لا شيء يوحي بقرية "مشتة العربي" جنوب منطقة شلغوم العيد بولاية ميلة -ظاهريا على الأقل -إلى دور حضاري تكون قد لعبته هذه المنطقة في حركية الإنسان وتاريخه الطويل المتوغل في أعمق فترات الأزمنة ففي هذه المشتة "قرية جد صغيرة" التي ارتبطت أكثر بمحطة عبور خط السكة الحديدية بها ويقطنها مئات السكان لا يوجد ما يدل على أمر مميز تكون عاشته المشتة المهتمة أكثر بانشغالاتها اليومية ومع ذلك فإن وجود بقايا أحجار صغيرة ورماديات وحلزونيات لا يفقه أهميتهاسوى أثريون و باحثون يؤشر حسب السيد لزغد شيابة مسؤول مصلحة التراث بمديرية الثقافة لولاية ميلة على قيمة كبيرة لعبتها مشتة العربي في التاريخ البشري فالأبحاث التاريخية تشير إلى استقرار بشري مبكر بمنطقة وادي الرمال التيسكنها ما بات يعرف حاليا بإنسان مشتة العربي قبل 5 آلاف سنة ما قبل الميلاد إنسان مشتة العربي المعروف باسم الإنسان العاقل معروف جدا بأمريكا الشماليةمن خلال جمجمته المعروضة حاليا بمتحف ولاية ماستشوتز الأمريكية حسب بعض المصادرالمطلعة و حسب أثريين محليين فقد تم اكتشاف جماجم لهذا الإنسان المتطور إثر حفرياتجرت سنوات 1912 و 1913 و1923 بموقع ما قبل التاريخ لمشتة العربي من طرف كل من غوستافمارسييه و دوبروجو تشير المصادر التاريخية أن موقع مشتة العربي المنبسط كشف بالمناسبةعن عشرات البقايا العظمية لجماجم إنسان العصر الحجري الحديث .كما وجدت بالمكانمنتجات صناعية حجرية تتطابق تماما مع منتوج الأجيال السابقة التي ورثت عنها هذهالصناعة المتمثلة في استعمال الحجر في شكله الخام "النيكلييوس" بالإضافة إلى حالةالتطور المميزة في مجالات البناء و التغذية وحتى في التزيين و التجميلو بدا أن إنسان مشتى العربي و بالنظر إلى الوسط الفيزيائي للمنطقة المسطحةالخالية من التضاريس و الملاجئ مثل المغارات و الكهوف كان لزاما عليه بناء جدران"لعزل الزوار غير المرغوب فيهم" و الذين كانوا يحومون حوله بالليل بالإضافة إلىأنه كان يضئ البيوت التي تقع في مداخل المنازل كوسيلة للحيطة و الدفاع عن النفسكما يفيد "عمارنوارة "مسؤول فرع ميلة لديوان استغلال و تسيير الممتلكات الثقافيةالمحميةو كشفت الحفريات التي شهدتها المنطقة من جهة أخرى حسب نفس المصادرعن وجود بقايا كثيرة لصدائف الحلزون الأمر الذي أدى إلى تسمية مثل هذه المحطات باسم الحلزونيات والافتراض بأن هذا الحيوان لعب دورا كبيرا في عملية البناء وخلال الفترة النيوليتية كان السكان يستهلكون هذه المادة بكثرة مما كانيستعمل لتدعيم البنايات و الجدران المكونة انطلاقا من الفخار المجفف في أشعة الشمسلمنعها من التفتيت و التهشيم. و كان الحلزون أيضا يستعمل كمادة للتزيين نظرا لوجودالثقوب المشكلة بفضل المحكات التي تستعمل لإخراج الحيوان من الصدفة .كما يرجح استعمالهاأيضا كحروز وتمائم حسب المعتقدات التي كانت سائدة آنذاك لإبعاد الأرواح الشريرةو تخفيف الآلامودلت الدراسات التي خضعت لها مختلف القطع المدروسة من جهة أخرى عن وجودنوع من البحث على تحسين الظروف المعيشية من طرف الإنسان العاقل بمشتى العربي حيثتميز هذا الإنسان بإنتاج أدوات تصنع أساسا من مادة السيلاكس كالمشط وأخرى مصنوعة من مادة العظام كالإبر الحادة. قامة كبيرة وجمجمة ذات قدرة واسعة
و قد مثلت البقايا العظمية المكتشفة خلال الحفريات و التي جرى بيعها لمتحفأمريكي خلال مطلع القرن الماضي صورة لإنسان بدائي طويل القامة 1,74 متر عند الرجال و طول الرأس بجمجمة ذات قدرة مخية واسعة وتؤكد دراسات تاريخية تناولت بالتمحيص إنسان مشتة العربي بأنه ينتمي إلى الحضارة القفصية التي تعود بدورها إلى المجال الأبيرو مغربية الذي ظهر بشمال إفريقياخلال العهد الحجري الحديث و كان القفصيون يستقرون عادة داخل أكواخ وبيوت من فروع الأشجار على ضفافالأودية أو في ممرات جبلية في وقت كانت أغلب مناطق المغرب آنذاك تشبه السافاناكما هو الحال اليوم بإفريقيا الجنوبية مع ما صاحبها من وجود حيوانات كثيرة مثلالزرافات و وحيد القرن و الفيلة و التي لم يعد لها وجود اليومواشتهر القفصيون بترويض هذه الحيوانات و التعبير عن قدرات فنية من خلالصنع أشياء كثيرة منها تلك التي تتوفر على خصائص تزيينية مثل القلادات المصنوعةمن القواقع البحرية وكذا رسومات تجريدية و تشخيصية كما عرفت بأعمال فخارية تشبهاليوم تلك التي تتسم بها الزخرفة الحديثة للفخار البربري و دلت الآثار التي تم اكتشافها بمواقع كثيرة بالجزائر بدءا من عين الحنش بولاية سطيف و الذي يرجع حسب المختصين إلى 2,3 مليون سنة ثم مواقع الحضارة العاترية بتبسة و مشتة لعربي و أخرى بولاية بجاية على أن الجزائر عرفت الاستقرار البشريبها قبل فترات جد قديمة في عمر التاريخومع بداية الفترة الألفية الأولى قبل الميلاد انتظم سكان المنطقة في قبائلاستغلت الأراضي والمراعي جماعيا كما كونت إمارات مثلت المراحل الفينيقية الأولىثم تأسست بعد ذلك الدولة الجزائرية الأولى في القرن الثالث قبل الميلاد بقيادة سيفاكس ثم ماسينيسا ومن الملفت أخيرا أن موقع مشتى العربي بالرغم من أهميته التاريخية الهائلةلم يقترح إلا في سنة 2010 للتصنيف ضمن الحظيرة الوطنية للآثارويذكر أن ولاية ميلة تتوفر على عدد من معالم و مواقع ما قبل التاريخ علىغرار غار الداموس بمنطقة الفحام ببلدية المشيرة وغار الظلام بدراحي بوصلاح وكذاموقع بني فيلان بعين ملوك إلى جانب موقع أثري يقع في جبل لكحل ببلدية عين التينتتواجد فيه بقايا تجمع سكاني محلي كامل بمحاذاة مغارات عثر بها على أدوات صوانيةذات ألوان و أحجام مختلفة