شاع في الآونة الأخيرة ظاهرة تبسيط حفل الزواج من الاحتفال به في صالة أفراح بدعوى الأقارب و الجيران والأصدقاء، إلى حفلة صغيرة أو مأدبة عشاء بسيطة يحظرها أهل العريسين فقط ، و تبقى لهذه الظاهرة أسباب عديدة تقف من ورائها، حاولنا من جهتنا تسليط الضوء عليها ، من أجل معرفة ما الأسباب التي تقف من وراء عزوف العرسان وتخلّيهم عن الاحتفال بليلة العمر كأسلافهم و الاكتفاء بمأدبة عشاء تجمع المقربين من العائلة ؟ حياة بوراي يوم الزفاف من أهم أيام العمر ، أو بالأحرى هو يوم العمر ، فأهميته من أهمية العقد نفسه ، ولهذا يبدأ بالتحضير له منذ أيام الخطوبة ، ابتداءا بتحضير العروس وختاما بالتحضير للحفل نفسه ، ككراء صالة الحفلات و ما تبعها من كاميرا وموسيقى ، وكذا تحضير الحلويات التي توزّع على المدعوين ، والتحضير لمأدبة العشاء التي لا غنى عنها في تقاليدنا الجزائرية ، وبالرغم من كل هذا يضطر الكثيرون إلى الاستغناء عن حفل الزفاف إذا فاقت المصاريف إمكانياتهم المادية . الاكتفاء بعرس بسيط وادخّار المال لمشاريع مستقبلية أصبح مصب تفكير عرسان اليوم حول الحياة الزوجية ما بعد حفل الزواج ، بالعمل على توفير أغلب الشروط اللازمة للعيش المريح ، "الجزائرالجديدة" حاولت التقرّب من بعض العائلات التي هي بصدد التحضير لحفل الزفاف، فكان حديثنا الأول مع (سميرة)، 30 سنة، و هي مقبلة على الزواج الصيفية اللاحقة. حيث أنها فضلت الاستغناء عن الحفل و الاكتفاء بمأدبة عشاء بسيطة ، مدخّرة المال الذي قد تصرفه في الكراء و الشراء لما بعد الزواج، فقد تحتاجه حينها ، وهذا هو تفكير هشام، 38 سنة ، كذلك، إذ يعتبر أن المصاريف التي تصرف يوم الحفل تبذيرا إذا ما كان الواحد منا بحاجة إليها ، حيث يفضل لو يكمل بها مشروع بناء منزله الزوجي المتواضع ، حتى يعيش في راحة بال فيما بعد. غلاء أسعار لوازم الأفراح ، الحلويات ، وأثمان باهضة لجهاز العروس. من المتعارف عليه في تقاليدنا الجزائرية أن الملابس التقليدية هي أساس "التصديرة " للعروس ، فتلبس بعض الحلل المعروفة في بعض ولايات الوطن ، على غرار الجبة القسنطينية، الكاراكو العاصمي، القفطان التلمساني، الجبّة القبائلية، السطايفية والجبة الشاوية وكل نوع من هذه الحلل تعبر عن تراث وأصالة المنطقة إلى جانب الحلل التقليدية المعروفة لدينا، وهذا ما يزين أعراسنا، زيادة على ذلك الحلويات التقليدية كالبقلاوة، المخبّز، المشكلة وعجينة اللوز . إلا أن الشيئ المؤسف ، فالواحد منا عندما يدخل المراكز التجارية ، تصيبه الدهشة نتيجة الغلاء الفاحش لمعدّات الأفراح، و كذا الملابس عامة وملابس العروس خاصة، التي باتت أثمانها أكثر من خيالية ، حتى أن كرائها بات بعيدا عن متناول المعظم إن لم نقل الجميع، مثال ذلك ثمن الكاراكو العاصمي المطروز بالشعرة ، الذي يزيد ثمنه عن 6 ملايين سنتيم، كما يدفع ثمن كرائه مبلغ مليون سنتيم على الأقل، أما الجبة القسنطينية فسعرها 8 ملايين سنتيم ، ويفوق سعر كراءها المليون سنتيم ، بغض النظر عن باقي الملابس من أحذية و حقائب اليد المرافقة للبدلة ، وهو ما يثقل كاهل عرائس اليوم حسب ما عبّرن به أثناء لقائهن بنا في مركز تجاري . أما الحلويات التقليدية فحدث ولا حرج ، فهي الأخرى لم تعد في متناول عامة الناس ، حيث يصل ثمن القطعة منها إلى 800 دج، إضافة إلى العلب التي توضع فيها ، و التي اختفت عنها البساطة تماما ، وأصبحت أشكالا وأنواعا ، كرتونا وزجاجا ، والأجمل دائما تكون الأغلى ثمنا. كراء قاعة الحفلات بات من أحلام العروس وتسريحتها تقترن بشهرة الصالون قد تكون قاعة الحفلات غير مشروطة إذا كان للبيت مساحة كافية لإقامة الحفل ، وطبعا فإن الكثيرين يعانون من ضيق مساحة البيت، وخاصة الذين يسكون العمارات ، فيضطرون للبحث عن قاعة حفلات لتمضية حفل الزفاف ، فيصطدمون بغلاء الكراء ، خصوصا في السنوات الأخيرة التي تضاعفت فيها أثمان كراء القاعات ، فالقاعة التي كانت تكرى ب 3 ملايين سنتيم أصبحت الآن ب 8 ملاييين سنتيم كأدنى مبلغ ، وهناك صالات يزيد كراءها عن 18 مليون سنتيم ، رغم بساطتها و كونها عادية جدا، ما يضطر أهل العريس أو العروس خصوصا إن كانوا من الطبقة البسيطة ، إلى إلغاء حفل الزفاف والاكتفاء بوليمة عشاء عائلية، يحضرها المقرّبون من العائلة فقط . ومع هذا فيجب أن تكون العروس في أجمل صورتها و أناقتها و أبهى حلّتها ، باعتبارها أهم فرد في اليوم المشهود، الذي تتوّج فيه أميرة ليلة عمرها ، فتسريحة الشعر تتراوح بين 2 إلى 4 مليون سنتيم، حسب اسم الصالون وأذيع صيته ، فهذا ما لمسناه لدى زيارتنا لأحد الصالونات بعين البنيان ، أين التقينا حياة ، عروس في يوم زفافها ، حيث أدلت قائلة " يمكنني الاستغناء عن كل شيئ تقريبا ، عشاء ، تصديرة وغير ذلك من الأمور ، إلا أن تسريحة الشعر والماكياج فهما أهم شيء بالنسبة لي ، ولهذا ادخرت مالا خصوصا للتسريحة ، آملة في أن أكون يوم زفافي في كامل أناقتي و جمالي في ليلة العمر. اليوم ماشي كل يوم رغم غلاء أسعار متطلبات ولوازم الأعراس ، إلا أن هناك من لا يستطيع التضحية بحفل الزفاف والاستغناء عنه ، ورغم محدودية إمكانياته المادية ، تجده يلجأ إلى الاقتراض وتسديد الديون فيما بعد، ويبقى هدفه جمع العائلة والأصدقاء وتمضية يوم مميز يبقى راسخا في الأذهان، فهذا يوم العمر، والأيام ليست سوى ذكريات على حدّ قول مصطفى، ويبقى إقامة حفل زفاف على لسان العام و الخاص أو الاكتفاء بمأدبة عشاء بسيطة راجع لوجهة نظر كل فرد على حدا .