تمخضت الرئاسة، فولدت دستورا "تقنيا" طال الحديث عنه لمدة فاقت 7 سنوات، بسبب استمرار صمت "صاحب المشروع" حول مضمونه وآجال تنفيذه وطريقة تمريره، وأخيرا تقرر الإفراج عن " لغز" لم يعكس في نهاية المطاف الاجتهادات التي سبقت تاريخ الإفراج عنه، تناثرت كلها بين الواقع والأماني، وأثارت جدلا كبيرا بين المقربين من دائرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة والمعارضة التي رفضت المشاركة فيه وإثرائه. أفرج أمس، مدير ديوان رئاسة الجمهورية أحمد أويحيى، ، عن المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور بعد سنوات من الانتظار، وكما كان متوقعا طرأ على الدستور تعديلات سطحية، "خيبت آمال المعارضة"، وأسقطت أقوال روافد السلطة على رأسهم مدير ديوان رئاسة الجمهورية أحمد أويحيى، الذي كان يثني في كل خرجة إعلامية له، على التعديلات الدستورية التي أشرف عليها شخصيا، نفس الأمر بالنسبة لرئيس المجلس الشعبي الوطني العربي ولد خليفة الذي قال إن التعديل "سيكون معمقا". بوتفليقة يحلل فتح العهدات لنفسه ويحرمها على آخرين بالمقابل، عاد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في نص المشروع إلى تقييد العهدات الرئاسية، بواحدة قابلة للتجديد مرة واحدة فقط حسب ما تنص عليه المادة 74، وهو بند غير قابل للتعديل مستقبلا " مادة جامدة في دستور مرن"، وكان هذا الخيار متوقعا جدا واتخاذه كان أمرا عاديا بالنسبة للمعارضة بسبب الاضطرابات التي عاشتها الجزائر منذ سنة 2011، فيما غلق الرئيس عبد العزيز بوتفليقة اللعبة أمام الجزائريين المقيمين بالخارج، الراغبين في الترشح مستقبلا لمنصب رئاسة الجمهورية، حيث تضمن مشروع التعديل ضرورة أن يكون المترشح لمنصب رئيس الجمهورية مقيما في الجزائر على الأٌقل عشر سنوات، عكس ما هو معمول به في الدستور الحالي، وبذلك قطع القاضي الأول للبلاد الطريق أمام الشخصيات التي تحضر نفسها لدخول سباق رئاسيات أفريل 2019 على رأسهم رشيد نكاز وعلى بنواري اللذان لن يتمكنا من الترشح مستقبلا. ثاني تعديل جاء به المشروع التمهيدي لتعديل الدستور،هو دسترة اللغة الأمازيغية وترسيمها كلغة وطنية رسمية، وخلق مجمع جزائري للغة الأمازيغية يوضع لدى رئيس الجمهورية، وهو المطلب الذي لطالما نادت به الطبقة السياسية منذ الأحداث التي شهدتها منطقة القبائل سنة 2001، وقدم حينها الرئيس تنازلات وقال إنه سيعدل دستور البلاد لتصبح اللغة الأمازيغية لغة وطنية. لأول مرة .. منع التجوال السياسي بنص الدستور من جهة أخرى، حمل المشروع التمهيدي لمراجعة الدستور "مفاجآت غير سارة" لنواب البرلمان، ووضع هذا الأخير حدا لظاهرة التجوال السياسي ومعاقبة كل نائب " متجول " وهذا من خلال حرمان النواب المعنيين من عهدتهم البرلمانية. وحسب نص المادة 100 مكرر 2 يجرد المنتخب في المجلس الشعبي الوطني أو في مجلس الأمة المنتمي إلى حزب سياسي الذي يغير طوعا الانتماء الذي انتخب على أساسه، من عهدته الانتخابية بقوة القانون، ويعلن المجلس الدستوري شغور المقعد بعد إخطاره من رئيس الغرفة المعنية ويحدد القانون كيفيات استخلافه. بوتفليقة يخيب آمال المعارضة ويقدم تنازلات جزئية وغازل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة من جهة أخرى المعارضة، في محاولة منه لإخماد غضبها وكسب ودها، وتشير مسودة الدستور إلى أن هناك إجراءات مقترحة لها تنص على أنه يحق للمعارضة حق التعبير والاجتماع وحق الحصول على وقت في وسائل الإعلام العمومية وحق الحصول على إعانة حسب تمثيلها في البرلمان، وضربت المقترحات عرض الحائط مطلب المعارضة الذي لطالما نادت به والمتمثل في إنشاء هيئة وطنية مستقلة لتنظيم الانتخابات، وعكس بوتفليقة مطلبهم واكتفى باستحداث هيئة عليا مستقلة لمراقبة الانتخابات، ولو أنه قدم تنازلا جزئيا لها يقضي بوضع القائمة الانتخابية عند كل انتخاب تحت تصرف المترشحين. مشروع الدستور يسقط اتهامات المعارضة ويطمئن الشعب ورد القاضي الأول للبلاد رسائل اطمئنان للشعب والمعارضة، كما قال مدير ديوان رئاسة الجمهورية أحمد أويحي " اطمئنوا لن نبيع البلاد "، ويشير المشروع التمهيدي في مادته 17 إلى أن الملكية العامة هي ملك المجموعة الوطنية "باطن الأرض والمناجم والمواد الطبيعية للطاقة و النقل بالسكك الحديدية والنقل البحري والجوي والبريد والاتصالات، كما تضمن الدولة الاستعمال الرشيد للموارد الطبيعية والحفاظ عليها لصالح الأجيال القادمة وتحمي الدولة الأراضي الفلاحية والأملاك العمومية ". المادة 77 تحطم آمال سعداني في سياق آخر، خيبت المادة 77 آمال الأمين العام للأفلان عمار سعداني الذي ظل يؤكد في كل خرجة إعلامية له أن الوزير ألأول سيكون من الأغلبية البرلمانية، وحسب ما تنص عليه هذه المادة، يعين الوزير الأول بعد استشارة الأغلبية البرلمانية وينهي مهامه، كما تنص المادة 79 على أن يعين رئيس الجمهورية أعضاء الحكومة بعد استشارة الوزير الأول الذي أصبح مجبرا حسبما قاله أويحي على عرض بيان السياسية العامة للحكومة أمام البرلمان سنويا.