_الإبداع الجزائري بخير وهو يشق طريقه بثبات وعزم والأيام كفيلة بإثبات ذلك الإعلام الجزائري مازال بعيدا ليساهم في إنجاز أي مشروع حضاري عزوز عقيل، ابن مدينة الجلفة، يعد أحد الشعراء الجزائريين الذين فرضوا أنفسهم على المشهد الثقافي والفكري العربي و الغربي ، له ثقافة أهلته ليدرج اسمه ضمن معجم " البابطين العرب للشعراء المعاصرين " ، و ب " الموسوعة الجزائرية للأدباء والعلماء الجزائريين " ، إضافة إلى معجم " الشعراء العرب من العصر الجاهلي إلى العصر الحديث" ، كما تم اختياره ضمن الهيئة العامة لاتحاد كتاب الانترنت العرب، كما مكنه إبداعه الأدبي و الفكري الحصول على العديد من الجوائز الوطنية و العربية، أخرهما الجائزتان التي تحصل عليهما هذه السنة خلال مشاركته في مسابقات عربية و هما جائزة الاستحقاق الأدبي في لبنان، و جائزة "القلم الحر" التي أفتكها مؤخرا بمصر، في هذا الحوار يتحدث الشاعر عزوز عقيل، عن الجوائز التي حصدها خلال هذه السنة، و عن دور الإعلام و الترجمة في التعريف بالأدب الجزائري، و عن إستراتجية النهوض بالمشهد الثقافي بالجزائر، إلى جانب حديثه عن جائزة "على معاشي" و الضبابيات التي تشوب مجرياتها. حاورته: نسرين أحمد زواوي في البداية نهنئك بالجائزة التي تحصلت عليها نظير مشاركتك في مسابقة "القلم الحر"، هل لك أن تحدثنا عن هذه التجربة؟ شكرا، فعلا شاركت في مسابقة القلم الحر بمصر بمجموعة شعرية بعنوان "السنبلة" وبعد التصفيات النهائية التي كانت بأعداد كبيرة كنت من بين المجموعة التي مرت إلى التصفيات وكان عددهم 200 مبدع يمثلون مختلف الأصناف الإبداعية شعرا وقصة وخاطرة وغيرها من الأصناف الإبداعية، و بعد عملية الفرز النهائية تم الإعلان عن النتائج و الفائزين بالمراتب الأولى خلال ملتقى نظم بمصر، وكنت من بين المتوجين هناك بالمرتبة الثانية رفقة مجموعة من مبدعين جزائريين آخرين في أصناف متعددة. هي الجائزة الثانية لك في هذه السنة بعد جائزة " الاستحقاق الأدبي" بلبنان؟ طبعا بعد تتويجي في لبنان بجائزة الاستحقاق الأدبي، جاءت جائزة القلم الحر وهذا دليل أخر يضاف إلى أدلة كثيرة تثبت مدي قيمة ومكانة الأدب الجزائري بصفة عامة، وما أنا إلا نموذجا لهذا الإبداع المتنوع في الجزائر، ولعل التتويجات الأخيرة لكثير من المبدعين والمبدعات خير دليل على ذلك فقط نحتاج إلى إعلام واعي يزيل الغبار على هذا الإنتاج الأدبي المتنوع الذي يعتبر مفخرة للأدب الجزائري والثقافة الجزائرية عموما. قبل الحديث عن الإعلام و واقع الإبداع في الجزائر، حدثنا عن بعض التفاصيل الخاصة بتلك الجائزة والمسابقة بصفة عامة؟ في حقيقة الأمر لا أملك التفاصيل الدقيقة التي ألمت بالمسابقة ولكن الشيء اللافت في المسابقة هو تنوع المشاركات من مختلف الدول العربية وكثرتها إضافة لهذا أن كل المبدعين الذين مروا للتصفيات كانوا مدعوين لدولة مصر والمشاركة في التصفيات النهائية، ربما الشيء الذي كان واضحا وجليا هو عدم حضور الكثير من المبدعين نظرا للوضع الراهن الذي تمر به دولة مصر الشقيقة ربما هذا ما عكر صفو هذا اللقاء الجميل، حتى أنا لم أتمكن حضور اللقاء للأسف نظرا للأسباب ذاتها. ما هي أكثر الأشياء التي تميز "القلم الحر" عن باقي المسابقات؟ في نظري اهتمامها بالمبدعين و جمع جميع الأعمال التي مرت للتصفيات النهائية و طبعها في عمل جامع تحت عنوان "علم القلم الحر"، هذا وحده ميزة، لان معظم المسابقات الممثلة تعمل بصفة عامة على طبع فقط أعمال الفائزين بالمراتب الأولى، و هذا يحسب لهذه المؤسسة التي تساهم في تشجيع المبدعين العرب، للإشارة فقط المسابقة تنظمها مؤسسة القلم الحر وهي عبارة عن جريدة ورقية تحمل ذات الاسم، و التي يشرف عليها الأستاذ رجب عبد العزيز. مشاركتك في مسابقة القلم الحر هل تعني أنك من رواد "الشعر الحر"؟ ليس هذا بالضبط، لان المؤسسة تحمل هذا الاسم فقط، لكن لم تشترط على المتسابق هذا، بل بالعكس كانت المسابقة متنوعة و فيها من الشعر الفصيح، الشعر النثري، القصة،.... وغيرها وكل واحد فاز في مجاله فقط الشروط كانت أن تشارك في فرع واحد، أما عن مشاركتي فكانت بمجموعة "السنبلة" وهي مجموعة شعرية متنوعة بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة. ما قصدته هو انتمائك الشعري ؟ في الحقيقة كتاباتي تتنوع بين شعر التفعيلة والشعر العمودي، ولكن في معظم الأحيان أجد نفسي ميالا للقصيدة العمودية التي تعتبر هي الأم المثالية لكل أصناف الإبداع، فالشعراء الكبار الذين نّظروا لقصيدة التفعيلة وبعدها قصيدة النثر هم من رواد الشعر العمودي فالسياب مثلا ونازك الملائكة أبدعوا في العمودي ثم نظروا لقصيدة التفعيلة أو بما يسمى الشعر الحر، وأنا في كتاباتي أزاوج بين هذين حسب ما تقتضيه الفكرة الشعرية فهي التي تفرض نفسها وتفرض قالبها التي ستكون به. الشعر، هو لحظة البوح بالمكبوتات، و هو تعبير عن حالة معينة يعيشها الفرد أو المجتمع عموما، في نظرك هل مازال الشعر قادر على التعبير عن هموم المجتمع؟ مادام هناك إنسان على وجه الأرض يبقى الشعر فعال في التعبير عن هذا المجتمع، اللهم ما إن اعتبرنا الإنسان تخلى عن إنسانيته، فالشعر يخاطب الروح ويخاطب الوجدان و الإنسان،و هو كتلة من هذه المشاعر فبالتأكيد أن الشعر سيبقى معبرا عنا هذا الشعور والإحساس الفياض الذي يتجلى في عظمة هذا الإنسان وإلا تحول إلى كتلة من الجماد لكن ربما هذا الأمر لا يمكن تعميمه نظرا للوضع الاجتماعي السائد حاليا و مع التطور التكنولوجي الذي ساهم بدوره في إبعاد الجماهير عن الذائقة الشعرية و أصبح الإنسان يلهث خلف الجاهز، لكن في نظري يبقى الشعر حاملا لهّم الإنسان شئنا أم أبينا. لكن رغم ما قلته وما يقال عن الشعر، إلا أن الاهتمام به لم يعد كما كان في سابق و أصبح يقال "الزمن الشعر قد ولى". إلى أي مدى يمكن قبول هذه المقولة؟ بطبيعة الحال فدوام الحال من المحال، نحن لم نقل أن هذا زمن الشعر، فبلا خلاف و بلا جدال نحن اليوم نعيش في زمن التكنولوجيا، لكن لا يمكننا نفي أيضا شرائح كبيرة من المجتمع مازالت تتعاطى الأدب وتتذوقه، و هناك الكثير من الذين استطاعوا أن يحولوا هذه التكنولوجيا لخدمة الثقافة والأدب، لا بدا من زمن تكنولوجي إذا ما أردت أن تنهض بأي مشروع حضاري، والأدب مشروع من هذه المشاريع النبيلة و التكنولوجيا بقدر سلبياتها بقدر ما هي