تحدث الروائي واسيني الأعرج، عن عمله الجديد “الغجر يحبون أيضا”، الذي صدرت منه أربعة طبعات في توقيت واحد تقريبا، متطرقا للذاكرة المحلية وضرورة الحفاظ على إرثنا الحضاري وتراثنا المادي من خلال عدم تدمير هذه الذاكرة وكذا فتح نافذة للتعرف على الغجر كتجمع بشري مختلف. وقال واسيني الأعرج خلال تنشيطه للقاء في قاعة الندوات داخل الجناح المركزي تحت عنوان “الغجر… الهوية المغتصبة/ كيف كتبت رواية الغجر يحبون… أيضا؟” على هامش فعاليات الطبعة ال24 لصالون الكتاب الدولي بالجزائر، أن صدور الرواية في أربعة طبعات متقاربة في التوقيت، مؤكدا أن الطبعة الأولى التي صدرت خلال فترة الصيف تزامنا مع افتتاح حلبة الثيران التي كانت مغلقة لسنوات طويلة وقد اكتشفها الناس كجزء من تاريخ المنطقة، فهي كانت مستعملة خلال فترة الخمسينات كما أنها كبيرة وتقارب الحلبة التي توجد بإسبانيا. وتحدث في السياق ذاته، أن تقديمه الطبعة الأولى التي تمت بشكل سريع كان بمثابة تكريم لمدينة وهران من خلال استعادة هذا المعلم الأثري وكذلك تكريم جريدة الجمهورية التي كانت أول مكان عمل له عندما كان طالبا في فترة السبعينات كما أن الجريدة نشرت العمل في شكل حلقات على صفحاتها. لهذا السبب -يقول- كانت الطبعة الأولى عن دار بغدادي متسرعة، أما الطبعة الثانية فكانت منقحة وأضاف لها الكثير، بالإضافة إلى طبعة فلسطينية، بعدها جاءت طبعة عن دار الآداب المعروفة بجودتها. وفي السياق ذاته أوضح واسيني أن التحضير لروايته الجديدة لم يكن منفصلا عن المكان الذي هو مدينة وهران، هذه المدينة التي لا يمكن تجاوزها وعدم النظر إليها نظرة تأملية، مشيرا إلى الكنائس التي تحولت إلى مساجد بالمنطقة وكذا بمناطق أخرى من الوطن، حيث أبرز أهميتها كمكان مقدس لابد من الاحتفاظ به على حاله وذلك للحفاظ على ذاكرتنا الغنية، وأشار أيضا إلى قيمة جريدة الجمهورية التي كانت تصدر باللغة الفرنسية وحين كان طالبا كان عمله يتعلق بترجمة مقالات الصحفيين الذين وصفهم بالكبار، هؤلاء الصحفيون الذين اضطروا للاستقالة بعد تعريب الجريدة وعدم تمكنهم من الاستمرار بهذه الطريقة، مضيفا أن الأمر تم بطريقة عشوائية ودون دراسة ويلوم نفسه أنه كان أيضا سببا في تدمير قامات صحفية رغم أنه كان صغيرا واعتبر العمل وقتها فرصة لتحقيق رغبته في الكتابة. فالأمر -حسبه- سياسي وليس لغوي، مؤكدا أن الأمر لا يتعلق بأمر مضمر ضد الدين واللغة، ووهران ليست عادية بالنسبة له ففيها كل قيم التسامح لأن كل الأديان كانت تتعايش وكل اللغات كانت تتحدث هناك، حتى المالطية. وعن موضوع العمل، أوضح واسيني أن الحديث عن الغجر ليس كثيرا في الأعمال الأدبية، والنظرة العامة نحوهم أنهم أناس يعيشون في الفوضى ولا علاقة لهم بالروابط الاجتماعية وأنهم مجموعة من الضائعين، وغيرها من الأحكام، مضيفا أن الأمر يتعلق بتجمع بشري له وجهة نظر خاصة به في الحياة تتقدمها الحرية كهاجس، حتى أن تكوينهم -يشير- بُني على الحرية وذلك لا يعني أيضا الفوضى المطلقة وعدم وجود النظام والعقل. وتابع بقوله أنه أراد بطريقته الضغط على القارئ بداية من العنوان حتى يتساءل (هذا القارئ) إذا ما كان الغجر يعرفون الحب، وهذا -يضيف- يدخل في العملية الروائية، لذلك كان العنوان بقصدية غير سلبية، حتى يتم الدخول إلى عالمهم ومحو الفكرة الظالمة عنهم. وأضاف واسيني، أنه عندما فكر في هذا العمل، قرأ وثيقة تتحدث عن الشخصية المحورية وهو مصارع الثيران