يحاول واسيني الأعرج في روايته الجديدة «رماد الشرق» الصادرة عن «منشورات الجمل»، أن يستعيد قرنا من الحياة العربية من خلال حيوانات متضاربة لأناس بسطاء، لا يستطيع التاريخ قولها، فالرواية وحدها بإمكانها اختراق أسرارها، ولا يمكن فهم ما يحدث اليوم من ثورات دموية وانتفاضات إلا داخل هذا الغليان الذي أشعل القرن العشرين مخلفا وراءه تمزقات تراجيدية، ترابية وإثنية ودينية، من الصعب رتقها بالوسائل التقليدية. وتنفتح «رماد الشرق» في جزئها الأول «خريف نيويورك الأخير»، وفق تقديم الناشر، على مشهدية انفجار البرجين التوأمين «برجي مركز التجارة العالمي» في «نيويورك»، أو «تفجيرات 11 سبتمبر» التي قلبت العالم سياسة واقتصادا، وعلى «جاز»، برفقة صديقته «ميترا»، وهو يصرّ على الانتهاء من «سيمفونيا» تخلد جدّه الذي اخترق القرن العشرين، وعاش كل الحروب التي جعلت الوطن العربي على ما هو عليه اليوم، من إعدام الأحرار الذين قاوموا العثمانيين وآلة «جمال باشا» السفاح، إلى فجيعة «سايكس بيكو» والجغرافيا الجديدة التي فرضتها، إلى انهيار الثورة العربية، وإلى قضية فلسطين، والدكتاتوريات العربية وحروبها الخاسرة، وصولا إلى انفجار البرجين التوأمين الذي ختم دورة القرن منهيا عصرا بكامله. و«جاز»، في رواية واسيني، هو موسيقي أمريكي من أصول عربية، ترك الطب في وقت مبكر ليتفرغ للموسيقى، قبل أن يعود له من جديد تضامنا مع ضحايا انفجار البرجين التوأمين. ويفاجأ «جاز» في المستشفى بنشوء عنصرية لم يعهدها من قبل، تخترق المجتمع الأمريكي وتكبله، لكن إصراره على الاستماع إلى قصة جدّه في «توليدو» الأمريكية وتجسيدها موسيقيا، تُصالحهُ مع تاريخ خفي بعيد اكتشافه من خلال الموسيقى. من ناحية أخرى، يواصل «جاز» في الجزء الثاني من الرواية «رماد الشرق.. الذئب الذي نبت في البراري»، البحث في هوية كانت دفينة، من خلال مسار جدّه الحياتي، وعبر عناصر «السيمفونية» التي يقوم بتركيبها قطعة قطعة قبل أن تتشكل نهائيا؛ من حاضره الأمريكي القاسي الذي يعتبره عربيا ومسلما معاديا بسبب الهجوم الإرهابي على البرجين، إلى حكايات جدّه «بابا شريف»، يعيد بناء صورة بداية القرن العشرين بالأبيض والأسود، وبدون أية «رتوشات». ويقول الناشر إن القارئ يتعرف على اللحظة الأولى التي يرى فيها «بابا شريف»، المناضل القومي، والده في سجن عاليه، ثم معلقا على أخشاب المشانق في بيروت بأمر من «جمال باشا السفاح»، ويعيش مقاومة البطل القومي «يوسف العظمة» في سوريا ويكتشف «لورانس العرب» و«الأمير فيصل» و«أللنبي» و«الأمير عبد القادر» الحفيد، وغيرهم ممن صنعوا عصرا بكامله كانت رهاناته دولية أكثر منها عربية. وتصبح سيمفونية «رماد الشرق» التي يعرضها «جاز» في «أوبرا بروكلين»، رهانه ووسيلته للانتصار للحياة ولاستعادة تاريخ جدّ لم يكن في النهاية إلا وسيلته لكشف المآلات التي وصل إليها الوطن العربي اليوم، على حد تعبيره.