مرة أخرى تلجأ الجماعة السلفية للدعوة والقتال إلى الأكاذيب المفضوحة، مدعية أن الجيش هو من يقف وراء موجة حرائق الغابات التي عرفتها البلاد مؤخرا، في حين أنها هي التي تقوم بإضرام تلك الحرائق الإجرامية.وعمد تنظيم درودكال إلى انتهاج سياسة الأرض المحروقة، من أجل عرقلة تقدم قوات الجيش والأمن نحو معاقله، في إطار عمليات التمشيط الواسعة التي بوشرت مؤخرا ورافقها ضرب حصار محكم على أماكن تمركز المجموعات الإرهابية، لاسيما في منطقة القبائل. وأمام اقتراب ساعة الحسم، لم يجد الإرهابيون من حيلة، سوى الاحتماء بسواتر من النيران التي يقومون بإضرامها، والتي تتسبب كذلك في نشوء سحب من الدخان الكثيف، تشوّش على طائرات الاستطلاع العسكرية التي تقوم برصد الإرهابيين وتحديد مواقعهم. وينبغي الإشارة هنا إلى عامل آخر؛ وهو الحصيلة الثقيلة للقتلى من الإرهابيين الذين سقطوا خلال العمليات الأخيرة للجيش، في باتنة وتادمايت وغيرهما، حيث تم العثور على جثث العديد من الإرهابيين، الأمر الذي يدفع بالجماعة السلفية، إلى إضرام النيران حتى لا تتوغل القوات المشتركة في مناطق تمركزها وتقف على حجم الخسائر في صفوف الإرهابيين، أو تسترجع الجثث وتتعرف على هوية أصحابها، بما يضع بين يدي قوات مكافحة الإرهاب، معطيات ومعلومات في غاية الأهمية . وإلى جانب حرائق الغابات، يقوم الإرهابيون بإذكاء نيران من نوع آخر، فمن خلال بث إشاعات فحواها أن الجيش هو المسؤول عن هذه الأعمال الشنيعة، يسعون لدق إسفين الفتنة، وتأليب المواطنين ودفعهم إلى الاحتجاج، بإيهامهم أن قوات الأمن هي المتسببة في معاناتهم من موجة الحر الشديدة الناجمة عن الحرائق، مما قد يؤدي إلى وقوع انزلاقات بالشارع، تعرقل جهود مكافحة الإرهاب. في حين أن جماعات الموت هي المتسببة في وقوع هذه الحرائق عن طريق مباشر أو غير مباشر، فبالنسبة للعامل غير المباشر، تزرع الجماعات الإرهابية الألغام البدائية في محيطات معاقلها بكميات كبيرة. ومن المعروف علميا، أن اللغم المزروع تحت الأرض، يسبّب ارتفاعا شديدا في درجة حرارة التربة بدائرة قطرها حوالي 20مترا، وهذا ما يزيد في فرص نشوب الحرائق. ومما يعلمه العام والخاص، أن هناك أسبابا متعددة لوقوع حرائق الغابات، فبإمكان قطعة زجاج صغيرة ملقاة على الأرض أن تشعل حريقا عند تعرضها لأشعة الشمس لفترة طويلة. وبخصوص العامل البشري؛ يكفي أن يلقي أحدهم بعقب سيجارة لتقع الكارثة، كما أن هناك ممارسات خطيرة يقوم بها السكان المقيمون بجوار المحيطات الغابية، مثل إضرام النيران بالغابات، من أجل توسيع مناطق الرعي، لأن ذلك يؤدي إلى تجديد نمو الأحراش والنباتات التي تقتات عليها الماشية، وهناك من يقوم بهذا السلوك المشين، لتحويل الرقعة المحروقة إلى أرض قابلة للحرث والزراعة بعد التخلص من الأشجار. وعموما، فإن حرائق الغابات ليست ظاهرة مقتصرة على الجزائر، فقد شاهدنا احتدامها مؤخرا في أوروبا، بسبب موجة الحر، وكانت الحرائق هناك أخطر وأوسع رقعة من تلك المسجلة بالجزائر، ولكننا لم نسمع أحدا في اليونان أو فرنسا أو إسبانيا وغيرهما من البلاد الأوروبية، يتهم الجيش بإضرامها. وفي المحصّلة لا يمكن لأحد إنكار حقيقة أن الجيش يسهم دائما بفعالية في جهود إخماد الحرائق والإنذار المبكر عند وقوعها، ويسخّر إمكانياته لإجلاء السكان عن مناطق الخطر، مثلما تدخل في باقي الكوارث الطبيعية التي حلت بالجزائر، كفيضانات غرداية وباب الوادي، والزلازل التي ضربت بومرداس وعين تموشنت وقبلهما زلزال الشلف. وهناك حالات عديدة لعسكريين قضوا حرقا أو اختناقا خلال عمليات إطفاء الحرائق، ومنهم من أصيب بحروق خطيرة، ألحقت به تشوهات خطيرة ستلازمه طول حياته، وهذه الوقائع معروفة عند المواطنين.