خوسيه أورانو وكان معروفا في إسبانيا وأمريكا الجنوبية، لكنه بعد ذلك -يتابع- أن الأمر يتجاوز شخصية إلى أمر تراجيدي، ذلك أن خوسيه أورانو كان يحضر الندوات التي كانت تنظمها الأديان الثلاثة، واجتمعت الآراء حول أن هذه الرياضة غير مقبولة، وكان خوسيه يقدم مداخلاته هناك. لكن التحدي بعدها لهذا الماتادور الذي رغب في ترك هذه الرياضة ووقع في الحب، وإن لم يتركها ومات بسببها فإن الأمر يعتبر تحديا وأمرا تراجيديا، ففي النهاية يُقتل بضربة ثور وإن كان قد نجح في غرس السيف في مكانه الصحيح. وقال واسيني سابقا بأن الرواية عموما هي الحدث والعمل الذي يدوم طويلا في بعض الأحيان، تنبثق عن جهد كبير يبذله الروائي لإيصال هذا النص إلى الجمهور ويبقى هذا النص هو الجسر الوحيد بينهما، مشيرا أن “الغجر أيضا يحبون” تبدأ بعلاقة الرجل الإسباني بالجزائري، كما تطرح فكرة الكيفية التي يواجه بها الإنسان قدره كاللقاء وجها لوجه بين الإنسان والحيوان في الكوريدا، كما أن الرواية تمجد أيضا الغجر الذين كانوا موجودين في مدينة وهران آنذاك، هؤلاء الذين يقدسون الحرية ويعتبرون أن كل الأرض أرضهم وأن هذه عملتهم على مر الزمن. وتجري أحداث الرواية خلال فترة الخمسينيات بالأحياء الأندلسية الإسبانية بمدينة وهران في حلبة مصارعة حول خوسيه أورانو وقصة حبه مع كارمن وكذا التاريخ والثقافة والهوية والسياسة والحرية في كامل معانيها. يُذكر أنه بعد هذا اللقاء تم توقيع رواية “الغجر يحبون أيضا” في جناح المؤسسة الوطنية للفنون المطبعية بالجناح المركزي، بعدها توقيع الطبعة الجديدة من هذا الرواية في دار بغدادي بالجناح المركزي أيضا، والتي كان قد كتب عنها من خلال منشور على صفحته الرسمية فيسبوك قائلا “الغجر يعودون من جديد.. بعد نفاذ الطبعة الصيفية الأولى من رواية الغجر يحبون أيضا تستعد منشورات بغدادي للطبعة الثانية من نفس الرواية، بمناسبة معرض الجزائر سيلا”. وكان واسيني الأعرج قد وقع أول أيام المعرض في دار خيال لصاحبها رفيق طيبي، في الجناح الرئيسي، كتاب “الدرجة الصفر للدولة” وهو عبارة عن سلسلة المقالات المنشورة على مدار السنة في جريدة القدس العربي، ومتابعات أسبوعية للحراك الجزائري. بالإضافة إلى لقاء في المحافظة السامية للأمازيغية بالجناح المركزي C للاحتفاء بترجمة رواية “سيدة المقام” إلى اللغة الأمازيغية بعنوان “لاله” بحضور المترجم، وجاء في صفحة واسيني الرسمية فيسبوك “لقاء جميل صباح البارحة مع مترجم رواية سيدة المقام إلى اللغة الأمازبغية لاله LALLA في جناح المحافظة السامية للغة الأمازيغية. كان لقاء حميميا جميلا، حكى فيه المترجم صابري سلطان عن تجربته في العمل على رواية سيدة المقام. منذ قراءتها، فقد شغلته كثيرا كموضوعة تراجيدية بوصفها جزءا من التاريخ الجزائري المعاصر، قبل أن ينتقل بها إلى اللغة الأمازيغية”. كما تحدث خلال اللقاء عن الترجمة التي تفتح جسورا بين اللغات والأمم والأهم الأمة الواحدة، فالأحقاد تنشأ من الجهل بالآخر الوطني أو الأجنبي. وتساءل كيف تترجم بعض أعماله إلى اللغة الكردية مثلا، ولا تترجم إلى لغة وطنه، مبديا إعجابه بجهود المترجم الذي أبلغه بأن الكثير من المترجمين إلى اللغة الأمازيغية سينصبون قريبا على ترجمة بقية أعماله الروائية. وقد تخلل اللقاء قراءات متقاطعة بالعربية والأمازيغية، سمحت للجمهور الحاضر في جناح المحافظة السامية، بأن يسمع لأول مرة، على المباشر، رنين اللغتين وسحرهما.