من فيرجينيا ... الكاتبة الجزائرية " سهيلة بورزق " و تبقى سهيلة بورزق تلك السمراء الحالمة , السيدة الناضجة ، الجميلة ، بشعرها الأسود البارودي و عينيها الحوراوتين ، حالمة بالحب و كأنه حلم أو مسار للخلاص و تقول: ّ الحب استمرار.. .فلا أحد يستطيع الاستمرار من غير حب. ّ و تعود الى ماهية الوطن في ذاكرتها ... لا يمكن أن تشرب قهوتها دون الحديث عنه , لا يمكن أن تقضي سهرة أوبيرالية جميلة دون أن تستحضر وجعه ... و لا يمكن لكعب أقدامها أن يدق الأرض برهفٍ رهيب على رقصة " صالصا "دون أن تغمض عينيها لتستحضر طعم " الجوزية " على شاي الحاج " الفرقاني " ... و كأنها تضع الماضي القديم على هامش الذاكرة الأبقى و تصنف أوراقها و تعترف :" الجزائر هي أجمل ما يحدث في حياتي.. هي القصص الكثيرة والعميقة... إلهي كم يبدو الأمر شيقا وأنا أجر ذاكرتي إلى حي ( الفوبور ) بقسنطينة حيث ترعرعت... أصوات الجيران وبكاء الأطفال وهم يتدافعون حول لعبة يدوية ممزقة.. كنت أجري مع الأطفال.. نتعارك ثم نتصالح كحكومات الدول.. كنا ننام باكرا وفي الصباح نوقظ الحلم لنتعاطف معه.. الحلم حينها كان طريا, يحمل على الكتف, يلاعبنا ونلاعبه.. يركض خلفنا ونتسابق.. كان يصل أولا فنفرح... بقي الوطن عظيما بداخلي رغم كل شيء.. رغم كل تلك التقسيمات الصغيرة التي لوثت معنى الوطنية... ! أما عن ثنائية الحرب و الحب التي يقيم فيها كلّ كاتب على الأرض العربي، فتواجهها سهيلة بورزق بابتسامة قاتلة و تغني لها من قلب المتاعب التي اختارتها و ستظل تنتقل بين مدائن العالم الكثيرة حمايةً لمعنى التحرر بداخلها و حفاظا على بقايا الأنثى النحيلة التي تسكنها من زمنٍ ... تقول: لا أعتبر الكاتبة في حرب مع أي كان.. الكاتبة تحمل رسالة معينة لقارئ معين... هي ليست بحاجة لتبرير نصوصها ولا لتقديم تحليل مفصل عن أفكارها .. هي النص المفتوح على الحياة.. وهي الوضوح الكامل غير المشروط." و حين تكثر الأضواء و الهرجة في مدائن الدنيا و يغتّر بها الباحثون عن الضوضاء، تبقى سهلية الكاتبة الوفية في علاقة مفتوحة مع الشرق و مع مدينتها قسنطينة ، تقول ببعض زخات الدمع الأنيقة: " لازلت معلقة هنالك رغم وجودي هنا في فيرجينيا... عند كل زيارة أقرر أن أبقى وألا أعود لكنني أفشل... قسنطينة هي الجزائر كلها بالنسبة لي " ... تكره الشهرة و الزيف و تحب النخبة مهما كانت قليلة او منعدمة ... و هي من الأسماء التي تغيبّ عن الساحة الجزائرية في حين ما أنها و بكل استحقاق أليم صاحبة مكان مرموق ... تضحك " سهلية و تقول : " للأسف.. لا أجيد تلميع صورتي وكتاباتي كما يفعل البعض, ولا أجيد استغلال علاقاتي لفرقعة صوتي...أعشق الهدوء والكسل وأعيش على أمل الوصول إلى قلب قارئ ناضج وذكي. و تضع اللوم على الجميع حين يتعلق الأمر بهروب أدمغة و مفكريّ الجزائر الى المهجر وخصوصا النساء منهم... و تتحدث بغصة الذي يتحدث عن تجربة مريرة و تقول : " كل شيء له علاقة بكل شيء.. السلطة والبيروقراطية والقوانين والرشوة والمحسوبية والمجتمع والشوارع والجهل والأمية وقلة النضج.. .مواهب كثيرة ماتت في الجزائر لعدم توفر الفرص...القليلون جدا من عادوا لأجل محاولة أخيرة, لكن معظمهم فشلوا واضطروا للمغادرة مرة أخرى للأسباب نفسها.... كم هو مؤلم ذلك...! تتمسك بالأمل , هو خبزها اليومي , تتعطر به و تختتم ببعض الكلمات التي ما تزال بعد تغزو ذاكرتها ... في كلمة واحدة : ابوليوس : "الحمار الذهبي" الكتابة: " عطش المهجر" السفر : "حقيبة"