تعيش السينما الجزائرية حالة من الانتعاش بالرغم من العواقب التي تعيقها، إلا أنه لا يمكن اختزال التاريخ المجيد والكبير لهذه السينما التي دخلت حلبة أكبر المهرجانات الدولية، وكانت هذه الأعمال من بين أهم أيقونات السينما العالمية، ولعل أبرز المشاركات للسينما الجزائرية كانت في مهرجان كان السينمائي الدولي الذي يعد من أهم المهرجانات العالمية، حيث شاركت عبر تاريخه ب 22 فيلما عبر مختلف أقسامه، كان آخرها "الخارجون عن القانون" للمخرج الجزائري المغترب رشيد بوشارب، وهو الفيلم نفسه الذي رشح إلى جائزة الأوسكار لأحسن فيلم أجنبي شهر فيفري الماضي. والمتتبع للمشهد السينمائي الجزائري يكتشف للوهلة الأولى أن حاضر السينما الجزائرية يكمن في ماضيها أكثر مما يكمن في مرحلتها الحالية، ولعل ذلك راجع لتأثر الجزائريين بمخلفات الثورة التحريرية المجيدة والمجازر التي خلفها الاستعمار الفرنسي الغشيم في حقهم، فالاهتمام بقطاعات العمل السينمائي المختلفة من معدوم إلى خفيف والإنتاجات محدودة وأغلبها ما يحققه جزائريون في المهجر على غرار: رشيد بوشارب صاحب فيلم "أهالي" و"الخارجون عن القانون"، وكليهما شق طريقه إلى ترشيحات الأوسكار بعدما كانا عرضا في دورتين سابقتين لمهرجان كان السينمائي الدولي، وكذا مرزاق علواش، حيث يؤكد العاملين في الحقل السينمائي الجزائري على صعوبة العثور على ممول لانجاز مشاريعهم، غير أن إصرارهم على المضي في تحقيق الأفلام بغض النظر عن المصاعب، جعل من أحلامهم حقيقة، وكان إلياس سالم قدم منذ سنتين فيلمه الأول "مسخرة" الذي يتناول فيه الحياة في قرية جزائرية صغيرة تهيمن عليها، في صورة مجازية، المدينة والقوى العسكرية، وكان أول فيلم جزائري يحصل على الجائزة الكبرى في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي دورة 2009، وفي أواخر العام الماضي شاهدنا فيلما متوسط الطول بعنوان "غاراغوز" للمخرج عبد النور زحزح، وهو حكاية فردية على خلفية اجتماعية معالجة بنظرة تأملية شبه صامتة وفي الوقت ذاته صارخة، رجل وابنه الصغير يخرجان من منزلهما القروي ويركبان الحافلة الصغيرة، عملهما هو عروض الدمى في البلدان والقرى المحيطة، ولكن يعترض طريقهما مجموعة من المتطرفين الذين ينظرون إلى عمل الأب بسخرية ويتلفون بعض تلك الدمى، لا شيء كبيرا ولا مواقف ناصعة بالخطابة، فقط أسلوب عرض سهل وعميق في الآن ذاته يجعل الشخصيات والفيلم في البال طويلا ويعد بمخرج جيد ومقبول. ومن بين أبرز الأفلام التي ظهرت على الساحة السينمائية في الجزائر، "مانموتش" للمخرجة أمال كاتب، وتقع أحداثه في مدينة وهران حيث يختبأ شاب وفتاة على بالأمان، هذا القدر يتبدد سريعا عندما يقترح الشاب فتح رجاجة خمر هربها من أفغانستان حيث كان موجودا، ولا يجدان فتاحة في البيت فيلجأ إلى الجيران، هذا اللجوء يبدو مغامرة غير محسوبة العواقب ضمن فكرة ذكية منفذة جيدا، وتختصر ما يمكن حول الأمان والوضع الراهن، إضافة إلى الفيلم الموسيقي الكوميدي للمخرج دحمان أوزيد والذي يحمل عنوان "الساحة"، وهو فيلم يحمل وضعا خاصا كونه يتحدث حول ميدان وسط العاصمة تتنازع على السيطرة عليه فئات متعددة بينهم شباب طموح، وآخرون تابعون للنظام، وفي خضم هذه الأوضاع حديث عن الحاجة والعوز وضرورة تحسين ظروف المعيشة، وهي الأمور التي أخذت تتردد في فضاء الوضع السياسي القائم حاليا، مباشرة بعد انجاز هذا الفيلم، لكن هذا النوع من الأفلام هي أقل حجما وعددا مما كان يمكن أن تحققه السينما الجزائرية التي تعود إلى مطلع الستينيات من القرن الماضي، وبالفعل كانت تلك السنوات أكثر خصوبة مما أصبحت عليه لاحقا، ولو أن مواضيعها كانت أكثر حماسة وانشغالا بالثورة وتبعاتها، ففي