤثر لعبه ولازال الشيخ يوسف القرضاوي الذي يعد أحد كبار منظري ”الإخوان” المعاصرين، في نشر فكر الجماعة وإقناع قوى محركة كثيرة في الداخل المصري والمحيط العربي به، عبر إطلالته الأسبوعية في برنامج ”الشريعة والحياة” على قناة الجزيرة، خصوصا وأن الشيخ يعد أهم مرجعية إسلامية لدى السنة في العالم، فهو يتقلد منصب رئيس المجلس العالمي للعلماء المسلمين·
رفع ”الفيتو” الأمريكي··أم صفقة مع العسكر؟
لا يستبعد المشككون وجود صفقتين داخلية وخارجية، مكنت الإخوان من تحقيق الفوز الملاحظ في الانتخابات الأخيرة، خصوصا وأن التوقعات تشير إلى نسبة فوز أكبر من المنتظر تحقيقها في باقي المحافظات التي ستجرى فيها المرحلة الثانية من الانتخابات منتصف جانفي الداخل·
فالصفقة الداخلية التي يتحدث عنها هؤلاء، تتعلق بالتوصل إلى اتفاق ضمني بين الجماعة في شقيها الدعوي والحزبي وقادة المجلس العسكري على أساس التزام الأخير بعدم خلط الأوراق في الساحة المصرية وخلق الأجواء الملائمة لتمكين الإخوان من نيل ثقة المصريين عبر صناديق الاقتراع، مقابل تعهد ”الحرية والعدالة” الذي يحوز أغلبية مريحة تتيح أمامه تشكيل الحكومات مستقبلا، بغض النظر عن ملفات الفساد في المؤسسة العسكرية ووضع الملف في الدرج، خصوصا وأن كل المصريين يتحدثون عن تورط واضح في ملفات الفساد لعدد كبير من ضباط المؤسسة العسكرية بما فيهم أعضاء من داخل المجلس العسكري الحالي، أيام النظام السابق الذي انتشرت فيه عمليات النهب ”المقنن” لأموال الشعب على نطاق واسع مس كل مراتب المسؤولية في الدولة·
أما الصفقة الخارجية التي يذكرها هؤلاء، فقد تمت مع الولايات المتحدة الأمريكية التي وافقت على رفع ”الفيتو” من وجه الإخوان للوصول إلى السلطة، مقابل التزام حزب الكتاتني باحترام المعاهدات الدولية التي أبرمتها مصر سابقا وتحديدا هنا نقصد ”اتفاقية كامب ديفيد” للسلام مع الكيان الصهيوني، وكذا ضمان كبح جماح السلفيين في اللعب بأوراق قد تزعج أمريكا والقوى الليبرالية العلمانية والقبطية المتخوفة والمتوجسة بقوة من تمكن السلفيين ممثلين بحزب ”النور” أو الروافد الخرى المحسوبة عليه من تحقيق نتائج معتبرة في هذه الانتخابات·
كل تلك العوامل يضاف إليها ما ذكر عن أنها كانت لاعبا أساسيا في إفساح الضوء الأخضر أمام الجماعة لممارسة السلطة، لا سيما وأن الخصوصية التي تتمتع بها مصر مختلفة عن تلك التي في تونس أو المغرب مثلا، حيث تقل هذه الحسابات عن المشهد·
قطر والتمويل·· قنابل موقوتة في طريق ”الخوانجية”
استغربت كثيرا وأنا أسمع شبه إجماع لدى كل من استقصتهم ”البلاد” في الشارع المصري، من التوجس والامتعاض الواضح بخصوص الدور الذي تلعبه إمارة قطر في رسم مستقبل الثورة في أم الدنيا·
الدكتور (أيمن· س)، مدير الفندق الذي كنت أقيم فيه طيلة فترة تواجدي بحي المهندسين وسط القاهرة، وهو شخص مثقف ومتابع بشكل دقيق لتطورات الأوضاع في بلاده والمنطقة، أبدى حنقا وغضبا كبيرين حيال سياسة قطر تجاه ما تعيشه مصر في هذه المرحلة·
وقال ”أنا وغالبية المصريين لن ينسوا الدور السلبي الذي تلعبه دولة مثل قطر في بلادنا”، مضيفا أن الدوحة التي يخدمها حسبه ”استمرار” التراجع المصري في أداء أدواره الاقليمية لتخلو الساحة لها للعب بشكل أفضل، تتدخل بشكل واضح في تحريك الساحة من خلال ترسانتها الإعلامية ممثلة بقنوات الجزيرة والأموال الضخمة التي تمد بها بعض الأطراف السياسية في الداخل لخدمة أجندات معينة·
وبلهجة شديدة، قال المتحدث ”الإخوان سيخسرون شعبيتهم وكل شيء بنوه إن لم ينأو بنفسهم عن السياسة القطرية”، ومع أنه لم يجزم بوجود هذا الدعم القطري المباشر للجماعة، إلا أن مؤشرات عدة توحي بوجوده، حسبه·
وليس بعيدا عن هذا الطرح تأخذ أطراف عدة على الإخوان قربها الشديد من الدوحة التي تلعب حسبهم ”لعبة مشبوهة” في المنطقة· كما تنتقد تلك الأطراف التكتم الشديد الذي تتعامل به الجماعة فيما يخص مصادر تمويلها، خصوصا وأن قياديين منشقين عن الإخوان كانوا قد ذكروا لوسائل الاعلام المصرية أن الإخوان يمتلكون ميزانيات دول بعينها لا يمكن لأي حزب آخر في مصر أن يضاهيها·
ومع ما يثار من شكوك حول الأسرار الخاصة والغامضة لمصادر التمويل لدى الإخوان، يرد محمد زيدان، أحد قياديي الجماعة بمنطقة العجوزة في القاهرة المصرية، خلال حديثه ل”البلاد” بالقول إن اتساع رقعة التنظيم للجماعة وضخامته فتح الباب أمام نمو مالي كبير للجماعة يعتمد أساسا على اشتراكات العضوية· في حين تحدث عن مساهمات رجال الأعمال المنتمين للجماعة في عدد من الدول وخصوصا الخليج العربي بالتبرع والوصية والوقف وغيرها·
لكن ومع كل ما حاولنا رصده من أسباب تجعل هذا التنظيم يحظى بكل تلك القوة، فإننا استطعنا أن نعاين فقط بعض ملامح المشهد الإخواني في مصر، الذي يبقى محلا لمتابعة ودراسة عميقة كتب حولها الكثير قديما وحديثا، فهل سينجح هذا التيار في تنمية ما بناه من رصيد في عصر السرية والمعارضة والملاحقات الأمنية، أم أن تجربة الحكم ولغة السلطة كفيلة بأن تذوبه مثلما ذوبت تيارات وأحزاب سابقة، ولعل التجربة ماثلة في بعض الدول ومن بينها الجزائر·


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.