تشكل ''مطاعم الرحمة'' بمدينة تيزي وزو ، و التي يتزامن فتحها مع حلول شهر رمضان مرة واحدة في العام بعدما أضحت تقليدا رمضانيا لدى السلطات المحلية ، بحكم أنها تقدم وجبات إفطار مجانية للمعوزين والمحتاجين وعابري السبيل، الملجأ الوحيد لهذه الشريحة من المجتمع، وإن كانت دليلا على تكريس العمل التطوعي والخيري، فإنها تعكس من جانب آخر صورة الفقر في المجتمع الجزائري ، إضافة إلى أنها أصبحت مستقطبا للعديد من العائلات السورية اللاجئة بمنطقة القبائل . روبورتاج : ح.سفيان الملاحظ أن عدد ''مطاعم الرحمة'' في تزايد مستمر خلال هذه السنة ببلدية تيزي وزو ، حيث لا يكاد يخلو حي من أحياء جرجرة من فتح مطعم يأخذ على عاتقه التكفل بالفئة المعوزة من المجتمع، فالفقر وإن كان أكبر عدو للإنسان فإن التجنّد للتخفيف من حدّته لا يكون إلا في شهر واحد ،وهذا هو المعتاد لدينا، إلى أن تعودنا كل شهر رمضان على رؤية لافتة ''مطعم الرحمة'' لبلدية معينة ، في شوارع دائرة تيزي وزو ، غير أن الحصول على طبق حساء وخبز وحبات التمر لا يتم إلا عن طريق المتطوعين والجمعيات الخيرية التي تأخذ على عاتقها التكفل بتسيير هذه المطاعم بالتنسيق مع السلطات المحلية، ويعد ''مطعم الرحمة'' الواقع بحي ليجوني بتيزي وزو ، أحد المطاعم التي تشرف طيلة الشهر الفضيل على توفير وجبة الفطور.. الجزائر الجديدة تمكنت من مرافقة الطاقم المشرف على تسييره والتقرب من مرتاديه، وعادت بهذا الروبورتاج . عائلات سورية تحدث طوارئ في مطاعم الرحمة خلال الساعات القليلة التي تسبق آذان المغرب وموعد الإفطار ، عليك بأن تتحلىّ بقدرة التحكم في النفس والأعصاب، وأن تتوقع كل الاحتمالات، فالمطعم مخصص لكل شخص محتاج لا يجد بيتا أو مأوى للإفطار، فالصعوبة لا تكمن في المراحل التي تسبق إعداد موائد الإفطار ، وإنما في خدمة الوافدين على المطعم، فمنهم المعوزين و الإعداد الهائلة للعائلات السورية ، ولأن التعامل مع هذه الفئات يرتكز أساسا على مساعدتها وتقديم الدعم لها، لذلك يجمع المتطوعون المشرفون على خدمتهم على أن خدمة الوافدين أصعب مراحل العمل التطوّعي الذي يستأنف بتنظيف المطعم و الأطباق، فعادة ما تنشب مناوشات و خلافات بين الوافدين لأتفه الأسباب، والملاحظ أن الطبق وما يحمله من مكونات يوزع على كل الأشخاص، غير أن ما يحدث هو قيام البعض بأخذ على سبيل المثال علبة عصير الفواكه من طبق شخص آخر وإخفائها بين ملابسه ، لترتفع أصوات الاحتجاج وتتعالى الاتهامات بأن توزيع الأطباق يتم ''بالوجوه''، فلا تتعجب إذا رأيت طوابير من المحتاجين أمام هذه المطاعم، لأن مثل هذه السلوكات تدفع في بعض الأحيان القائمين على عملية التطوع القيام بذلك ، لتفادي المشاكل التي تواجههم ،ما يطرح ضرورة فرض نمط معين من التنظيم . 30 مطعم رحمة ببلدية تيزي وزو بلغ عدد مطاعم الرحمة ببلدية تيزي وزو فقط 30 مطعما , من بينها 5 مطاعم تابعة للهلال الأحمر الجزائري و 2 للولاية , أما الباقي فهي للخواص ، أصحاب القلوب الصافية ، وقد بلغ عدد المرتادين على مطعم الرحمة في اليوم الأول من شهر رمضان 365 شخصا من المعوزين ، وذوي الحاجة واللاجئين السوريين ، و هو رقم مرشح للارتفاع، بحكم أن طاقة استيعاب المطعم المتواجد بعدد من الأحياء، بعدما خصصت بعض حجرها لاستقبال المحتاجين تفوق طاقة استيعابها العدد الوافد