- ما هو المفهوم السياسي للتحالف ؟ أصبح موضوع التحالفات الحزبية اليوم أكثر المواضيع المتداولة للنقاش السياسي بصرف النظر إذا كان يمكن اعتباره من مستتبعات الظرفية السياسية ومتعلقاتها المباشرة وأجندتها الضاغطة ، من قبيل خوض المواعيد الانتخابية أو انتخاب رئيس مجلس النواب أو ضمان التماسك الحكومي ، ورصّ الصفوف إزاء المعارضة ، أو تلافي الانزلاق بين أقارب سياسيين قد تبدأ بتصريحات أو سلوكات معزولة لأفراد وتنتهي بأزمة أو قطيعة سياسية ، أو نظرنا إليه كموضوع أكثر إستراتيجية باعتباره يحيل على قضايا تتصل بتشكيل الخارطة الحزبية بما يكسبها قابلية للقراءة والتحليل على ضوء ما هو متعارف عليه من معايير في سياق التمايزات الحزبية . فالتحالف (Alliance) هو مثال من أمثلة التعاون الجماعي وهو تعبير يطلق على تنظيم أو التزام عدد من الأفراد أو الجماعات (Spécial Relationship) باتخاذ تصرفات أوتوجهات معينة ضدّ تنظيم مختلف آخر في ظروف معينة. ويستعمل تعبير التحالف للدلالة على الالتزام التعاقدي من النوع السياسي المتبادل بين الأحزاب السياسية أو النوع العسكري المتبادل بين الدول على سبيل المثال. إنّ التحالف هو ذلك السلوك السياسي الذي يلجأ إليه طرف سياسي ، بتعاضد مع أطراف سياسية أخرى ، نتيجة اتفاق تعاوني بينهم مبني على أساس برنامجي ، والتحالف السياسي يتطلب وجود مجموعة مصالح مشتركة لقيامه . ويتكون التحالف الانتخابي من أطراف ذات أهداف سياسية مختلفة يوافقون على تجميع الموارد من أجل وقف مرشح أو حزب معيّن من الحصول على السلطة. وفي معظم الدول الديمقراطية يسمح بتشكيل التحالفات عندما يكون طرف سياسي واحد أو مجموعة ليس لديها ما يكفي من الدعم السياسي على الأقل في واحد من المجلسين أو كليهما .. ^ هذا الشكل من "الائتلاف" محدد بزمن أم تتحكم فيه ظروف معيّنة ؟ - الائتلاف مصطلح سياسي يطلق على مجموعة من عنصرين سياسيين أو أكثر (يكونان على سبيل المثال أفرادا أو أحزابا سياسية أو مجموعات مصالح أو حتى دول) يتشكل بالعمل المشترك لإنجاز هدف نافع على نحو متبادل ، وربّما لا يمكن عموماً تحقيقه بدون تكوين مثل هذه المجموعة. ويعني المصطلح بخاصة الحكومة مؤلفة من حزبين أو أكثر بهدف ضمان أغلبية عاملة في المجلس التشريعي وتقليص السياسات الحزبية في وقت الأزمة أو لسبب آخر. ويتوقع إنشاء تحالف سياسي معين حينما تتعرض أسس النفوذ السياسي ضمن تكتل ما للضعف بسبب التغيرات السياسية ، حيث لا يمتلك حزب سياسي واحد القدرة على مقاومة الخصم ممثلاً في قوى المعارضة (حالة الأحزاب السياسية). من خلال ملاحظة واقع التحالفات الحزبية السياسية التي تعج بها ساحتنا ، نلاحظ أنّ أكبر المشاكل التي تواجه تحالفات الأحزاب السياسية في الجزائر خاصة المعارضة منها ، هي افتقارها إلى لائحة تنظيمية تحكم عملها ، كما أنّها تحالفات ظرفية تفتقر في أحيان كثيرة إلى روح التوافق والتراضي وذلك لإحساس بعض الأطراف بقوة مركزه في التحالف ، وسواء كانت هذه القوة حقيقية أو متوهمة ، فإنّ هذا التوجه يضعف حالة الإجماع في الكيان المتحالف ، ويترتب على ذلك تباعد في