الحقيقة يمكن تقسيم مجمل الاهتمامات التي سادت السينما الجزائرية منذ ذلك الحين بثلاثة رئيسية: الثورة التحريرية المجيدة، الشؤون الاجتماعية التي عايشها الجزائريون بعد الثورة والوضع الناتج عن التمزق الداخلي تبعا لحالة التطرف الديني والصراع السياسي بينه وبين القوى النظامية، حيث كانت الثورة التحريرية المجيدة مصدر إلهام العديد من صناع السينما الجزائرية الذين رفعوا علم الجزائر عاليا بدخولهم أكبر المهرجانات السينمائية العالمية، وسيبقى فيلم" معركة الجزائر" للمخرج الايطالي جيلو بونتيكورفو الأكثر تأثيرا وتجسيدا لماهية الثورة الجزائرية، كما يقول الممثل والمنتج داني كلوفر "إن فيلم معركة الجزائر هو أحد أول مشكلي الانطباع حول الجزائر، إن هذا الفيلم قبض على قلوبنا وخيالنا". 22 فيلما جزائريا في رصيد مهرجان كان على مدار 64 سنة من عمر مهرجان كان السينمائي الدولي والسينمائيون الجزائريون حريصون على المشاركة في هذه التظاهرة السينمائية الضخمة، فبمجرد أن تنفست عروس البحر البيض المتوسط عبق الحرية إلا وشرعت في التعريف وإظهار بطولات خيرات شبابها الذين دفعوا حياتهم ثمنا للحرية والاستقلال، فكانت الانطلاقة بفيلم "أشجار زيتون العدالة" سنة 1962 لمخرجه جيمس بلو والذي يعد أول فيلم جزائري يشارك في مهرجان كان وبالتحديد في قسم أسبوع النقاد، تلاه "رياح الأوراس" 1967 لمحمد لخضر حامينا في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة، 1969 دخل محمد سليم رياض معترك المسابقة الرسمية في فئة أسبوع النقاد من خلال فيلم "الطريق"، أما سنة 1970 فقد عرفت مشاركة فيلمين في نصف شهر المخرجين وهما "الأفيون والعصا" لأحمد راشدي و"متاريس من طمي" لجان لوي برتوشيللي، وفي السنة الموالية شاركت الجزائر أيضا بفيلمين هما "المسافرون لآني تريغوت في فئة أسبوع النقاد و"مهرجان بان أفريكان" لويليام كلاين في نصف شهر المخرجين، وفي عام 1973 شارك محمد بوعماري في أسبوع النقاد بفيلمه الموسوم "الفحام"، فيما دخل أحمد لعلام نصف شهر المخرجين ب"منطقة ممنوعة" عام 1975، وهي نفس السنة التي جعلت من عميد السينما الجزائرية محمد لخضر حامينا المخرج العربي الوحيد الحاصل على سعفة مهرجان كان السينمائي الدولي برائعة "وقائع سنوات الجمر"، وفي العام الموالي تمكن سيد علي مازيف من دخول فئة نصف شهر المخرجين بفيلمه "المراحل"، تلاه مرزاق علواش في السنة التي لحقته ب"عمر قتلاتو الرجلة" في أسبوع النقاد، وبعد حصوله على سعفة كان زادت شهية محمد لخضر حامينا بالافتتاك بجوائز هذا العرس السينمائي الضخم، حيث شارك سنة 1982 في المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة ب "رياح الرمل"، تلاه محمد شويخ الذي شارك ب "نشوة" في نصف شهر المخرجين، وفي عام 1986 شارك حامينا في المسابقة الرسمية بفيلم "الصورة الأخيرة"، ومثل محمد رشيد بنحاج الجزائر سنة 1989 بفيلم "زهور الرمال" في أسبوع النقاد، وفي 1994 نقل مرزاق علواش واقع الحياة اليومية للمواطن الجزائري من خلال "باب الواد سيتي" في قسم نظرة خاصة، وشارك المخرج نفسه سنة 1996 بفيلم "مرحبا يا عم" في قسم نصف شهر المخرجين، وفي 2002 مثلت يمينة بشير شويخ الجزائر في قسم نظرة خاصة بفيلم "رشيدة"، فيما دخل رشيد بوشارب غمار المسابقة الرسمية للمهرجان بفيلم "الأهالي" عام 2006 وهو الفيلم الحاصل على جائزة أحسن دور رجالي، و"أدن" لمخرجه رباح عمور زميش الذي شارك في نصف شهر المخرجين عام 2008، فيما سجل رشيد بوشارب آخر مشاركة جزائرية في هذا الموعد السينمائي السنوي الكبير العام الماضي بدخوله المسابقة الرسمية بفيلم "الخارجون عن القانون" الذي أحدث حالة طوارئ بين أروقة المهرجان. هبة الرحمان