يعتقد الناقد والكاتب المسرحي سمير مفتاح أن هناك عدة جرائم تقترف في حق الطفل من خلال المسرح في الأعمال المقدمة، فغياب أهل الاختصاص منح الفرصة للدخلاء لإرساء قواعد جديدة في ميدان الإنتاج والتوزيع تكاد تكون تجارية أكثر منها فنية أو تربوية.. ^ تقام في بعض الولايات مهرجان خاصة بمسرح الطفل بمسمى مهرجان وطني، على غرار مهرجان خنشلة، هل تتصور أنه لدينا إنتاج خاص بالطفل بالقدر الذي يسمح لنا بإطلاق مهرجانات؟ لا زلنا بعيدين كل البعد عن إرساء أسس صحيحة وصحية لتنظيم مهرجان دولي أو وطني خاص بالطفل، لعدة أسباب قد أذكر منها تغييب أهل الاختصاص من الإشراف على هكذا تظاهرات، وإهمال إنتاج الأعمال اللائقة بالطفل بالنسبة لجل المؤسسات الثقافية التي تشرف على المسرح رغم أن دفتر شروط تسيير المؤسسات المسرحية يرغم هذه المؤسسات على تقديم حصة الأسد من إنتاجاتها لفئة الطفل إلا أن ذلك يبقى حبرا على ورق لغالبيتها. ^ ماذا قدمت هذه المهرجانات لمسرح الطفل، وكيف تنظر إلى العروض المقدمة فيها؟ مع احترامي للجهد الذي يبذله البعض هنا وهناك، غير أننا لم نرق بعد إلى ما يحتاجه الطفل من تربية فنية في ميدان المسرح الذي يعد مدرسة بحد ذاته يشمل كل الفنون من اللغة إلى الخطابة والموسيقى والرسم إلى الأداء والرسائل السامية في المضمون وغيرها من جماليات تساعد في التربية السليمة لأطفالنا.. إلا أننا أغفلنا كل هذه الجوانب وقزمنا الأعمال المسرحية التي تقدم للأطفال إلى تهريج لا يتقبله الطفل في أغلب الأحيان نظرا لسعة اطلاعه وانفتاحه على العديد من المجالات فطفل القرن الواحد والعشرين ليس طفل القرن التاسع عشر، لتبقى هذه المهرجانات مجرد نشاطات عابرة لا تسمن ولا تغني من الجوع الثقافي للطفل الذي هو بحاجة لإبداع أكبر وجهد أكبر. ^طيب.. كيف تنظر إلى واقع مسرح الطفل في الجزائر؟ هناك عدة جرائم تقترف في حق الطفل من خلال المسرح في الأعمال المقدمة أحيانا فنظرا لغياب الرقابة على ما يقدم لأطفالنا الذين هم كالإسفنجة يمتصون كل شيء سواء كان إيجابيا أو سلبيا.. ورغم الإمكانيات المادية الكبيرة التي خصصتها الدولة في السنوات الأخيرة للرقي بمسرح الطفل، إلا أن غياب أهل الاختصاص من الإشراف على ميدانهم منح الفرصة للدخلاء على الحقل الثقافي عموما والمسرحي خصوصا لإرساء قواعد جديدة في ميدان الإنتاج والتوزيع تكاد تكون تجارية أكثر منها فنية أو تربوية؛ ما انعكس سلبا على غالبية الأعمال والنشاطات الموجهة لفئة الطفل. ^ تقام بقاعتي «الأطلس» و«الموڤار» في العاصمة، والعديد من دور الثقافة في مختلف الولايات، عروضا خاصة بمسرح الطفل بصفة أسبوعية، هل ترقى هذه الأعمال لمستوى المسرح، أم أنها مجرد نشاطات ترفيهية في اعتقادك؟ قاعتا «الموڤار» و«الأطلس» ثم ملحقة الفنان عبد الوهاب سليم ب«شنوة»، وباقي فضاءات الديوان الوطني للثقافة والإعلام وحتى المكتبات؛ تقدم برنامجا قارا لفئة الطفل والذي صنع له جمهوره لأن فكرة الاستمرارية والابتعاد عن المناسبتية تعطيك القدرة على الانتقاء وتقديم الأفضل، لكن يبقى غياب الإنتاج معضلة في وجه المشرفين على البرمجة لذا نلجأ أحيانا لتقديم ألعاب سحرية وترفيهية نظرا لضعف الأعمال التي تقترح علينا، ولأننا في تواصل مستمر مع جمهورنا من الأطفال والأولياء ونوزع أحيانا استمارات لتقييم ما نقدمه.. وندرك أن جمهورنا الصغير يمارس حقه في النقد وهذا ما يجعلنا نتقن انتقاء الأعمال المسرحية اللائقة رغم قلتها. كما أن النشاطات التي تقدم هنا وهناك في بعض المسارح ودور الثقافة يبقى الهاجس بشأنها واحد، وهو نوعية الإنتاج وقيمته الفنية. ^ هل مشكل مسرح الطفل يكمن في النصوص أم التمثيل والإخراج؟ لا أعتقد أن المشكل يكمن لا في النصوص ولا في الممثلين ولا في المخرجين، فنحن نملك خيرة الكتاب وخيرة الممثلين والمخرجين.. الإشكال الحقيقي هو الخيار والاختيار؛ فالنزعة المادية التي اخترقت «الفن الرابع» في الجزائر سمحت لكل من هب ودب أن يعبث على الركح ويقدم الرداءة وتغييب المبدعين الحقيقيين والجزائر غنية بهم هو ما جعل مسرح الطفل يحتضر. ^ تقول إن من هب ودب صار يشتغل في مجال مسرح الطفل، من المسؤول عن هذه «الفوضى»، إن صح التعبير؟ كلنا مسؤولون على ما يحدث في مسرح الطفل بداية كآباء نرافق أبناءنا لفضاءات العرض ونشاهد أي شيء ونصمت، وكإعلاميين نحابي هذا وذاك ونخفي الحقيقة ونمدح السيء ونذم الحسن.. وكمؤسسات أيضا لابد أن نبحث ونقدم الأفضل كمبدعين صرنا نرضى بما يفرض علينا من أجل البقاء.. إنها مأساة يشارك فيها الجميع. ^ هل يجب أن يخص مسرح الطفل لرقابة الدولة، خصوصا أنه يستهدف فئة حساسة من المجتمع؟ لابد من الصرامة في الرقابة وليس الرقابة فقط.. أنا مع حرية التعبير والرأي في كل شيء، إلا مسرح الطفل لأنه يحمل بذرة نزرعها في أبنائنا القصر، فإن كانت البذرة صالحة صلح المجتمع وإن كانت فاسدة أفسدنا جيل المستقبل، فلا بد لأهل الاختصاص من أبناء المسرح وأطباء نفسانيين ومختصين تربويين من التجند لتجنب كارثة تنمو في الخفاء. ^ ما هو سبب غياب مسرح الطفل في المقررات الدراسية وحتى الأنشطة الدراسية الموازية، في رأيك؟ لو أدخلنا المسرح في مقرراتنا الدراسية، فإننا سنحل مشكلة وطن نظرا لما يحمله هذا الفن بين طياته من إيجابيات وفنون ترقى بالطفل إلى أسمى درجات الثقافة، فالمسرح من أرقى وسائل الاتصال والتكوين وخاصة بالنسبة للطفل؛ لذا فإننا نجد كل الدول المتقدمة تدرس المسرح في مقرراتها المدرسية فهو جامع لكل الفنون ونتمنى أن يجد هذا الحلم إرادة سياسية لتجسيده على أرض الواقع.