المواقف ، ونلاحظ أنّ حالة عدم التراضي والتوافق هذه تتسع وتبرز إلى السطح كلّما اقترب التحالف من تحقيق مكاسب سياسية تدعم أهدافه العامة. كما تأنف بعض أطراف التحالف عن تقديم المساهمات والتنازلات الضرورية والموضوعية لعمل التحالف في التوقيت المناسب ، متعللة بأعذار واهية ، لا تخدم المصلحة العليا. وما شوه التحالفات السياسية في بلادنا ، استغلالها من قبل البعض مطية للحصول على مكاسب ضيقة ، حزبية كانت أو شخصية. و قد يقوم طرف بالاستقراء بتحالف معين ، لتحقيق توازن يدعم مساره الأحادي المتعارض كليا مع مسار التحالف ، ومع ما يدعو له. ^ هذا التحالفات بين الأحزاب غالبا ما نراها قبيل مواعيد الاستحقاقات الوطنية فلماذا الأحزاب عندنا تتوقف تحالفاتها بعد هذا الموعد ؟ فمثلا والحديث يقصد الأحزاب الصغيرة لا تستمر متحالفة في البرلمان لمواجهة الأغلبية ؟ لأننا عند التصويت على مشاريع القوانين نرى تلك الأحزاب الصغيرة وهي كثيرة كلّها مبعثرة وبالتالي لا تلعب ورقة التحالف لإسماع صوتها ؟. التحالفات السياسية بين الأحزاب غالبا ما تحدث قبيل الاستحقاقات الانتخابية (التشريعية أو المحلية)، كما هو الحال بين الأحزاب الإسلامية (الإتحاد من أجل العدالة والنهضة والبناء) ( اندماج حركة مجتمع السلم وجبهة التغيير)، هي تحالفات سياسية الغرض منها زيادة الفرص في الفوز بمقاعد وبالتمثيل البرلماني وتعظيم المكاسب ، وذلك عن طريق حشد قطاع عريض من الجماهير ، كما هي وسيلة لتعزيز الموارد مادية كانت أم بشرية في سبيل تحقيق الهدف العام المتحالف عليه ، أكثر من كونها تحالفات قائمة على أسس موضوعية ودراسة واقعية مستفيضة ، فالأحزاب الإسلامية تفتقر في برامجها إلى رؤية في كيفية الحكم ، وكيفية الخروج من الأزمة الاقتصادية ، ومعالجة المشاكل الاجتماعية والتي تقف البطالة في مقدمتها. كما أنّ واقع الأحزاب السياسية الصغيرة في بلادنا أنّها حديثة النشأة وتفتقر إلى مقومات المؤسسة والتعبئة نحو المشاركة السياسية القسرية أو الطوعية ، زيادة عن اعتمادها على منطق الشعبوية بدل القيام على برنامج سياسي تحاول من خلاله جلب التأييد للمشاريع التنموية . أمّا عن كون الأحزاب الصغيرة لا تستمر متحالفة في البرلمان لمواجهة الأغلبية ، فإنّه يرجع في الأساس لغياب إستراتيجية التحالف في قاموسها النضالي ، ناهيك عن الفروقات الفردية في ما بينها وتخوفها من تكبد خسائر وأعباء دون حصولها على مكاسب من خلال تحالفها مع بقية الأحزاب. ^ هذا المشهد السياسي عندنا تغلب عليه الرتابة بفعل سيطرة أحزاب كبيرة فهل يمكن أن تحدث الأحزاب الصغيرة ( وهي كثيرة ) تغيّرا في المشهد لو تحالفت ؟ ثم ما الذي يجعلها لا تتحالف مادام خطابها لا يختلف وأغلبه مستنسخ ؟ هناك عدة أسباب جعلت الساحة السياسية تعرف ركوداً منقطع النظير، ومن بينها: 1- غياب الطموح السياسي الديمقراطي والطموح للتغيير على مستوى القواعد الحزبية ، وتكريس منطق الولاء والزبونية في تصدر القوائم الانتخابية. 2 - بقاء التصلب التنظيمي والهيكلي داخل الأحزاب السياسية الجزائرية في مقابل ما يحمله التشبيب وتوسيع قاعدة الحزب الاجتماعية من مكاسب ديمقراطية. 