أضحت مدينة وهران وغيرها من كبريات مدن الغرب الجزائري قبلة مفضلة لآلاف اللاجئين السوريين والماليين والنيجريين، وصار تواجدهم ديكورا مألوفا يميز شوارعها، لاسيما عند مفترق الطرق والساحات، أغلبهم اتخذ من التسول مهنة يزاولها من طلوع الشمس الى غروبها، لكنهم جميعا يتفقون على أنهم لقوا الترحاب وحفاوة الاستقبال من الجزائريين، الذين مدوا إليهم أيديهم ووفروا لهم المأكل والمشرب وأشياء كثيرة، أنستهم ما قاسوه من حرب وعنف ولصوصية في بلدانهم، وعوضتهم عن الشوق إلى ديارهم وأراضيهم التي هجروها مكرهين بحثا عن خيمة آمنة تأويهم ولقمة تسد الرمق. وهرانيون يستأجرون بيوتا للسوريين في وهران، ومثلما كتبت عنه "الجزائر الجديدة" في وقت سابق، فتحت المؤسسات التعليمية أبوابها لحوالي ألفي تلميذ سوري، وُفرت لهم محافظ وكل مستلزمات التعليم، واليوم يزاولون دراستهم في ظروف عادية، وحسب ما وقفنا عليه، وصلت مساهمات بعض الخيّرين في الباهية لغاية توفير المأوى لأشقائهم السوريين من خلال التكفل بمصاريف استئجار بيوت لهم، ضاربين بذلك أروع صور الكرم الذي أشاد به السوريون كثيرا. من بين السوريين اللاجئين التقت الجزائر الجديدة محمود، رب عائلة فياض من حلب، كشف لنا أنه هرب رفقة عائلته من جحيم الحرب المستعرة في بلاده، مؤكدا أن الوضع في حلب لم يعد يسمح لهم بالبقاء فيها، ما دفعهم لهجرتها هربا من الموت الذي كان يحدق بهم في كل لحظة، وقال محمود: "أنا وعائلتي في وهران منذ قرابة سنتين، الحقيقة أننا لم نتوقع أن نلقى كل هذه المعاملة الطيبة من سكانها، الذين احتضنونا بحفاوة، ليس من السهل أن تفارق وطنك ومنزلك وأقاربك، ولا شيء آخر يمكنه أن يعوضك عن ذلك، لكن هنا في وهران، كرم أهاليها أنسانا كثيرا شوقنا لما تركناه وخفف عنّا معاناتنا، سهلوا اندماجنا وسطهم ولم نعد نحس أنفسنا غرباء البتة". ويقول صديقه حسام: "الجزائريون مضيافون بأتم معنى الكلمة، لم نلق أية مضايقة منذ قدومنا إلى وهران، العكس، هناك حتى من يتكفل بمصاريف مبيتنا في الفندق، الوهرانيون لا يتوقفون عن مواساتنا ورفع معنوياتنا". تضامن واسع وتبرعات بأعين مغمضة للسوريين يتسول اللاجئين السوريين في بعض مواقف الحافلات والأسواق في وهران، ويناشدون إخوانهم الجزائريين مد يد العون ومساعدتهم على مجابهة مختلف المصاريف، يتحدثون عن حاجتهم للمساعدة ويستعطفونهم بكلمة "إخوانكم السوريون"، وهي كلمة تجد صداها بسرعة في قلوب مستقبليها، الذين لا يترددون للحظة في إدخال أيديهم في جيوبهم وتقديم ما يستطيعون من مال أو مساعدات أخرى، وهناك من وفروا لهم وجبتي الإفطار والسحور طيلة شهر رمضان المنقضي، ولا يتردد الوهرانيون ولا يفكرون قبل تقديم تبرعاتهم، عندما يتعلق الأمر بلاجئين سوريين، ويحرصون على تفادي إحراجهم أو المساس بكرامتهم، لأنهم يعرفون أنهم هاجروا بلدهم مكرهين، هاربين من الاقتتال وصور الدمار والموت. الهلال الأحمر الجزائري في الموعد وبدوره، يبقى الهلال الأحمر الجزائري في الموعد ويقدم مختلف صور التضامن والمساعدات للأشقاء السوريين، وقال أعضاء نشطين في المكتب