ما يأتيه العرب في الأقبية .. ومن وراء الأسوار.. يفعله نتانياهو أمام الملأ.. ويوزعه على المارة في الشارع.. ولا يستحي من فعله إطلاقا. وما قد يبصره العربي نظارات قاتمة.. أو يتحاشى رؤيته إلا بجزء من مليون جزء.. يبصره نتانياهو كاملا .. وبغير نظارات. وما يتهامس العرب به خفية.. يعلنه نتانياهو بأعلى صوته.. ويزيد عليه كيلا من الشتائم.. يرسلها في طرود معلبة إلى كل العرب. وما ترتجف به يد العرب تحت الطاولة.. تلوح به يد نتانياهو فوق الطاولة.. دون خشية من أحد. بهذا كان نتانياهو واضحا جدا.. ويهوديا صرفا.. وصهيونيا إلى أبعد الحدود.. عاضا بأسنانه على ثوابت إسرائيل. في المقابل.. كان العرب مذبذبين.. يطرحون جلودهم عند كل زاوية.. مستبدلين بالجنسيات المعروضة عليهم جنسيتهم الوحيدة.. أملا في شيء واحد.. أن يغسلوا أيديهم من فلسطين. العرب يتهمون نتانياهو بالتعصب.. ويصفونه بالمريض سياسيا.. ويرجون من أوباما أن يضغط عليه كي يخفف من منسوب التطرف في دمه. غير أن العكس هو الصحيح.. فلم يكن نتانياهو بمنظور صهيوني أصح منه كما الآن.. فهو يتمتع بعافية سياسية كاملة.. ولولا ذلك ما انتخبه الإسرائيليون.. وما أحاط به هذا العدد الهائل من غلاة الصهاينة. لنتذكر كيف أرسلوا رابين إلى القبر بمجرد أن لوحظت في دمه بعض خلايا السلام الشاردة. المريض الحقيقي.. الذي تفتك بجسمه العلل هو النظام الرسمي العربي.. مريض يتجول خارج المستشفى.. وينقل أنفلونزا السلام إلى أقاربه وأبنائه ونسائه.. ويمعن في تحطيم أدوات الطبيب.. ويمزق كل الوصفات العلاجية التي تعرض عليه. ٌٌٌ مرض السادات بوهم السلام.. فسافر للعلاج في قسم الاستعجالات في الكنيست.. واعتل الملك حسين وياسر عرفات، وغيرهما.. فنزلوا ضيوف شرف على مدريد وأوسلو وواي ريفر.. لإجراء فحوص أولية.. فانتهوا نائمين على سرير الطاعة.. وقد حقنوا بهرمون السلام.. وبالنتيجة خرجوا بقوة أحصنة الجر.. يدفعون عربة التطبيع إلى الأمام.. دون أن يتعبوا أو يملوا أو يستريحوا أو يموتوا. لم يسقط حصان عربي واحد بسبب الإجهاد الذي تسببه هذه العربة الثقيلة.. لكنهم سقطوا جميعا بسبب العجز عن أداء تكاليف المقاومة.. واستحقاقات تطهير الشرف العربي من أوحال الهزائم. أتعجب.. عندما يريد العرب من نتانياهو أن يكون عربيا.. فيؤمن مثلهم بشرعية التفاوض بين اللص الذي اغتصب الدار وصاحب الدار الذي سرق منه المفتاح.. ويطرب لمواويل السلام الشرق أوسطى.. ويكون حازما مثلهم في قمع الرأي العام واستحماقه. ونتانياهو.. على غرار أسلافه الأحياء والأموات.. لن يكون عربيا بأي ثمن.. وبأية صورة.. وإلا كف عن أن يكون إسرائيليا.. وخان بن غوريون وهرتزل وغولدا مائير.. فما يفعله الآن.. ومافعله من قبل.. ينسجم تماما مع إيديولوجيته الصهيونية.. ومع وجود اسرائيل واستمرارها. على مائدته لائحة رفض كاملة للأشياء العربية.. هو لا يفاوض على عودة اللاجئين.. ولا على قيام دولة فلسطينية حية.. ولا على التنازل عن جزء من القدس.. أو حتى القبول بخيمة تنصب في زاوية من زواياها القديمة. فإذا فعل شيئا من ذلك.. يكون قد رمى الطاقية اليهودية من رأسه.. ووضع الطاقية الفلسطينية بدلها.. وشرع في دق الإسفين في جسد إسرائيل. لذا وكي يظل نتانياهو صهيونيا بامتياز ما على العرب سوى القبول بعرضه.. وإلا فقدوا كل شيء.. وانتهوا متسولين لفتات سلام قد لا يسقط من مائدته إلى الأبد. ٌٌٌ ما هو مخالف لطبيعة الأشياء.. أن يتخلى اللص عن المسروقات التي استحوذ عليها بالقوة.. ويقبل التفاوض مع الضحية.. أو يبدي العطف عليها. في قناعة بعض العرب.. يمكن أن تقوم علاقات عاطفية بين القاتل والمقتول.. بين المنفي ومن نفاه.. بين الجزار الذي يقطر سكينه دما والمطعون الذي يتدفق دمه على الأرض. هم مصابون بورم السلام الخبيث الذي عطل لديهم القدرة على التفكير.. وشل رؤيتهم للأشياء كما هي. المرضى اليائسون وحدهم يبحثون عن الدواء بأي ثمن.. ويقبلون أن يرسم الجراح ما شاء من خرائط الطريق على أجسادهم.. ويحدث ما يريد من ثقوب في جماجمهم.. سيرضون بذلك دون شك.. فدون الموت.. يكون كل شيء هينا.. وبالتالي لا مجال لديهم لقول لا. سلّم العرب بجدوى التشريح الأمريكي.. فقبلوا أن ينقب الأمريكيون في رؤوسهم لتقدير إلى أي مدى سيقبلون الإملاءات والاشتراطات. فثبت أن العرب لا يضعون خطوطا حمراء.. ولا حدودا للاستسلام.. وما يرفضونه اليوم.. يقبلونه غدا.. إنه الغوص في التنازلات إلى أبعد حد. لم يعد العرب بالنسبة إلى نتانياهو أكثر من إسفنجه.. كلما عصرها .. تدفقت منها تنازلات أكثر.. فملأ جيوبه بمكاسب لا سبيل لإحصائها. على مائدة نتانياهو أطعمة مسمومة وأخرى فاسدة.. وأخرى سيئة الإعداد.. والطباخ الصهيوني بارع في حمل العرب على ابتلاع ما يقدم لهم.. هم كائنات قمامة.. تلتهم ما يتخلف على المائدة. أكل منها عرفات فمات فجأة.. ومات قبله السادات عندما ابتلع كميات ضخمة من طبخه مناحيم بيغن.. وكل الذين جلسوا إلى المائدة المسمومة تعرضوا لحالات شديدة من التسمم والإسهال والموت. فلماذا يصر هؤلاء على الجلوس مرة أخرى إلى مائدة نتانياه؟!