في آخر تواصل بيننا ضحكتِ ضحكة العارف بالسعة الحقيقية لهذه الحياة, عيناك الحوراوتان تقدسّان الفجر كلما بزغ و يولد فيهما بريق اليقين باستمرار عجيب, الأيام كانت بالنسبة لكِ مجرد خدعة عابرة وكأننا جميعا مسافرون في لحظة هبوط اضطرارية طويلة الأمد و من بعدها حتما راحلون ... سمعتُ منكِ الوعود المفعمة بالأمل , بالرجاء , بالمقاومة , بالحرية , بالشمس , بالجلد , بالإيمان ... أنتِ يا زنارة الصمود ... وعدتِني أن أنتظرك و الجمهور في رمضان المقبل في الجزء الثاني من برنامجك الذي عرف رواجا واسعا في موسمه الفارط '' خاطرة في القاطرة '' ... ولا يمكن لمن يسمع نبرة صوتكِ أن يغض طرف الفؤاد عن تلك القوة الرهيبة التي تطلق عنانها حنجرتُكِ والكلمات ... وعدتني بطاقم اكسسوارات نسائية فلسطينية وأعطيتكِ عنواني الباريسي كي تبعثينها لي وقلتِ ''صنع ايدي و حياتك...!''وكنتِ تتحضرين لزيارة قريبة لتونس و المغرب وكنتِ تتحضرين لمشاريع غنائية ولم تؤمني يوما أن نخر السرطان الذي قد يصل إلى الأحبال الصوتية في مراحله المتقدمة قد يقطع غدائر الأنفاس ويشق أهواء الصدر ويمنع المقامات الملقاة من ميلادها ويطفئ بشكل غير شكل الموت قلبكِ الثائر ...! يا ليل ما أطولك, ليل الرحيل ... رحلتِ يا''ريم'' عن هذا العالم البارد وتركتِ خلفك رميم ركوة شرقية على شرفة منسية في الناصرة الحزينة و منذ هذا اليوم يوجعنا الغياب ويقتلنا ألم الانتماء إلى هذه الأرض القاحلة... ريعان الجمال والمحبة والعرفان رحل في جسدك الهادئ وأنتِ منذ أن غنيتِ لفلسطين وآمنتِ بقضيتكِ الأولى وطفتِ العالم شرقا وغربا بلحن دوىّ من مرج بن عامر وأنشد كنائس بيت لحم كلها ولم يغيّر وجه صلاته صوب مجد الوطن و وجع الاغتراب والرفض والعدوان الكثير الذي ولدتِ في كنفه, في كنف عالم أعلن عليكِ الحرب منذ أزل الرحم التي حملتكِ ... للشاعرة الفلسطينية العظيمة '' زهيرة الصباغ '' سلام وهي الأم التي تحترق للفقدان كدواوينها, كجمرة عشقٍ مولعة تعلن الحواجز التي تفرق الأوطان والأكباد وترهق الأرواح والقلوب بالشتات ... سأقبّل جبين المدائن عنكِ وأنتِ الرفيقة في محظور الوطن وأماسي الغربة وستظلين منذ اليوم, منذ الأمس , منذ وُجِدْتِ الصدر البريد في متحف أشياء جميلة للذكرى تستحق أن تبعث من جديد ... سنواصل من بعدك القاطرة بخاطرة غريبة ومهولة وصامتة وسوف لن نعزيّ '' أورسالم '' و'' قمران'' و'' بيلسان''لأنهم يحملون من وجهكِ في دواخل ثناياهم ويستنسخون من روحك مسابح الاصرار ... حزينة أنا وهذه الأسطر أكتبها بدمع كثير يختلف كما كنتِ تقولين عن دمع الهزيمة ... دمع الاشتياق الباكر ... كم أمقتُ هذا الصباح الفارغ في أواخر آذار حين انسلّ الضجيج من كل شيء ... من الأقبية القتيلة ...من صور الغبار المعلّقة على حيطان الأروقة , من مدخل بيتك الذي ينتظر درج ورده ملمس أناملك السقاءة ,من ذلك المشط الذي يحمل رائحة شعرك الفحمي بعطر الغار والليلك ... كالرافينالا البرّية الشامخة ... كوني بخير حيثما أنتِ !