يعتبر الباحث الدكتور حميد علاوي أن الجمهور عنصر حيوي وأساسي في العملية المسرحية، فمعرفته تحتاج إلى دراسات صحيحة تقوم بها هيئات متخصصة في ظل توفر إرادة سياسية، وكل دراسة لمعرفة تطلعات وفئات ورغبات الجمهور تقوم على المعطيات الاجتماعية والاقتصادية الموجودة بالواقع، مؤكدًا أن المسرح في عصر تنافسي كبير ووجوده مهدد بثقافة الصورة والتواصل الرقمي السريع والمذهل فعليه أن يعرف كيف يقدم للمشاهد المتعة الحية المباشرة التي لا توجد إلا في المسرح. زينة.ب وتابع حميد علاوي خلال تنشيطه للعدد العاشر من منتدى المسرح الوطني بصفحته ب”فيسبوك” (يثير نقاشات متنوعة كل ليلة بفتح المجال لتدخل المتخصصين والمواهب والمهتمين)، أنه لا ينبغي أن ينساق المبدع وراء تلبية ذوق الجمهور بالإسراف حتى لا يقع في فخ التهريج، وكثيرا ما كانت الأعمال التي فيها جدة وإبداع محل تردد من قبل المتلقي، والمبدع الذكي من يجدد بحرعات مدروسة تشد الجمهور وتدفعه بسلاسة نحو تقبل الجديد الجيد، مضيفا أن المسرح عمل جماعي ونشاط اجتماعي تنخرط فيه أطراف عدة وكلما حدث خلل في حلقة ما انعكس على الأداء، المسرح من الداخل في حاجة إلى تقويم للتحكم في آليات الإبداع الحقيقي وغربلة الزيف، وهذا الوباء لا يمس المسرح وحده، حماية الثقافة الجزائرية من الزيف مهمة اجتماعية وحضارية، مشيرًا أننا في سياق جديد للتلقي، فالكثير من المشاهدين يشدهم ما يجري خارج صالات العرض أكثر ما تشغلهم خشبة المسرح، يمكن -يضيف- أن نمر كحل إلى عملية التشويش الرقمي أثناء العرض حتى لا يشتت انتباه الجمهور قسريا، وفي النهاية العادات الجديدة للمشاهدة في حاجة إلى دراسة ومتابعة. لا نعرف أوفياء المسرح وبشأن مسألة عزوف الجمهور عن المسرح، يرى علاوي أننا لا نعرف أوفياء المسرح وأن نجاح بعض الأعمال أو نجاحها في المهرجانات ليس دليلا على حضور دائم للجمهور، فالمسألة ثقافية اجتماعية عميقة من حيث التفكير إذا ما كنا ندعو إلى تشجيع الناس للذهاب إلى المسرح وإذا ما كانت مسارحنا كمبنى تتيح سبل الذهاب إليها كالتنقل مثلا، كل هذه المسائل لها دخل كبير لأن المسرح فعل اجتماعي، مؤكدًا ضرورة إسقاط أكذوبة “عزوف الجمهور عن مشاهدة العروض المسرحية”، فالذي يلوك هذه الأسطوانة إما مخرج فاشل يريد تعليق عجزه على شماعة انصراف الجمهور إلى الوسائط الرقمية الجديدة، أو رمي بجهل من قبل من لا يعرف عن المسرح اليوم شيئا، وقد توقف عن الذهاب إلى المسرح منذ زمن بعيد أو أنه لم يعرف بابه يوما، فالعروض الجيدة والأسماء الفنية المحترمة مازالت تقدم أعمالا تستقطب الجمهور في حضور جميل ومشجع. وواصل المتحدث ذاته أن دور الجمهور في العرض حقيقة حتى وإن كان دوره خفيا، فالكات المسرحي وهو يبدع يضع في ذهنه المتلقي وكذلك المخرج، فمن المخرجين من يدخل عددا من المشاهدين