كان يا مكان في قديم الزمان طفل وسيم يدعى ياسين. كان محبا للحياة. وذات يوم اشترى له والده بدلة غاية في الجمال، لكنه مات دون أن يلبسها. قتلته وحوش الغابة السوداء. وتوتة توتة. انتهت حتوتة ياسين والبئر اللعين.. ليتنا نستطيع أن ندفن قصة مقتله في حكايانا. لكنه واقع.. ياسين اختطف.. ياسين قتل.. ياسين رمي في بئر ودمعة والدته لم تكفكف في ظل جهل الأسباب والمسببين. ولدينا ملايين من ياسين نخشى عليهم من وحوش الغابة السوداء. رحل أطفالنا اختطافا.. أولهم ياسين الطفل الذي يفيض براءة، حين نشرت صوره في الجرائد، قلت إن طفلا كهذا لا يمكن أن يختطف ليقتل، ربما اختطف ليبتز أهله، أو اختطف لمنحه لعائلة حرمها القدر من الخلفة.. فلو فكر أحد في قتله لشلت يده قبل أن يفعلها لأن البراءة ستصرخ في عينيه وتمنع القاتل من ارتكاب فعلته. كيف يمكن أن يقتل طفل يبتسم؟؟ كنت غبية حين فكرت بهذه الطريقة. غبية في زمن لا يمكن أن نقيم الحوادث بالعاطفة. عليك أن تضع بدل قلبك حجرا يسبح باسم الدم والقتل والدمار. عليك أن تتوقع حين يقال لك إن طفلا اختطف أنك ستعثر عليه مهملا في المزبلة العمومية وقد قطعت أجزاء جسده في أكياس بلاستيكية ممزقة ونهشتها الكلاب الضالة التي ستتحول إلى آكلة لحوم البشر وقد يصبح حينها من الغريب أن نربي كلبا في الدار لأنه قد ذاق لحم البشر. ربما سوف لن ترتاب يوما وأنت ترى رأس طفل مقطوعا ومرميا بالمفرغة العمومية وتزيحه عن طريقك ثم ترحل بعدها وكأن ما رأيته لا يستدعي التفاتتك واهتمامك. لقد مات ياسين.. عثروا على جثته في بئر غير بعيدة عن منزله وكان بالأمس يحلم بالمدرسة ورفاقه ومعلمه. وكان يحلم بالكرة. أن يلعب ويلعب .. . يحلم بأشياء عديدة أكبر من جسمه الصغير. وربما كانت والدته تنهره وهي تشاهده يتابع أفلام الكارتون العنيفة. وتقول له حين يصرخ ليلا وقد أرعبته مشاهد الفيلم. إنها ليست حقيقة حبيبي. لا تخف فالبشر طيبون ليسوا مثل الوحوش الذين شاهدتهم. لكن قصة وفاته كانت فيلم رعب هل انتهك عرض ياسين؟؟ هل سرقت إحدى أعضائه البشرية؟ هل علينا الحديث عن انتهاك عرض قاصر أم انتهاك عرض مجتمع تسلل إلى قلبه الوحوش الآدمية؟ وهل أضحى لزاما علينا أن نقبل أبناءنا كثيرا ونقول لهم الوداع الوداع لأنهم قد لا يعودون إلى أحضاننا. هل علينا أن نعزل أبناءنا ونمنعهم من الحديث للغرباء. أن نمنعهم من مغادرة المنزل. أن نحثهم على حراسة أعضائهم البشرية لا أدواتهم المدرسية ودريهماتهم التي نمنحها لهم قبل أن يغادروا البيت. هل حان الوقت الذي لن نروي فيه لأبنائنا قصصا من حكايا الجدة ونقول لهم في البداية كان يا مكان في قديم الزمان لأن الزمان حان وما كان ماض خيالي أضحى واقعا معاشا؟؟ هل علينا أن نحذر أبناءنا أن إياكم أن يبيعوكم؟ هل نوظف حراسا لهم مقابل مبلغ مالي نقتطعه من مصاريف الأبناء ونضعه ركنا قارا في ميزانية البيت؟ أم نتولى نحن الحراسة اقتصادا للمبلغ المالي وبالمقابل نخلف أعمالنا وأشغالنا ففي النهاية أبناؤنا أهم من كل شيء؟ هل تصبح الحياة الكريمة بدلا من رغد العيش. العيش دون اختطاف دون قتل. دون سرقة أعضاء بشرية؟ ياسين مات.. لكن لدينا اليوم ملايين من ياسين علينا العمل على حمايتهم. وهم يتمنون أن تكون قصة اختفاء ومقتل ياسين من خيالنا نحن الكبار. لقد خلف اختطاف الأطفال خوفا هستيريا لدى العديد من العائلات الجزائرية التي فرضت على أبنائها حصارا لئلا يفاجئهم نفس المصير وفي الوقت الذي كان من المفروض أن يقضوا عطلتهم في اللعب بعد موسم دراسي شاق، هم اليوم يعيشون تحت هاجس مقتل الطفل، وخوف أوليائهم من اختطافهم وتعرضهم لنفس المصير. سجن المنزل أهون من اختطافهم إن ظاهرة اختطاف الصغار قد استفحلت ونحن نخشى على أبنائنا من أن تطالهم يد المختطفين. لا أدري أي بشر هؤلاء الذين يقتلون طفلا بريئا ويرمون به في بئر.. لقد أثارت الحادثة رعبا كبيرا خصوصا لدى أبنائنا. واضطررت إلى سجنهم ومنعهم من مغادرة المنزل رغم الاكتظاظ وضيق الحجرات. والحرارة الشديدة إلا أن هذا أهون علي من أن أفكر مجرد تفكير بأنهم سيتعرضون لاختطاف مجهولين. بهذه العبارات عبرت السيدة سامية التي تقطن بأحد أحياء العاصمة الشعبية عن قلقها حراس للأبناء لقد تأثرت كثيرا لانتشار ظاهرة اختطاف الأطفال والعثور عليهم مقتولين بعدها.. لا أدري إن كان من يجرء على الاختطاف ومن ثمة القتل يملك قلبا ويشعر كباقي البشر. أي زمن هذا الذي وصلنا إليه (الله يستر على وليداتنا) هذا ما قالته الحاجة فاطمة التي أكدت أنها لا يغمض لها جفن خوفا على أحفادها. وقد عينت نفسها حارسا عليهم لتراقبهم، لاسيما وأن أمهم عاملة وكذلك والدهم. وبالرغم من تذمر أحفادها من قيد الرقابة الذي تحكمهم بها الجدة، إلا أنها تفضل ذلك على اختطافهم. سأتحمل صراخهم ودوشتهم وكل شيء المهم أن يبقوا أحياء. اختطاف الأطفال.. الظاهرة الغريبة تعتبر ظاهرة اختطاف الأطفال سواء للمتاجرة بهم أو انتهاك عرضهم ظاهرة غريبة عن مجتمعاتنا، إلا أنها شهدت في السنوات الأخيرة استفحالا ملفتا مرده الظروف الاجتماعية التي تدفع بالكثيرين لامتهان أقدم «مهنة» في الحياة «الدعارة» لضمان العيش دون مد اليد. حتى اللجوء إلى سرقة الأطفال وبيعهم وتهريبهم أو سرقة الأعضاء البشرية للمتاجرة بها. كذلك فقد دق الباحثون في مجال علم النفس والاجتماع ناقوس الخطر جراء تنامي ظاهرة تعرض القصر للاغتصاب، حيث أثبتت الإحصائيات أن نسبة معتبرة من الأطفال تعرضوا للاغتصاب أو التحرش الجنسي وقد سبب الأمر عقدا نفسية متفاوتة أثرت سلبيا على حياة الأطفال وخلفت اضطرابات بسيكولوجية كما أن إعادة تأهيل المغتصبين والمختطفين تتطلب رعاية نفسانية خاصة يشرف عليها مختصون واهتماما بالغا حتى يتم إدماجهم في المجتمع الذي غالبا ما ينعزلون عنه وعن الحياة العامة انطلاقا من القطيعة التي تحدث، بسبب فقدان الثقة في المحيط الخارجي الذي كان سببا في اغتصابهم. إلى هؤلاء البوهيميون حد الفضاعة، ارأفوا بأبنائنا ولا تمارسوا شذوذكم عليهم. نحن لا نملك غيرهم وأنتم تمتلكون حقدكم ومرضكم ووباءكم. فمارسوه بعيدا عنا وكفانا صفعة الحياة. لا نريد أن نموت قهرا لا لشيء سوى لأنكم تمارسون هوايتكم المفضلة. انتهاك حرمة قاصر. إلى روح ياسين وعشرات الياسينات المختطفين والمغتصبين. اعذرونا فشياطين البشر الكبار حرمتكم من ملائكيتكم، لكنكم تظلون بعباءتكم العذرية البريئة التي تسمو بكم إلى عالم قدسي بعد أن عاث الآدميون فسادا في الأرض.