يعتقد بعض المشتغلين بالأفلام القصيرة، أن النجاحات المحققة إقليميا ودوليا، هي بمثابة الشجرة التي تغطي غابة كبيرة من المشكلات. توّج، نهاية شهر أكتوبر الماضي، فيلم ''المسافر الأخير'' للمخرج مؤنس خمار، بجائزة أحسن فيلم سينمائي قصير، في الدورة الرابعة لمهرجان أبوظبي السينمائي، وهو الفيلم نفسه الذي عرض على هامش مهرجان ''كان'' السينمائي، وقبل هذا الإنجاز تألقت أفلام جزائرية أخرى ضمن الاختصاص نفسه في مهرجانات إقليمية ودولية، فهل يعني هذا أن واقع سينما الأفلام القصيرة في الجزائر بخير؟ لعل أهم المشكلات التي تعاني منها سينما الأفلام القصيرة في الجزائر، هي غياب أي أطر للقاء من مهرجانات وطنية وجهوية، على عكس ما كان عليه الأمر في وقت سابق. ويؤكد المخرج سليم أغار أن التلفزيون الجزائري سمح له بالمشاركة بالفيلم الذي أخرجه، إن أراد في المهرجانات الدولية، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالأمر يحتاج إلى مصاريف كثيرة يجد نفسه عاجزا عن دفعها، ويضرب على ذلك مثلا بفيلم ''مال وطني'' للمخرجة فاطمة بلحاج، الذي رغم جودته العالية، إلا أنه يبقى نائما في أرشيف التلفزيون ولم تشارك به في أي مهرجان دولي في غياب أي مهرجان داخل البلاد. ويرى السينمائيون الشباب أن غياب مثل هذه المهرجانات، إلى جانب غياب التكوين ومعظم المشتغلين في هذا الحقل، هم من العصاميين، منع من صناعة حقيقية للفيلم القصير في الجزائر. يعتقد عدد من الفاعلين في هذا الحقل، أن الأزمة أعمق من هذا بكثير، فهي تتجاوز التمثيل إلى الإبداع نفسه، ويذهب بعضهم إلى القول إن عدد 37 فيلما قصيرا الممولة في إطار تظاهرة ''تلمسان عاصمة للثقافة الإسلامية'' ,2011 لو تم إنتاج سبعة أفلام جيدة منها لعُد ذلك إنجازا كبيرا لسينما الأفلام القصيرة. وينطلق هذا الحكم من تجارب تظاهرات 2003 و2007 حيث أنتجت الكثير من الأفلام، لكن معظمها لا يمت للجودة بصلة، وتحول بذلك توفر التمويل إلى مشكلة أخرى، حيث يستولي المتطفلون على الأمر، ويقترح البعض أن تتم متابعة الأفلام بعد إنتاجها من أجل أن يتحمّل كل واحد مسؤوليته في هذا الإطار. وتتجاوز الأزمة الإنتاج، إلى التسويق، فلو كانت الأفلام المنتجة تجد طريقها إلى التسويق لكان الأمر أفضل بكثير، والأمر الذي يكاد يكون منعدما مع الحالة الجزائرية، التي تعاني من مشكلة إضافية تتمثل في اتجاهها إلى فرنسا دون غيرها، ومع هذا الاتجاه تطرح مشكلة أخرى تتمثل في اللغة، فكل المهرجانات العالمية المعروفة، تعتمد الإنجليزية لغة رسمية وعلى الفيلم الناجح أن يعتمد الترجمة من اللغة المحلية إلى اللغة الإنجليزية على الأقل، ولِمَ لا الترجمة إلى أكثر من لغة إذا أراد صاحب الفيلم أن يشارك به في مهرجانات دولية أخرى، ويتم تسويق منتوجه في أسواق أخرى، لكن الأمر يحتاج إلى تمويل إضافي يجد صاحب الفيلم القصير نفسه عاجزا عن تسديده، وبذلك تتراكم مشكلات الفيلم القصير في الجزائر.. الأثر التقى مع عدد من الفاعلين ليفتح معهم نقاشا مباشرا عبر هذه الندوة. سليم أغار: ''الجزائر لا تملك لوبي سينمائي'' الكل يتحدث عن ''الخارجون عن القانون'' على أنه إنتاج جزائري وعودة السينما الجزائرية للعالمية؟ هذا كلام لا بد من أخذه بنسبية كبيرة، فالحديث عن فيلم رشيد بوشارب بمثابة الاستثناء الذي لا يمكن تعميمه، فهو لا يعكس بأي حال واقع السينما الجزائرية، هذه الأخيرة التي ما تزال تعاني من مشكلات متداخلة ومعقدة يصعب تلخيصها في جمل قصيرة. بالرغم من ذلك نجد مشاركة المخرجين الشباب في المهرجانات الدولية مميزا، بدليل الجوائز المتحصل عليها؟ مرة أخرى الحصول على الجوائز والتواجد في المهرجانات لا يعكس واقع السينما، لا بد من معرفة المسار الذي يسلكه كل مخرج ليتمكن من المشاركة في أي مهرجان، الأمر بمثابة مسلك المكافحين، إذ في كثير من الأحيان نضطر لمدفع أموال من مالنا الخاص سواء من أجل الدبلجة أو الحضور أو غيره، إلى حد اليوم الجزائر لا تتوافر على هيئات تساند الإنتاج المحلي في المحافل الدولية، يمكنني ذكر بعض الأعمال المميزة المنتجة التي لم يتسن لها المشاركة في المهرجانات، على غرار فيلم ''مال وطني'' للمخرجة فاطمة بلحاج الذي ظل حبيس الأدراج، فلا هو عرض على نطاق واسع ولا مثّل الجزائر في المهرجانات، أمر مؤسف أن نضيع الفرص والأموال معا. يحدث هذا مع أن الجزائر كانت تحظى بسمعة جيدة سينمائيا عبر العالم؟ كان يعني في الماضي، أما اليوم فلا يكاد يُعترف بنا في بعض المهرجانات، لا بد من التأكيد على أن المشاركة في أي مهرجان ليست بالأمر السهل، فهي تتطلب العديد من العلاقات وشبكات العلاقات العامة، إلى جانب حتمية صرف أموال مهمة لمجرد ضمان مشاهدة الفيلم من قبل لجان المشاهدة. من جهة ثانية، فإن القيمة الفنية العالية والتقنية الممتازة عبر العالم رفعت المعايير، ما يجعل أي مشاركة جزائرية في ظل هذه الظروف إنجاز حقيقي، في غالب الأحيان يحسب فقط لصاحب الفيلم. للأسف، لم يعد لدى الجزائر أي حضور في المهرجانات من حيث شبكات العلاقات العامة واللوبي السينمائي المسيطر على الساحة العالمية، عكس جيراننا في المغرب الذين يملكون وجوها ومؤسسات تدافع عن الحضور السينمائي عبر العالم. مؤنس خمار: ''حان وقت إبراز القيمة الفنية'' فزتم مؤخرا بإحدى الجوائز المهمة في مهرجان أبوظبي، كيف تسنى لكم ذلك؟ في الواقع الجائزة جاءت لتثلج قلوب كل المشاركين في الفيلم الذين بذلوا كل ما في وسعهم من أجل إنجاح هذا العمل، الذي بالرغم من الإمكانيات القليلة التي تتوافر عليها إلا أننا حرصنا على أن يقدم قيمة فنية، ولعل هذا ما جعل لجنة المشاهدة تختاره في المسابقة الرسمية ومن ثمة الفوز بجائزة أحسن فيلم قصير. تحدثتم عن قلة الإمكانيات، مع أن الوزارة باتت تخصص إمكانيات ودعما متميزا للمبدعين الشباب؟ هذا صحيح، ولولا هذا الدعم لما تمكنت الكثير من الأعمال من رؤية النور، غير أننا نتحدث عن السينما، إحدى الصناعات التي تتطلب إمكانيات كبيرة، إمكانيات على قدر ما يمكنها أن تدره من ربح، لكن ما يحدث عندنا -للأسف- أننا نعيش حالة متناقضة، ففي الوقت الذي تخصص فيه الدولة أموال للإنتاج، يظل الغياب الرهيب للمرافقة لهذه الأعمال في المهرجانات. من وجهة نظري، لا بد من الحرص على الاستفادة من الأموال المستثمرة، إما من خلال المشاركة في المهرجانات أو من خلال عرضه في القاعات، اليوم الدولة توفر الأموال لمجرد الإنتاج فقط لا غير، إذ نجد أنفسنا مضطرين للتحايل ماديا من أجل التواصل مع العالم، وحين أتحدث عن التواجد في العالم لا أقصد فقط فرنسا، فالمشاركات اليوم مفتوحة على كل القارات، غير أننا بالكاد نستطيع المشاركة في مهرجانات الجوار بالنظر للتكلفة العالية. لا بد على الوزارة والدولة عموما من ترشيد ميزانياتها من خلال التأكد من الاستثمار الجيد في ما تنتجه، بعبارة أخرى لا بد من الاستثمار في القيمة الفنية والجودة.