منذ صدور مقاله "حذار من إرهابٍ بتكلفة رخيصة"، في صحيفة "لوموند" الفرنسية (18 تمّوز/ يوليو 2016)، والذي شبّه فيه بوعلام صنصال (1949) هجومَ نيس الإرهابي في الرابع عشر من تمّوز/ يوليو الماضي بالعمليات الفدائية التي قام بها مناضلو الثورة التحريرية خلال "معركة الجزائر" (1956 - 1967)، لم يتوقّف الموضوع عن التفاعل في المشهد الجزائري. انخرط في النقاش كتّابٌ ومؤرّخون وحقوقيون و سياسون أجمعوا على إدانة موقف الكاتب الجزائري. غير أن النقاش لم يخرج عن دائرة ردود الفعل. و كما هو متوقّعٌ حين يتعلّق الأمر بموضوع يتعامل معه الجزائريون بحساسية مفرطة، اتّسمت الكثير من الردود بالانفعالية والعاطفة المفرطة؛ حتى أن بعضهم طالب بسحب الجنسية الجزائرية منه. الموقف القانوني، عبّر عنه الأكاديمي والمحامي إبراهيم بهلولي، في تصريحات إعلامية اعتبر فيها أن صنصال "ارتكب جريمتين في حق السيادة الجزائرية: زيارته إسرائيل، و إهانة الثورة التحريرية". وذهب إلى أنه بالإمكان "تصنيف الجريمة الأولى في إطار الخيانة الكبرى التي تنتهي إلى جناية حكمُها المؤبّد أو الإعدام، وعقوبة تكميلية تنتهي بسحب الجنسية من المتّهم، بينما تستوجب الثانية إصدار حكم تكميلي من شأنه تجريده من الجنسية الجزائرية". عائلة الكاتب قالت إنها تبرّأت منه منذ زيارته الكيان الصهيوني وجهة النظر تلك رفضها الروائي واسيني الأعرج الذي كتب قائلاً إن "لصنصال الحق في أن يرى ما يشاء، من ناحية التصوّرات الفكرية الخاصة به، ولا معنى للمناداة بحرمانه من الجنسية أو اتهامه، واتهام أهله بالخيانة الوطنية العظمى، لأن الثورية ليست جينات متوارثة". غير أن صاحب "شرفات بحر الشمال" اعتبر أن ما كتبه صنصال يندرج ضمن "منظومة فكرية و استراتيجية أدبية تبنّاها منذ روايته الأولى "قسم البرابرة"، وتصريحاته الكثيرة، وزيارته "إسرائيل" وموقفه من القضية الفلسطينية وحركة "ماك" الانفصالية في الجزائر، مضيفاً أن الأخير لا يكتب فكراً، بل يبيع سلعة. أمّا الردّ الرسمي، فجاء على لسان الطيّب زيتوني، وزير المجاهدين (قدامى المحاربين)، الذي وصف صنصال ب"الخائن"، مُعتبراً أن الحديث عن الثورة الجزائرية وشهدائها يزعج "بعض الأطراف". بينما قال عبد الرزاق مقري، رئيس "حركة مجتمع السلم"، أحد أبرز الأحزاب السياسية في البلاد، إن تصريحات صاحب "شارع داروين" ليست غريبةً عنه، مضيفاً أن الأخير يمثّل "رمزاً للعلمانية المتطرّفة"، وفق تعبيره. الكاتب والأكاديمي الفرنسي، المختصّ في قضايا التاريخ الاستعماري، أوليفي لو كور غراندميزون (1960)، أدلى بدلوه في النقاش، مدافعاً عن "جبهة التحرير الوطني" التي قال إنها كانت تكافح خلال الثورة باسم المبادئ والحقوق الديمقراطية الجماعية وحقّ الشعوب في تقرير مصيرها"، مذكّراً بأن فرنسا "لم تتوان طيلة استعمارها الجزائر عن اللجوء إلى إرهاب الدولة للدفاع عن نظامها الاستعماري". لو كور غراندميزون، الذي قال إنه يجهل الدوافع التي تقف وراء التشبيه الذي عقده صنصال، انتقد "أولئك المتواجدين في فرنسا، ممّن لا يزالون متمسّكين بوهم الاستعمار - الحضارة"، مشيراً إلى وجود خلط عند المقارنة بين كفاح الثورة التحريرية والاعتداءات التي يقوم بها "داعش" أو التي يتبنّاها. الكاتب والأكاديمي الفرنسي فضّل أن يُقدّم قراءة هادئة وموضوعيةً، من وجهة نظر كاتب غربي، في وقتٍ لا ترتفع فيه أصواتٌ كثيرةٌ مشابهة هناك. لم بالتذكير بجرائم الاستعمار الفرنسي ومشروعية الثورة الجزائرية، بل حذّر من المقاربات الخاطئة لمسألة الإرهاب، مشيراً إلى أن العراقيين والسوريين يشكّلون الغالبية الساحقة من ضحايا "داعش". من جهتها، هاجمت الروائية أحلام مستغانمي مواطنها، واصفةً مقارنته بالعجيبة، وخاطبته عبر صفحتها على فيسبوك قائلةً: "اكتب ما شئت يا صنصال. لكن لا تقل بعد الآن إنك كاتب جزائري. حبرك ليس من فصيلة دمنا". لم يُبد أي تعقيب كما لو أنه يراقب الوضع منتشياً وأشارت صاحبة "ذاكرة الجسد" إلى أن "صنصال الذي أشهر سعادته بحسن الضيافة وبديمقراطية "إسرائيل"، يوم زيارته الكنيست الإسرائيلي، لم يستوقفه أي ظلم في "إسرائيل"، برغم كونه حصد عدّة جوائز عالمية منها "جائزة السلام "، وكان من الانتهازية بحيث شبّه الإسلام بالنازية". وصعّدت الروائية لهجتها حين أضافت "إن كاتباً يعتبر الثورة الجزائرية على المستعمر عملاً إرهابياً، ويشبّه المجاهدين بالقتلة والمجرمين، نبَت في بيت لا مجاهد فيه ولا شهيد، ولم يردّد يوماً النشيد الوطني ولا حفظ كلماته". كلام مستغانمي أثار حفيظة عائلة صنصال، التي سارعت إلى إصدار بيان قالت فيه إنها تُشاطر الكاتبة رأيها في كل ما قالته عن شخص الكاتب، مضيفةً أنها تبرّأت منه منذ زيارته الكيان الصهيوني "لأن هذا الفعل لا يشرّف أي جزائري". غير أنها تأسّفت من عبارة "نبت في بيت لا مجاهد فيه ولا شهيد" التي استخدمتها الروائية، وردّت عليها بالقول إن "عائلة صنصال عائلة مجاهدة فيها كثير من الشهداء والمجاهدين". أمّا بوعلام صنصال نفسُه، فلم يُبد أي إضافة إلى مقاله أو تعقيب على ردود الفعل التي أثارها. يبدو كما لو أنه يراقب الوضع منتشياً من بعيد. المؤكّد أنه يرى في ذلك خدمةً مجّانية له. على الأقل، سيزعم في ظهوره المقبل على وسائل الإعلام الفرنسية، أنه يُحارَب من طرف متشدّدين يرفضون أي رأي مخالف.