إن فكرة نقد التقدم الاجتماعي الحالي أدى بنا إلى نقد آلياته الأساسية المرتكزة على العلم و التكنولوجيا، و المفارقة بين هاتين المعرفتين و كيفية استغلالهما واستعمالهما كان أساس هذه الأزمة الفكرية التي يتحدث عنها رواد ما بعد الحداثة للحكم السائد، في إطار ميكنة العالم،.. هذه المفارقة قد حولت العلم و التكنولوجيا إلى دين للحكام، من كثرة استعمالها في تطويع و إخضاع الناس، وتكييف كل التطور الاقتصادي، وكل أشكال الاستغلال. كانت الأنظمة الشمولية هي أولى نتائج الميكنة والتكنولوجيا باعتبارها القوى الإنتاجية الأولى، التقدم الاجتماعي يتبع التقدم التكنولوجي، فكما قال illul إن التكنولوجيا ليست سوى طريقة لتنظيم العالم . لكن في خضم هذه النظريات الغربية، نجد أن التقنية ليست محايدة ولا بريئة سياسيا، لأنه عند اختيار كل أسلوب ، يفترض اختيار سياسة حادة التعبير و إذا ما تم اختيار التكنولوجيا ، فالواجب علينا تحمل عواقبها المدمرة في بعض الأحيان، فالتكنولوجيا و الميكنة أنشأت نوعا آخر من المدن وجردت المدينة القديمة من روحها ، كما خلقت أنواع أخرى من الأفراد، تولدت بينهم علاقات جديدة، فانفجرت الخلية العائلية التقليدية تحت تأثير التلفزيون وتمديد شبكة الأنترت وسهولة التواصل مع الغير في عالم انفرد بكثير من الأنانية ،إن التكنولوجيا أصبحت تحدد الأنظمة الاجتماعية، وتسيطر على الحياة اليومية ،وتوجه نشاطها .. إنها السلطة الاستبدادية للعصر الحديث . يقف المسرح في هذا الوضع أمام حتمية جديدة من حيث الإبداع المقنع على العديد من المستويات، لتمكنه من مواجهة الشكليات المعاصرة، للمسرح الحداثي، أو بما يسميه البعض بما بعد الحداثة، إن المعطيات الجديدة أفرزت تعاملات في نظم الإنتاج والسوق، بالنسبة للحاجة المسرحية ، حيث بدأ إنشاء العديد من المهرجانات في أرجاء المعمورة ، كافة كسوق دولية جديدة ، تتطلب عروضا لجماليات جريئة، ذات نص قليل ، كي لا تتعرض لمشاكل لغوية، و أسلوب رسمي جدا، الأمر الذي يمكن أن نعتبره دوافع للسوق من أجل إنشاء فرق مبدعة ونماذج عروض تنقل فكرة ما بعد حداثوية الفن . إن ممارسة المسرح للسوق العالمية في ظروف تتغلب عليها التجارة الشرسة ، وفي وسط اجتماعي يتسم بالاضطهاد اليومي ، تحمله إلزامية التنازل من قيمه النبيلة والإنسانية وخوضه تجارب يمكن أن تجعله في مواقف دفاعية تقليدية لا جدارة لها في عصر العولمة ، إن تعامل المسرحيين مع العولمة لا يعني الاستسلام لها بل محاولة كسر آليات التبعية نحو المشاركة الفعلية و الفعالة في الجهود الحضرية و الإنسانية . يجب على المسرح أن يخلق جيلا جديدا وحقيقيا يكتب انطلاق من توجهات أقل تبعية لأرسطو ، لكنهم يؤثرون كثيرا في المناخ وفي الأشخاص، ويقتربون دائما من الأحداث انطلاقا من مسرحة جلية ، ملتزمة ومبدعين زمن جديد في المسارح . كما إن التجارب المختلفة التي قام بها العديد من المسرحيين العرب في توظيف التراث، و التساؤلات العديدة التي انبثقت من عدم التبعية العمياء في التعامل مع المسرح الغربي ومحاولة الانفراد بمسرح عربي منفجر الفضاءات غير منحصر في العلبة السوداء، التي قلصت من النظرة الجمالية للمبدع، من إمكانها فتح الحوار لفرضية التمسك، بالهوية العربية الإسلامية، و الأمازيغية لبناء مسرح الجدال البناء بالنسبة لمبادرات ايجابية و بناءة تهدف أولا إلى تعديل الأنظمة، التي نعيش فيها، وثانيا النهوض بمسرح متأصل، في إطار تجارب جديدة، على أسس التجارب السابقة للانطلاق من أجل احتلال مواقع عالمية، و اقتراحنا للبديل ، عن طريق أعمال مسرحية، ذات جودة جمالية عالية وتستطيع نقل الأحاسيس .