ايجابية، فقد ساهمت كثيرا بالتعريف بالنخب الأدبية والثقافية وكسر ذلك الجمود وحطمت كل الحواجز التي كانت تقف أمام المبدع، ولهذا يمكننا القول أن زمن التكنولوجيا هو زمن الإبداع، لأن الإبداع لم يصبح الآن حكرا على فئة معينة، يمكننا أن تبدع وتوصل إبداعك لأي نقطة شئت، فقط المعيار الوحيد هو الجودة أو اللاجودة. لحظنا في الآونة الأخيرة اهتمام بعض الشباب بالشعر، و لحظنا بروز العديد من الأسماء الشبابية على الساحة الإبداعية، هل هذا يعني أن هؤلاء الشباب تفطنوا لأهمية الشعر، أما فقط هي موضة و ستنتهي صلاحيتها في يوم قريب؟ في الزمن التكنولوجي الرهيب لا يمكنك حصر أسماء جديدة لأنك لا تستطيع أن تحتوي كل ما ينشر في الوسائل التكنولوجيا، وإذا ما أصدرت حكما فإنك تكون قد ظلمت ذاك الذي لم تقرأ له فيما سبق، كما يمكن إصدار الحكم بعد فترة قليلة من المتابعة لأن النشر كان يتم على مستوى جريدة أو جريدتين، لكن الآن يصعب على المتتبع الحكم على مثل هذا إلا بعد فترة طويلة، لأن الكم الهائل من الإبداع على المستوى التكنولوجي يجعلك عاجزا حتى على القراءة الواعية، وأنا لي مقولة سابقة في حوار سابق هي "أن النشر الالكتروني يخدم الاسم أما النشر الورقي يخدم النص". على ضوء مشاركتك في العديد من التظاهرات الأدبية والفكرية خارج الوطن، ما تقيمك لواقع الشعر في الجزائر ؟ تعرف التجربة الشعرية في الجزائر تطورا ملحوظا منذ فترة زمنية بعيدة ولنقل من عصر الانفتاح الديمقراطي، بدأت تتنوع مجالات الإبداع وخرجت من طبوهات معينة فكثرت الأقلام الإبداعية وتنوعت المجالات أيضا، فبرز ت أسماء كثيرة على مستويات مختلفة من الإبداع قصة و شعر، رواية، ولعل الكثير من الجوائز التي نالها المبدعون الجزائريون على المستوى العربي خير دليل على ذلك فظفرت الجزائر بجوائز عديدة منها جائزة "سعاد الصباح" و "جائزة دبي" و "جوائز الشارقة" و جوائز الطيب صالح وكلها جاءت في مراتب متقدمة شرّفت الجزائر، والأسماء كثيرة لا يمكن حصرها في هذا المجال المهم أن الإبداع الجزائري بخير وهو يشق طريقه بثبات وعزم والأيام كفيلة بإثبات هذا المستوى. ما الذي ينقصه حتى يبلغ أفاق أخرى؟ أكيد تقصدين العالمية ، يجب أن لا نكون مبالغين في الأمر، الوصول إلى العالمية يحتاج إلى متطلبات كثيرة ولا يمكن أن نصل بمستوى الإبداع فقط، نعم الإبداع مهم ولكن يجب أن تكون عناصر أخرى تساهم في وصوله، بدايتها الترجمة ونحن نفتقد هذا الركن الركين وهو من شروط وصول أي عمل للعالمية، ثم الجاني الثاني الإعلام ونحن نفتقد لهذا أيضا وأقصد هنا الاهتمام الإعلامي بكل ما هو ثقافي وبما أن هذين العنصريين مفقودين فالوصول إلى العالمية يبقى بعيد المنال، ولكنه ليس مستحيلا إذا ما تظافرت الجهود وكانت هناك إستراتجية تساهم في إيصال هذا العمل إلى العالمية شريطة توفرهما. قلت، من بين شروط بلوغ العالمية الإعلام، ألا ترى أن الإعلام بدأ يأخذ منحى جديد بعد الانفتاح الذي شهده مجال السمعي البصري في الجزائر؟ أكيد، الإعلام هو العنصر الأول في المعادلة فبدون إعلام لا يمكن أن تفعل شيئا، و أنا أقصد هنا الإعلام الاحترافي طبعا، وبمستوياته المختلفة المسموع، المرئي والمقروء، فالإعلام هو العصب الحي لأي مشروع وليس المشروع الثقافي فحسب ولذا يجب أن يكون الإعلام هو العنصر الفعّال في أي حراك ثقافي، فالغرب لم ينجحوا هكذا، ولكن إستراتجيتهم الإعلامية هي التي ساهمت في الكثير من إنجازاتهم على مستويات مختلفة وربما هذا المشكل الحقيقي الذي يعاني منه المجتمع العربي برمته، طبعا بمستويات مختلفة ونحن في الجزائر مازلنا بعدين جدا عن هذا الإعلام الذي يساهم في بناء أي مشروع كان حضاري، ثقافي، رياضي، أو اقتصادي. و ماذا عن الترجمة؟ بالنسبة للترجمة فهي النافذة المشرعة التي يطل منها الأديب عن الأخر، فهي السبيل الوحيد للوصول إلى العالمية فبدونها يبقى الأدب محصور في إطاره الضيق، و الشيء المؤسف أننا في الجزائر مازلنا نعاني من نقص في الترجمة فهي لم تعرف بعد انتعاشا ثقافيا، ما عدا بعض المحاولات التي تبقى تحسب على أصابع اليد الواحدة، إضافة إلى أن معظم ترجمات نجدها مكررة في الكثير من الأحيان ، لذلك لا بد من وجود مخابر خاصة بالترجمة إذا ما أردنا النهوض بالأدب الجزائري عموما، لكي يصل إلى مكانته المرموقة. هل من اقتراحات تقدمها أو إستراتجية واضحة المعالم من شانها النهوض بالشأن الثقافي في الجزائر ؟ للنهوض بالمشهد الثقافي يجب تفعيل مديريات الثقافة على المستوى الوطني، وتكون مديريات ناتجة للفعل الثقافي وليست راصدة لحسابات ما يصرف في المطاعم، وأن تفعّل المراكز الثقافية على مستوى الدوائر، لأن الإبداع يوجد أيضا في العمق، وأن لا يكون الإبداع والثقافة محصورا فقط في المدن الكبرى، كذلك يجب أن تفعّل جائزة رئيس الجمهورية واقصد جائزة "على معاشي" لأنها تمثل الجزائر والطريقة التي تدار بها لا تشرف سمعة الرئيس ولا سمعة الجزائر ففي كل عام نسمع مهزلة من المهازل عنها. ما قصدك بعدم تشريفها لسمعة رئيس الجمهورية و لا لسمعة الجزائر؟ قصدت أن جائزة على معاشي في وضعها الحالي لا تشرف رئيس الجمهورية أولا لأن مبلغها المادي لا يشرف مؤسسة بحجم الرئاسة، والأمر الثاني ما يشوبها في كل مرة من ضبابية وعدم الوضوح حتى شروط المشاركة فيها غير ثابتة وليست قارة، وكأنها جائزة خصصت لمجموعات معينة في كل مرة، وللنهوض بها وإعطاء الجائزة قيمتها الفنية و الإبداعية لا بدا من إعادة النظر في مبلغها المالي وإعادة النظر في كثير من الأمور حتى تصبح تمثل الجزائر أحسن تمثيل. أنت الآن بصدد إصدار مجموعتك الجديدة، هل لنا معرفة بعض التفاصيل عنها؟ لي مجموعة منذ زمن وهي تحت الطبع ولكن شاءت الظروف أن تتعطل في كل مرة لسبب تقني، وما زلت أنتظر طلتها مثلي كمثل أي قارئ، لكن هذه الأيام سيصدر لي كتاب بعنوان "أنتولوجيا المدينة والإبداع" وهو كتاب يضم كل مبدعي مدينة عين وسارة، سيرهم الذاتية وبعض أعمالهم كي يكون مرجها تاريخيا يؤرخ للتاريخ الإبداعي لهذه المدينة التي طالما أرقتنا. في كلمة أخيرة ماذا تقول لقارئ الجزائر الجديدة؟ شكرا جزيلا على هذا اللقاء الجميل، و أنا ممتن لكم ولكل طاقم الجريدة التي طالما وقفت معي في محطات كثيرة وساهمت في إطلالتي على القارئ الكريم، وتحية خاصة على نبش الذاكرة الشعرية تحتاج دوما لمثل هذه اللقاءات الجميلة شكرا.