الولائي بوهران، إنهم يتفقدون في كل مرة ظروف اللاجئين وما يحتاجونه، ويسعون لمساعدتهم بجمع التبرعات وتوزيعها عليهم حسب الحاجة، ويشارك في العملية متطوعون يعملون مع الهلال الأحمر. بالمقابل كشف لنا الناشطون أنه لا توجد لدى الهلال أرقام معينة عن عدد اللاجئين السوريين في وهران أو في الولايات الأخرى، في غياب إحصائيات رسمية، لكن التجول في أحياء المدن يكشف أنهم موجودون بالعشرات وبالمئات أحيانا. الولايات الحدودية وجهة مفضلة وجوازات سفر مزورة يبقى أن نشير إلى أن اختيار بعض اللاجئين السوريين للإقامة في الولايات الحدودية، مثل عين تموشنت وتلمسان لم يكن اعتباطيا، فكثير منهم يفكر في الهجرة لأوروبا بحثا عن الفردوس المنشود، بعضهم يستعمل جوازات سفر مزورة للتنقل بين بلدان المغرب العربي، وكل همهم هو الوصول لمدينة مليلية المغربية الواقعة على الساحل المقابل لإسبانيا على بعد 180 كلم فقط، بدليل أن السوريين يشكلون نحو ستين بالمئة من عدد اللاجئين المقيمين في مراكز الإيواء بهذه المدينة، لكن بعض من تحدثنا معهم وكانوا على اتصال بمن سافروا إلى هناك، أكدوا لنا أن مليلية في الواقع ليست مركز عبور نحو أوروبا، بل هي سجن مفتوح على الهواء الطلق وكل من يصلها يبقى ضائعا هناك. اللاجئون الأفارقة: من دخل الجزائر فهو آمن! بجوار اللاجئين السوريين في شوارع المدن وفي ملتقيات الطرق ومحطات الحافلات، يوجد عشرات اللاجئين الأفارقة، جميعهم من مالي والنيجر، لم يأتوا للجزائر سياحا، بل مكرهين هاربين من التدمير والعنف الطائفي والاقتتال على الحكم، تنازلوا عن أراضيهم ومزارعهم وممتلكاتهم، وفروا مع أبنائهم بأرواحهم نحو بلد، يقولون إن من دخله فهو آمن. السواد الأعظم منهم اتخذوا من التسول مهنة، وإن كانت درجة تعاطف الجزائريين معهم أقل نوعا ما، مقارنة باللاجئين السوريين، إلا أنهم يحظون على كل حال بعطف السكان، وحتى عطف السلطات التي وفرت لهم مراكز إيواء في بعض المناطق مثل بوفاطيس، لكنهم سرعان ما يغادرونها، ويعودون إلى وسط المدينة، يتمسكون ببصيص أمل نحو غد أفضل، ويحلمون أن يعودوا يوما ما الى بيوتهم وأوطانهم لينعموا بالسلم والأمن. الوصول للجزائر ليس سهلا! يخطئ من يعتقد أن هؤلاء اللاجئين الأفارقة قرروا الهروب للجزائر واللجوء إليها فوجدوا أنفسهم بين عشية وضحاها في كبريات مدنها، ليس من السهل أبدا أن تنزح بأولادك من داخل الأراضي المالية الى مدينة الخليل غير البعيدة عن الحدود الجزائرية، ثم ليس من السهل ولوج مناطق أقصى الجنوب الجزائري مثل تنزاواتين وتيمياوين وبرج باجي مختار. يقول آغ مختار أنه فر مع عائلته من مدينة كيدال وتعرضوا لمختلف أنواع المخاطر في الطريق نحو برج باجي مختار وكان الموت يتربص بهم في كل مكان: "أتذكر جيدا كيف تعرضت قريتنا ذات يوم لهجوم إرهابي دفعنا لنفر بجلدتنا، تاركين وراءنا كل ما نملك، كنا رجالا ونساء وشيوخا وأطفالا، في الطريق قابلنا قطاع طرق ولصوص نهبوا منا ما بقي بحوزتنا وتركونا في الصحراء بلا شيء، مشينا قرابة عشرة كيلومترات قبل أن نصل الحدود الجزائرية. هناك استقبلتنا