في اليوم من أيام الشهر الفضيل، وعادة ما يتم تسجيل ارتفاع تدريجي في عدد الوافدين خلال شهر رمضان على هذا المطعم ، حسب رئيس المتطوعين المشرف على التسيير ، بعدما ينتشر بين أفراد الطبقة المحتاجة خبر فتح هذا المطعم ومعرفة مكانه بالتحديد، مما يستدعي الأخذ بعين الاعتبار توفير العدد الكافي من الوجبات ، مع إمكانية منحهم كمية إضافية ل ''السحور''. شباب قرى تيزي وزو يحبّون العمل التطوعي لا أعتقد أن أي أحد من الجزائريين في شهر رمضان يفضل أن يقضي أول أيام رمضان بعيدا عن عائلته ، لكني اخترت اليوم أن أكون ضمن الطاقم المشرف على مساعدة المحتاجين والمعوزين ، إيمانا واحتسابا ، ومن أجل تشجيع الآخرين على تقديم العون والمساعدة وتربية الجيل الصاعد على القيام بذلك، وما أريد تأكيده هو ألا يقتصر عمل الخير في شهر رمضان ، لأن الفقر والحاجة لا ترتبطان بهذا الشهر فقط''.. هذه شهادة أحد المتطوعين بمطعم الرحمة بمدوحة ، هو رب أسرة و أب لطفلين ، يقطن ببلدية اث واسيف ،التحق بالخدمة التطوعية و كانت تبدو عليه مظاهر الإرهاق، أسندت إليه مهمة خدمة الوافدين على مطعم الرحمة ، حيث تشارك في تقديم هذه الخدمة العديد من الجمعيات الناشطة ، والتي تسعى إلى جمع التبرعات الخيرية ، على غرار جمعيات مساعدة مرضى الربو، الهلال الأحمر الجزائري ، وغيرها من الجمعيات، بالتنسيق مع السلطات المحلية التي أخذت على عاتقها توفير الحيز، و تحديد برنامج يضمن مساهمة كل الجمعيات في تقديم خدماتها طيلة شهر رمضان ،عن طريق تحديد رزنامة تتداول عليها ، حيث تتكفل السلطات المحلية بالتنسيق مع الجهات المعنية ، بتزويد القائمين على المطعم بالمواد الغذائية الضرورية. طباخات طاعنات في السن في مطاعم الرحمة بتيزي وزو ولأن العمل التطوّعي والخيري لا يعترف بالسن أو الجنس ، فإن عائشة وأمثالها نساء تقدم بهن السن، وأبين إلا أن يشاركن في تقديم خدمة تطوعية خيرية بحتة ، دون انتظار مقابل من أحد، وهناك من دفعت بهن الحاجة في العمل في هذا الشهر عن طريق الانضمام إلى طاقم التأطير بترخيص من البلدية ، مقابل مبلغ مالي لا تتعدى قيمته 300 دج . لم يكن ثاني أيام شهر رمضان مميزا بالنسبة لأصحاب المآزر الوردية، فعادة ما يبدأن يومهن بتحضير الخضروات والمواد الأساسية لإعداد الأطباق المبرمجة لذلك ، والمتمثلة في الشوربة ، وطبق الزيتون بعد إخضاع المكان لعملية تطهير شاملة من طرف عاملات النظافة ، اللاتي لا يتعدى سن إحداهن 21 سنة، وعندما تقترب عقارب الساعة من الحادية عشر صباحا، تشرع الطباخات في عملية الطهي فتراهن ينتقلن من ''قِدر'' إلى آخر ، في حجرة تتحول فيما بعد إلى قاعة للأكل ، وتستمر عملية التحضير إلى الساعة الخامسة مساء.. تقول فروجة من بلدية تيرميثين (65 سنة) أن الحاجة دفعتها للالتحاق بالعمل التطوعي ، من أجل الحصول على مبلغ مالي تعيل بها أسرتها وأختها، مضيفة أنها تقدم هذه الخدمة منذ عشر سنوات، وما يمكن ملاحظته هو أن النسوة المشرفات على العملية يزاولن العمل التطوعي منذ 15 سنة، وتعفى النساء من خدمة الملتحقين بالمطعم، حيث توكل إلى الفريق الثاني المتألف من 08 أشخاص متطوعين، يسهرون على تلبية طلبات الوافدين على المطعم، ليأتي بعد ذلك الدور على النسوة اللواتي يقصدن المطعم بعد صلاة التراويح ، قصد تنظيف المكان و تحضيره لليوم الموالي .