والنقاد ليتابعوا تحضير العرض ولهم الحق في إبداء الرأي والملاحظات، وفي المسرح التفاعلي يلعب الجمهور دورا بارزا بالتدخل والتعليق والتوجيه، وباتريس بافيس يتحدث عن استجابة ذكية للممثلين في التفاعل مع الجمهور، لكن كل هذا لا يلغي دور صناع العرض ورؤية المخرج الفاصلة، مؤكدًا أن العمل الفني مهما بلغ ذروة الإبداع فهو يظل مرتبطا بالتلقي الذي يعطيه صفة الجمال، فلو فرضنا أن عملا فنيا أُبدع في أعلى درجات الكمال وأُخفي على الأنظار والأسماع، فلن يصبح سوى إبداع محتمل وافتراضي، والعمل المسرحي يظل عملا مسرحيا في درجة الاحتمال ولن يصبح عرضا مسرحيا في درجة الإنجاز إلا حينما يُعرض أمام الجمهور فيصبح عرضا مسرحيا، ولذلك -يضيف- نحن نذهب إلى المسرح لمشاهدة العرض وليس العمل المسرحي. تكوين الجمهور يبدأ من الطفل والمدرسة من جانب آخر قال علاوي أن ما يشد الجمهور في العرض متنوع ومختلف فمن المشاهدين من يأتي من أجل مخرج ومنهم من يأتي من أجل نجم أو ممثلة فاتنة، وهذا أمر طبيعي لكن الذي يغيب هو دراسة الجمهور ومعرفة متطلباته وتوجيهه توجيهات صحيحة خدمة للفعل الثقافي، وضمن هذا التوجيه على السياسة الثقافية أن تثمن دور المسرح كمؤسسة وكفعل إبداعي وتحفز الناس على الإبداع، مؤكدًا أن تكوين الجمهور يبدأ من الأساس “الطفل والمدرسة”، من هناك ينشأ المبدع ومن هناك يطلع الجمهور، وكاتب ياسين يمثل حالة، والطفل الذي يشاهد عروض الأطفال اليوم سيشاهد غدا عروض المسرح الموجهة للكبار، ولذلك التكوين والثقافة المسرحية مهمة للغاية. وأشار المتحدث ذاته، بأن الجمهور المسرحي حلقة هامة في الفعل المسرحي والثقافي والاجتماعي، فهناك آليات تتحكم في الجمهور وتشكيله وتطلعاته، وسيظل مؤشرا فاعلا في قياس الحركية الثقافية في بلد من البلدان، الجمهور في علاقته بالثقافة كفعل سياسي ثقافي كعلاقة الإنسان بالشجرة التي لا تنمو دون رعايته لكن هذه الرعاية يقابلها لاحقا فوائد كثيرة على الإنسان، إذًا يجب الإيمان بدور الثقافة وتحضير الأطر المحفزة للمبدع على الإبداع والجاذبة للمتلقي نحو الحضور والمشاهدة، مضيفا أن المسرح كان وسيبقى فنا جماهيريا، وسيظل التلقي فيه ابن اللحظة، فالجمهور يصفق للعرض أو يستهجنه أثناء العرض نفسه أو يخرج قبل النهاية، فالجمهور المشاهد مكون أساسي في المشهد المسرحي. والعمل المسرحي تتوالى عروضه ولا تتكرر، فلو أعدنا العرض نفسه مرات بالممثلين والفنيين أنفسهم وفي القاعة ذاتها فلن نحصل على نسخ طبق الأصل من العرض، ودور الجمهور حاسم في إضفاء الخصوصية والتفاصيل على كل نسخة من العرض. وتدخل الدراسات المسرحية في حيز التلقي النوعي (النقد المسرحي) والذي يعتمد ضمن ما يعتمد عليه، النجاح الجماهيري للعرض. فالجمهور المسرحي لا يؤثر على الإنتاج المسرحي فقط بل يؤثر أيضا على النقد ويوجهه. وبالنظر