السلطات الجزائرية جيدا ووفرت لنا الرعاية الصحية والغذاء والإيواء. عشنا الجحيم ورأينا الموت بأعيننا قبل أن نصل إلى هنا". غالي عثمان، لاجئ مالي آخر، في الخامسة والعشرين من عمره، كان يزاول دراسته في شعبة المحاسبة قبل أن يفر للجزائر، واليوم يحلم أن تمكنه السلطات الجزائرية من متابعة تعليمه في الجامعة، قال لنا إنه واجه مخاطر كثيرة في مالي: "الموت كان يتربص بنا من كل جانب، كانت هناك ميليشيات مهمتها القتل والتصفية العرقية، وأخرى تابعة لتنظيمات إرهابية، وفي الطريق يواجهك قطاع الطرق وعصابات اللصوص، الآن نحن بخير في وهران، كل همنا هو الحصول على مأوى ولقمة عيش وهو ما ننعم به الآن". واعترف من تحدثنا إليهم أنهم ممتنون لحسن الضيافة والكرم الذي لقوه من سكان وهران. من الجنوب إلى مدن الشمال يرفض اللاجئون الأفارقة المكوث في مراكز الإيواء في الجنوب، ويفضلون قطع مئات الكيلومترات والتحول نحو مدن الشمال بحثا عن إقامة أفضل وفرص أكبر للعمل، ويعترف هؤلاء أن السلطات الأمنية في الجزائر تتساهل معهم ولا تعيق انتقالهم إلى الشمال، يسافر أغلبهم من برج باجي مختار نحو مدينة أدرار التي يمكثون بها أياما، منهم من يلجأ للعمل لجمع المال قبل أن يشدوا الرحال من جديد نحو وهرانوتلمسان وغيرها من ولايات الشمال، بعضهم تحجج بالحرارة الشديدة التي عرفتها ولايات الجنوب في الصيف، والبعض الآخر تحجج بالبحث عن العمل لضمان لقمة العيش، ولو أن أغلبهم يلجأ للتسول، حيث يستعطفون المارة بتحية السلام ويمسكون في أيديهم "مسابح" ويضعون طاقيات بيضاء للدلالة على أنهم مسلمون. تم تجميعهم مرارا وتكرارا في مراكز إيواء خاصة لكنهم يغادرونها ويفضلون العودة للتجوال في الشوارع، مع الإشارة إلى أنه لا يوجد قانون يسمح للسلطات بإجبارهم على البقاء داخل المراكز المخصصة لإيوائهم. العمل في البناء.. رغم أن اللاجئين الأفارقة اختاروا التسول مهنة، إلا أن كثيرا من الشباب، فضلوا دخول سوق العمل واختاروا البناء الذي يتقنونه جيدا، لاسيما أن العمل في الورشات صار يعود عليهم بمداخيل معتبرة ومنهم من يجني 1500 دينار في اليوم الواحد بهذا العمل، ويفضل أصحاب ورشات البناء الاعتماد على اليد العاملة الإفريقية بدل المحلية لإتقانها العمل بدون شروط كثيرة،، وهناك شريحة أخرى من اللاجئين تنوي أن تجعل من وهران وغيرها من مدن الشمال نقطة عبور نحو الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط، وكل همها الهجرة نحو أوروبا. وكانت السلطات المحلية رحلت في الأسبوع الأول من أكتوبر 441 لاجئ نيجيري نحو بلدهم، منهم 412 من وهران و29 آخرون من تلمسان، تم تجميعهم في مركز إيواء ببئر الجير، وإخضاعهم لفحوص طبية مع تلقيح الأطفال، قبل أن نقلهم بحافلات خاصة لمركز العبور بتمنراست، حسب الاتفاقية المبرمة بين الجزائر والنيجر، بعد تحسن الأوضاع الأمنية في هذا البلد، وخلال هذه الفترة اختفى اللاجئون الأفارقة من شوارع وهران خوفا من ترحيلهم، قبل أن يعودوا بعدها للظهور، لانهم يفضلون البقاء في الجزائر، على العودة لبلدهم خشية الحرب وتجدد العنف الطائفي.