الثورة كما يقول علماء الاجتماع والسياسة في عصرنا هي تغيير مفاجئ وسريع وعنيف نسبيا· وهذا تعريف ينطبق على المشهد العربي القائم في ربيع الثورات التي تحاول بعض الأنظمة تصويره على أنه مؤامرة غربية ضد الدول العربية، والحاصل أن الأنظمة هي التي تعاملت مع الخارج ومَدَّتْهُ بأسرار الداخل، بل وسلّمته رعاياها وكل ملكت أيمانها· والقائلون بفشل الثورات العربية لم ينجحوا في محاولة تسويق خطاب الخطر القادم الذي يهدد العالمين العربي والإسلامي، لأن التجربة التونسية أثبتت أن الثورة نجحت في إسقاط نظام شمولي، وانتخاب مؤسسات شرعية تحظى بتزكية الشعب وتمهد الطريق نحو تطور اقتصادي وسياسي وثقافي في كنف الحرية الحقيقية والشفافية· وفي مصر أيضا نجحت الثورة، وهي تقاوم الآن الطابور الخامس وبقايا الذهنيات المتحجرة التي ترفض التغيير، وهذا أمر منطقي وطبيعي في تاريخ الثورات· وفي ليبيا وعلى الرغم مما يقال عن تدخل الناتو هناك، فإن نظاما شموليا آخر سقط، وهو النظام نفسه الذي سلم مشروع ترسانته النووية للولايات المتحدةالأمريكية بعد إعدام الراحل صدام حسين، وهو نفسه الذي اشترى براءته بدفع مبالغ خيالية من عائدات النفط للدول الغربية، وهو أيضا من دفع لساركوزي نفقات حملته الانتخابية التي كان عنوانها معاداة المهاجرين والمسلمين في فرنسا· أما الثورة في اليمن فهي تشق طريقها نحو الإطاحة بنظام صالح، ورغم محاولات الاستدراج فإن النظام هناك فشل في جر الثوار نحو العنف والحرب الأهلية، لأن هذه الأنظمة ولحظة شعورها بالخطر تبدأ في تفجير ألغام الفتن· وفي سوريا يسير الأسد نحو قفص الشعب الذي يرفض التنازل عن حقه في محاكمة النظام الأسدي الذي أوغل في سفك الدماء، وسط عجز عربي تام عن حماية المدنيين هناك، ورغم الاغتيالات والمضايقات والتهديد والترهيب الذي مارسته الأنظمة المتهالكة في العالم العربي، فإنها سقطت إما فعليا أو معنويا لأنها لن تتغلب على حتمية التغيير، والنجاحون في هذا المشهد هم من تمكنوا من التغيير تغييرا هادئا أو ثوريا، أما الفاشلون فمازالوا يبحثون عن العثرات الصغيرة ويعيّرون التغيير بالاستثناءات والهامش·