إلى هذه الأهمية القصوى التي يكتسيها الجمهور، ينبغي أن يكون محل الاهتمام والدراسة، لأننا ننشئ المسرح كمؤسسة ثقافية لتلعب دورا تثقيفيا واجتماعيا، وهي في هذا تحتاج إلى جمهور للقيام بهذه المهمة. ومن زاوية اعتبار العمل المسرحي عملا مندرجا ضمن عملية إنتاجية ثقافية، فحضور أكبر عدد من المشاهدين هو نجاح فني، وهو أيضا نجاح اقتصادي واجتماعي. إخراج الجمهور من الدراسات المستعجلة وأكد علاوي أنه ينبغي أن نعرف جمهور المسرح الجزائري معرفة ذكية وفاحصة بل معرفة ناقدة، ولذلك تبتعد هذه الدعوة عن الدراسات المستعجلة والمُخاتلة في مجال قياس الجمهور المسرحي، والتي يعتمد أغلبها عينات مكتبية مختارة اختيارا غير صحيح، وتطرح أسئلة جاهزة مسطحة، وتصل إلى نتائج خاطئة مخطّْئة، وقياس نجاح العمل بحضور الجمهور مسألة تقتضي التريث والنظر، فالقاعة التي تمتلئ عن آخرها مؤشر جيد عن العرض، وتكرار العرض بعدد المشاهدين نفسه له دلالة، لكن لا ينبغي أن نعول على الأرقام كثيرا أو أن نتخذها مؤشرا وحيدا، فالمعطيات تغيرت اليوم، إذ أن حضور 500 أو 600 مشاهد خلال العرض في المدن الكبرى والتي تضم ما يقارب مليون نسمة أو أكثر، لا يعطي الدلالة نفسها بالنسبة للجمهور في الماضي، حيث كانت المدن لا تتسع لأكثر من ألفي ساكن، كما أن الرقمنة تساعدنا اليوم على إعداد مواقع لأوفياء المسرح، وهذا العمل يمكن أن تقوم به مؤسسة مثل المسرح الوطني الجزائري أو أي مسرح جهوي، بفتح أبواب التسجيل ومنح بطاقة أوفياء المسرح الذين يشكلون منتدى، ويمكن توجيه أسئلة متعلقة بعرض ما في شكل منتدى حواري مصغر، وتمكين الدارسين بذلك من معرفة الكثير عن جمهور المسرح الجزائري كنوع العروض التي تشده والموضوعات التي تستهويه أكثر وما الذي يجذبه في العرض، التمثيل أو طريقة الإخراج، وفيما إذا كان يولي أهمية للعناصر الفنية في العرض المسرحي، وعدد المرات التي يعيد فيها العرض الواحد، ومدى اهتمامه بما يكتب من نقد حول ذلك العرض. تجاربنا تحتكم إلى رؤية مبنية على روح العصر وعن التجارب الجزائرية الناجحة في المسرح الجزائري، ذكر المتدخل ذاته تجارب كاتب ياسين، عبد القادر علولة، سليمان بن عيسى، أحمد رزاق ومحمد شرشال، وهي -يشير- تجارب تحتكم إلى رؤية مبنية على روح العصر ومراعاة التوجه الاجتماعي، وتؤكد كتابات وتصريحات هؤلاء المعرفة الكبيرة بالسياق السوسيوثقافي للجزائر، وتعرف متطلبات الجمهور الذي يمثل مختلف الشرائح الاجتماعية، وبذلك تنخرط الثقافة ومن خلالها المسرح في التعبير عن التطلعات الاجتماعية والتغيير الإيجابي والعقلاني والصيرورة التاريخية أيضا. وختم قائلا، أن الجمهور له أهمية في الإبداع المسرحي، وكثير من المخرجين يسقطونه من الحسابات الفنية، لكن تغيب الدراسات الجيدة والمؤسسة علميا في معرفة جمهور المسرح ببلادنا.