3- غياب الثقة بين المواطن والأحزاب السياسية نتيجة لعدم الوفاء بالالتزامات والوعود أثناء الحملات الانتخابية. 4- افتقاد الأحزاب السياسية لرؤية واضحة حول التنمية بمختلف أبعادها ، حيث تفتقر إلى وضوح للرؤية حول الخروج من الأزمة الاقتصادية ، وحول مواجهة المشاكل الاجتماعية التي تعرفها الجبهة الشعبية. 5- تراجع الحماس للعمل الحزبي في أوساط المواطنين والسلوك النضالي لدى المنخرطين في الأحزاب السياسية ، وحدوث الانشقاق داخل القواعد الحزبية نتيجة التلاعب بالأصوات وشراء الذمم ، وعدم احترام رأي الأغلبية في عملية تزكية القوائم الانتخابية. الأحزاب السياسية الصغيرة في الجزائر ليس لديها القدرة على أن تحدث تغيرا في المشهد السياسي الراهن ، وهذا راجع لافتقادها لبرامج انتخابية طموحة تمكنها تحقيق نتائج ايجابية في الاستحقاقات الانتخابية ، بصرف النظر عن توحيد صفوفها وخوضها لتجربة التحالف السياسي الذي لا تفقه أبجدياته وأصوله. ^ هذا هل الارتقاء بالأداء السياسي وتغيير الصورة النمطية يحتم التحالف ؟ في اعتقادي المتواضع الارتقاء بالأداء السياسي وتغيير الصورة النمطية للحياة السياسية لا يرتبط بحتمية التحالف بقدر ما يرتبط بضرورة فهم الواقع المتأزم الذي تعيشه بلادنا اقتصاديا وسياسيا وتداعياته على الأمن والاستقرار ، وهو ما يستوجب فتح نقاش واسع حول التحول الديمقراطي من قبل الأحزاب السياسية قصد إيجاد حلول واقعية قابلة للتجسيد من أجل تدارك الأخطاء التي ترهن مستقبل الأجيال اللاحقة خصوصا في مجال المحروقات والاستثمارات الأجنبية والسياسات المالية. ^ هذا عند وصول الأحزاب الكبرى بالأغلبية إلى الحياة التشريعية أو تشكيل الحكومة غالبا ما تنفرد بالأداء لوحدها فهل تحالفها مع أحزاب أخرى " كتسليمها بعض الحقائب السيادية) يعد تحالفا أم الأمر يتعلق بإجراء تقليدي لا أكثر وتلميع صورة الحكومة أمام الرأي العام الداخلي والدولي ؟. * عقب حصول الأحزاب الكبيرة على الأغلبية في البرلمان أو تشكيل الحكومة غالبا ما تنفرد بالأداء لوحدها ، نظرا لواقعها الأوليغارشي في ظلّ طموح ديمقراطي على مستوى القواعد الحزبية ، في حين أنّ تحالفها من أحزاب أخرى أقل قوة منها وتسليمها بعض الحقائب السيادية لا يعدّ تحالفا حقيقيا بل مجرد إجراء تقليدي تهدف من خلاله أحزاب السلطة إلى تلميع صورة الحكومة أمام الرأي العام (تقاسم الحقائب الوزارية بين أحزاب الموالاة (الأفلان والأرندي وحزب تاج)، (رفض الأحزاب الإسلامية المشاركة في تشكيل الحكومة : حركة مجتمع السلم) على خلفية ما حدث للحركة من انقسام بعد خوض تجربة التحالف الرئاسي سنة 2004. ويبقى سؤال جدير بالطرح عن سر عدم تفكير الأحزاب السياسية في فتح المنافسة السياسية داخليا عبر تنظيم انتخابات أولية ، تمكنها من ترشيح المنتخبين الأكثر شعبية وتسمح للأحزاب بتوسيع قاعدتها الشعبية بانفتاحها على الجماهير. وفي الختام فإنّ التحالف حينما تكون وجهته خدمة المجتمع والدفاع عن قضاياه وإرساء قواعد عملية سياسية متفق عليها مجتمعيا ، ينبت خيرا ونفعا ويحفظ القيم الإنسانية.