المكان: زنزانة المُعُتَقَل محمود درويش : شاعر فلسطيني ريتا : مجندة اسرائيلية .. في العشرين من العُمر ( تدخل ريتا في زيّها العسكري على محمود درويش وهو قابع في الزنزانة ) . ريتا : أهو أنتَ ثانيةً ؟ ، ( متهكمة ) لماذا تبخل علينا بالزيارة ؟ ، ألم ترتدِع من المَرَّةِ السابقة ؟ درويش : ولن تردعني المرّات اللاحقة . ( تفتشه ، وتصادر منه مفتاحاً صَدِئاً ) درويش : لماذا تُصادرينَ منى مفتاح بيتي ؟ .. أما يكفيكم صادرتُم بيتي ؟ ( مازالت تُفَتِّشَه ، وتصادر منه كتاباً ) هذا المفتاحُ كلّ ما تبقى لي مِن ميراثِ أبي .. كان يحتفظ به .. كان أبي يُخفيهِ في ثيابه .. وكان قبل أن ينام يُخَبِّئَهُ تحتَ الوسادة .. كان يتحسسُ المفتاح كلّ يوم ، كما يتحسسُ أعضاءَه .. إنه كلَّ ماتبقَّى لي مِن رائحةِ أبي . ريتا : أما زال لكم بيت ؟ درويش : لقد طوقتموه .. قلَّبتموه .. نبشتموه .. فتشتموا كلّ شيء .. لماذا دفعتم والدتي ، وأفزعتم إخوتي ؟ ، ولماذا تُحققون مع الصغار؟ ريتا : لأن لديهُم الأسرار .. القاعدة تقول : خُذوا أسرارَهم مِن صِغارِهم .. قل لي من أنت ؟ .. بالطبع لست في حاجة لإجابة ، لكنها الإجراءات . درويش: أنا عربي .. ورقم هويتي خمسون ألف . ريتا : من أين ؟ درويش : من هنا ريتا: أين وُلِدت ؟ درويش : في فلسطين ريتا : في إسرائيل درويش : وهل في عام 1941 ميلادي ، كانت توجد إسرائيل ؟ ريتا : كانت تُسَمّى فلسطين درويش: ومازالت تُسَمّى فلسطين ريتا : هل لك مِن أقارب ؟ درويش : لي والدةٌ وبيت .. ولي وطنٌ خطفتهُ الذئاب .. وزيتونةٌ خالدة . ريتا : ماذا تعمل ؟ درويش : أعيشُ لاجئاً في بلادي .. أعيشُ التيه منذ طفولتي .. ريتا : ألديكَ أقوالٌ أخرى ؟ درويش : جسدي حولتموه إلى مائدة .. نهشتموه نهش الكلاب .. فماذنبي ؟ ريتا : كلُّ ذنبك أنك عربي . درويش : ماتهمتي ؟ ريتا : الإضرار بالأمن العام . درويش: أنا لم أحمل رشاشاً ، ولا قنبله .. بل أحمل القصيدة في القلب ، وعلى اللسان .. وسنبلة بين صفحات الديوان . ريتا : كما لا نسمح بالفلتان الأمني ، فمن واجبنا ألا نسمح بالفلتان الشِّعْرِي .. إننا لا ننتظر حتى تفور قارورة المياه الغازية بالرغاوي لنتحرك .. درويش : القصيدةُ عندي ملجأٌ ، ومخبأٌ ، وميدانا .. ريتا : قصائدُكَ تُحَرِّضُ المُخربين ضدنا .. شِعرُكَ يُؤَلِّبُ الإرهابيين علينا ، شِعرُكَ يقُضُ مضاجعنا .. أصبحت مصدر إزعاجٍ لنا .. تُحَرِّضَ حتى الحجر ، فيتحول إلى قذائف ضدّنا .. درويش : هل أنا مقروءٌ إلى هذه الدَّرَجة ؟ ريتا : ومفضوحٌ أيضاً . درويش : ماذا بيدي ، وجدران زنازينكم منهارة ، وإلا لما سمعتِ أصداء قصائدي تأتيكِ مِن الخارج .. ( يأتي صوت فايزة أمل القيصر غناءا ) سجل .. سجل أنا عربي .. ورقم بطاقتي خمسون ألف ، وأطفالي ثمانيةٌ ، وتاسِعَهُم سيأتي بعد صيف ... ريتا : ما هذا ؟ .. أرأيت ؟ .. قل لي ماذا نفعل معك ؟ درويش : حتى لو طوقتم عُنقي بالأغلال ، فأبداً لن أنحني ، ولن أُقَبِّلَ النِّعال ريتا : أسمِعتَ عما يفعله الإرهابيون ؟ درويش : ( صمت ) ريتا : ما الذي يدفع الإنتحاريين للقيام بالتفجيرات ؟ درويش : إنهم ليسوا إرهابيين .. إنهم يُريدون تحريرَ أنفسِهم من هذه الحياة المُظلِمَة ، إنه اليأس .. الفلسطيني يُنجِبُ أطفالاً ليعيشوا ، لا ليموتوا، لكنهم يفجرون أنفسَهم عندما تكون الحياةُ أسوأ مِنَ الموت . ريتا : وما جدوى أن تقذفونا بالحجارة ؟ .. ما كل تلك الشطارة ؟ .. يا لكم مِن حمقى . درويش: بالعكس .. أطفالُ الحجارة ، علاماتُ البِشارة .. هم مَن يهزمون الهزيمة بجسارة . ريتا : نحن ننتصر في كل مَرّة ، فمتى تقتنعون بالهزيمة ؟ درويش : لن تجعلوا مِنَ الشمس قُرصَ فلافل . ريتا : نحنُ نعرف أسماءكم مِن أعيُنِكم ، مهما ارتديتم مِن لِثام . درويش : ونحنُ خُلِقنا مِن تُرابٍ عصيِّ ، ولن يكون بيننا وئام .. هذا كلُّ ما لدَيّ . ريتا : أنتم تدفعون ثمناً أكثر من أيّ مكسبٍ مُحتَمَل . درويش : لن نعيش كلّ حياتنا داخل القفص في الضفة وغزة . ريتا : أنتم ستتعودون على القفص .. ستألفونه .. سوف تستمرئون الحياة داخله .. فأنتم لستم سوى بطونٌ جائعة ... درويش : وأنتم مجرّد أحذيةٌ لامعة ... ريتا : إخرس ( تصوّب المسدس نحوه )