هل تحب أن تكون من جلساء الله يوم القيامة؟ بلى إنك لتحب ذلك، إنه لمقام عظيم، ولكن أنى لنا أن نصل إلى هذه المكانة السامقة.. وهل من اليسير أن نرتقي هذه القمة؟! الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه أضاء لك المشعل ورفعه عاليا للناظرين فقال: جلساء الله غدا أهل الورع والزهد.. الورع الذي يطهر القلب من الأدران، ويصفي النفس من الزبد.. الورع الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "كن ورعا تكن أعبد الناس". وقال: "فضل العلم أحب إليّ من فضل العبادة، وخير دينكم الورع" . وقالت عائشة : إنكم لتغفلون عن أفضل العبادة .. الورع. وسئل الحسن: ما تقول في الورع؟ قال: ذاك رأس الأمر كله. فما هو الورع إذًا؟ قالوا : الورع أخذ الحلال الصرف، وترك كل ما فيه شبهة. قال الفضيل : "من عرف ما يدخل جوفه كتب عند الله صديقا". وقال سهل التستري: "من أكل الحلال أطاع الله شاء أم أبى، ومن أكل الحرام عصى الله شاء أم أبى". وقال يونس بن عبيد: الورع.. الخروج من كل شبهة، ومحاسبة النفس كل طرفة عين. قال الصحابة : كنا ندع سبعين بابا من الحلال مخافة أن نقع في باب من الحرام. والورع ظاهر وباطن: فالظاهر: ألا تتحرك إلا إلى الله، والباطن ألا تدخل قلبك سواه. كيف الطريق للورع؟ هو يسير لمن يسره الله عليه، يقول سفيان الثوري: ما رأيت أسهل من الورع! ما حاك في نفسك فاتركه.. لقد اقتبس سفيان هذا المعنى من مشكاة النبوة، ففي حديث البر والإثم : " والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس". وقد جمع رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الورع في كلمة واحدة فيما رواه الترمذي عن أَبِي هُرَيْرَةَ حيث قَال: "مِنْ حُسْنِ إِسلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ" . فالورع ترك ما لا يعني المرء.. وهذا يعم الترك لما لا يعني: من الكلام والنظر والاستماع والبطش و و و .. فهذه الكلمة كافية شافية في الورع . روى الشيخان عن أبي هريرة : أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كخ كخ ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة". وعند البخاري: "مر النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة في الطريق، قال: لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها".