من المنتظر أن يصل اليوم من العاصمة الفرنسية باريس جثمان الفنان الراحل شريف خدام إلى قريته ”آيت بو مسعود” بولاية تيزي وزو التي شهدت مولده في الفاتح جانفي .1927 ورحل الموسيقار وعميد الأغنية القبائلية مساء أول أمس بإحدى المصحات الطبية بباريس، عن عمر يناهز 85 سنة· ونقل أول مرة إلى فرنسا على جناح السرعة لتلقي العلاج في 24 أوت ,2011 بعدما تعرض إلى وعكة صحية مفاجئة، حيث كان يخضع بالجزائر لعملية تصفية الدم منتظمة، غير أن التعب نال منه بشكل كبير، مما أجبر عائلته على نقله إلى فرنسا للعلاج· وترك رحيل الفنان صدمة لدى محبيه، خصوصا، والوسط الفني الذي يشهد له ب”الابتكار والتجديد” والمحافظة على التراث في الوقت ذاته· كما عمل على تطوير الأغنية القبائلية ونقلها من طابعها ”الفلكلوري” إلى العالمية بإدخال ”الأوركسترا” والمجموعة الصوتية في الأغاني التي يؤديها· وقالت وزيرة الثقافة خليدة تومي في بيان أصدرته أمس، إن الراحل ”جسد أفضل نموذج للفنان المبدع والمؤلف الموسيقي المتميز والمجدد، وكان يحركه شعور عميق بواجب الحفاظ على تراثه اللغوي وتثمينه·· فكان ذلك المبدع الذي يبحث عن الجمال ويجتهد في صياغة روائع تبقى خالدة”· وأوضحت وزيرة الثقافة أن ”الفن الموسيقي الجزائري سيبقى مدينا له بأنه خدمه دائما، بل أفنى عمره في سبيله”، مضيفة أن ”رحيل الفنان الكبير يعد خسارة كبيرة للعائلة الفنية الوطنية، بل خسارة لكل الوطن”· من جانبه، اعتبر ”حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية” في بيان أصدره أمس تلقت ”البلاد” نسخة منه، أن رحيل الفنان الذي وصف ب”المرجع”، يعد خسارة كبيرة للثقافة الجزائرية بكل مكوناتها، متوقفا عند مساره الموسيقي الحافل بالإنجازات المتميزة التي تعكس عمق وثراء الثقافة الأمازيغية· وفي السياق ذاته، يعد شريف خدام من أكبر الأسماء الفنية في تاريخ الموسيقى الجزائرية، حيث يعتبر أول من جدد في الموسيقى الأمازيغية من خلال الجمع بين التراث والحداثة بإدخال الآلات الموسيقية الحديثة على الأغنية القبائلية·
ورغم أن قدومه إلى عالم الفن والموسيقى كان صدفة، كما عبر عن ذلك في الحوارات القليلة التي تحدث فيها عن نفسه، غير أنه تمكن من ترك بصماته على سجل عمالقة الموسيقى الجزائرية والعالمية· وعندما سافر إلى فرنسا سنة 1947 على غرار أغلب شباب منطقته في ذلك الوقت بحثا على لقمة العيش؛ لم يكن ابن قرية ”آيت بومسعود” يعرف شيئا عن الموسيقى ولم يخطر بباله يوما أنه سيلج هذا العالم الفسيح·
من ناحية أخرى، حاول الباحث الطيب خدام في وقت سابق،، التوثيق لمسار الفنان الراحل من خلال كتابه ”شريف خدام الفنان مغتربا ومقيما”، وهو مؤلف يترجم مسيرة حياة ”العملاق” صاحب رائعة ”ادزاير إن شاء الله اتحلوض”، والذي طالب ابن عمه الكاتب بالتعجيل في نشره من أجل معاينته قبل رحيله، خاصة مع تدهور صحته واستقراره بفرنسا من أجل العلاج·
ويتطرق هذا الكتاب إلى شريف خدام، ويحتوي على تعريف مفصل به كإنسان بالدرجة الأولى ومسيرة حياته، بدءا بطفولته ودراسته داخل بيئته ومحيطه مرورا بانتقاله إلى الجزائر ثم فرنسا· وحرص الكاتب الطيب خدام، وهو ابن عم الفنان، على تصحيح الكثير من الأفكار المتداولة والخاطئة حول هذه الشخصية التي قدّمت الكثير للفن والفنانين الجزائريين، وذلك من خلال ترجمة أغانيه المعروفة من اللغة الأمازيغية إلى العربية، معقبا إياها بالشرح والتعليق عن المعنى والرسالة التي تحتويها·