أثارني كثيرا تصريح لأحد وزراء الخارجية العرب بشأن مبادرة عربية لوقف ''التدخلات غير العربية وغير البناءة في الشأن العربي''، الأمر مرتبط طبعا بإيران أو الكلام موجه لها على وجه التحديد من منطلق أنها الخطر الذي يستوجب محاربته. في حين يعمل هؤلاء وأقصد أمراء الأندلس على ترسيم السلام مع إسرائيل التي تغتصب الحق العربي منذ أكثر من نصف قرن، لا أدري تحت أي عنوان نضع مثل هذا التوجه العربي الغريب؟ هل هو تحت الرعاية السامية لوزيرة الخارجية الأمريكية الحسناء هيلاري، التي ضخّ لها الملوك والأمراء ورجال الأعمال العرب ملايين الدولارات في حساب زوجها بيل كلينتون؟ أم هي تحت الرعاية السامية لصاحبة السمو ''الملكي'' تسيبي ليفني؟ نتساءل بهذه المرارة لأن كلام مثل الذي سمعناه من وزراء دول ''الاعتدال'' مرفقين بدولتين مغاربيتين لا يدعو إلا للعجب لأسباب جد موضوعية. أولا : التدخل السافر للولايات المتحدةالأمريكية في الشأن العربي منذ النكبة وإلى يومنا هذا لم تقابله لاء واحدة من طرف زعماء وقادة محور التخاذل؟ أمريكا تدخلت في كل شيء حتى في ألوان الملابس الداخلية لبعض الزعامات العربية التي تدعي حرصها على القضية الفلسطينية. أمريكا اختارت المقويات الجنسية لكل الموالين لها في هذه الأنظمة على مدار تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، مرة قامت بهذا الدور بريطانيا العظمى ومرة أمريكا وثالثة إسرائيل نفسها فقد دربت مواليها على كيفية التحمل، كما دربتهم على قدرة القمع.. قمع الشعوب ودهسها. العرب... إذا اعتبرنا من اجتمعوا في ابوظبي هم ''العرب'' النموذج الرديء لكل ما قرأنا عنه في تاريخنا، لأننا وفي أقسى مراحل هذا التاريخ كان الأمراء والسلاطين والقادة يحتفطون ببعض من الكرامة. من حق قادة مصر أن يمنعوا تدخل إيران في القضايا العربية المتعلقة بمستقبل الأقباط مثلا لكن ليس من حقهم منع إيران من التدخل في شأن القضية الفلسطينية مادامت قضية العرب والمسلمين في كل العالم، بل والأحرار، لذلك ليس من حق ''العرب'' تأميم القضية الفلسطينية و''دحلنتها'' أو ''جلعدتها''، إذ كيف يحق للولايات المتحدةالأمريكية وللعربيد ساركو وبلير وكل المنحطين في العالم التدخل وتقليب المسألة الفلسطينية شمالا وجنوبا وتوضع الخطوط الحمراء أمام دولة مسلمة تدعم المقاومة التي تعتبر حقا مشروعا ليس في عقيدتنا فقط بل لدى عبدة الشجر والحجر أيضا. ثانيا: إن الشعوب العربية والمسلمة تعرف حدود تدخلات الطرف الإيراني في القضية الفلسطينية، والشعوب تعرف متى تسير خلف إيران، ومتى تقف في وجهها، لقد دعم بعض العرب التواجد الإيراني في العراق، مثلا: عندما كانت الشعوب تسير في الشوارع وفي كل العالم ضد المجازر الطائفية التي ارتكبتها المليشيات الشيعية، في تلك المرحلة كانت الدول العربية تعطي للاحتلال الأمريكي الشرعية السياسية لتواجده في العراق الأشم، ولم تتوقف تلك الدول عن تعاونها مع حكومة أعدمت زعيما عربيا، إلا عندما وصل مستوى الدم العراقي الركبتين. فما الذي جعل الشعوب لا تسير وراء الطائفية ووراء إيران؟ هل هو ناقوس إنذار دقه هؤلاء القادة؟ أبدا والجميع يعرف، بل هو إحساس هذه الشعوب التي باتت تعرف كل كبيرة وصغيرة، أتذكر وإلى وقت قريب أن الشيخ القرضاوي هو الوحيد الذي وقف ضد إيران في حربه على التشييع ولم تقم دولة عربية واحدة بالوقوف إلى جانب الداعية الشجاع. فلماذا سكتت الحكومات العربية؟ ولما تركت الشيخ القرضاوي وحيدا في مواجهة إيران؟ فهل كانت الحكومات العربية تلتزم الصمت لو تعلق الأمر بأمن إسرائيل أو الولاياتالمتحدةالأمريكية؟ ألم أقل لكم أن مستوى المذلة في الوطن العربي وصل إلى درجة لا تصدق؟ لقد أحرج أردوغان القيادات العربية وعلى رأسهم ''عمو موسى'' عندما رد كأي مسلم يملك الأنفة والنخوة والشهامة على رئيس دولة القتل شمعون بيريز، لقد سمعت بعض المطربين العرب يردودن في أغانيهم تمجيدا للعروبة اسم صلاح الدين والحقيقة وهذا معروف أيضا أن صلاح الدين كان من جيران آباء أردوغان، بل إن مؤسس الخلافة العثمانية عثمان الأول ينحدر من قبيلة جاءت مع المغول في غزوهم لديار المسلمين لكن سرعان ما أسلموا وشيدوا خلافة المسلمين التي دامت أكثر من ستة قرون. إذن المسألة برمتها لا تتعلق بالتدخل الإيراني أو غير العربي كالتركي مثلا في الشأن العربي، كما يقول وزراء خارجية العرب في لقاء أبوظبي، بقدر ما يخص التزام عربي غير مفهوم بمناهضة المقاومة ومعسكرها، التزام يصب في النهاية في حساب أمن إسرائيل الذي تحميه اتفاقات العار، أقول المذلة والعار لأننا لا نفهم كيف تبيع الحكومة المصرية الغاز المدعم بين قوسين وبأسعار تفضيلية لإسرائيل في الوقت الذي لا تستفيد فيه المملكة الأردنية من هذا الامتياز وهي المحاطة بدولة من أغنى الدول نفطية والوحيد الذي كان يقر هذا الإجراء هو صدام حسين الذي أعدمه العملاء والأعداء. إن الشعوب العربية أيقنت قطعا بأن مستقبل القضية الفلسطينية سيكون بخيار المقاومة بعد قرابة 30 سنة من السلام المزعوم ومعاهدات العار والاستسلام ومهما حاول معسكر الاعتدال تقديم نفسه على أساس التعقل ومصلحة القضية الفلسطينية فإن الشعوب لا تخطئ في حكمها التاريخي أبدا فهي يوم سارت مع الراحل ياسر عرفات كانت تعرف مقدار موقفه والأمثلة كثيرة. إن الوضع المتردي الذي نوجد اليوم عليه كعرب قد يدفع ببعض رموز معسكر التخاذل إلى الضغط على فنزويلا من أجل إعادة علاقاتها مع إسرائيل وقد فعلها المغرب عندما طرد السفير الفنزويلي بعد 48 ساعة من قطع العلاقات بين كاراكاس وتل ابيب.