صوت محمود درويش : أحن إلى صدر أمي ولمسةُ أمي .. وتكبرُ فيَّ الطفولة يوماً على صدر عمري نعيمة : وكأنك تتحدثُ عنّي صوت محمود درويش : وُجِدْنَا غريبين نعيمة : ذهبَ الذين أ ُحِبُهُم صوت محمود درويش : فإما أن أكون ، أو لا أكون نعيمة : نشترك سوياً في الشموخ صوت درويش : يجمعنا سوياً الشموخ .. فتعاليّ إلىّ .. وضعي منامَكِ في يَدَيِّ نعيمة : لقد فاجأتني على غير انتظار صوت درويش : تعاليّ إلىّ .. وضعي منامك في يديّ نعيمة : لا ..لا .. لا أستطيع ُ أن أتبعك كيف أتخلىَ عن مهد طفولتي ؟ .. وعن مكاني الأول وعن دروج بيتي الحجري .. كيف أ ُبَعثِرُ لحمي على قارتين ؟ لا .. لا .. لن أرضىَ أن تأتي قليلاً ، وتغيبَ كثيرا ... صوت درويش : ضعي منامك في يديّ نعيمة : أيُّ منام ٍ ؟ .. لا أستطيع أن أتبعك والسلام .. حادثات الليالي أكبرُ من أيّ كلام .. والواقع ُ أنّ هناك من أهدىَ ضناه ُ لأخيه ) كادوه Cadeau ) صوت درويش : مثلما الذي أهدىَ من لا يملُك ، وطناً لمن لا يستحِقُ نعيمة : هل سمِعتَ عن من أهدىَ فلذّةَ كبَدِهِ لأخيه ؟ !! .. صوتُ درويش : مثلما أهدَىَ بلفور وطناً لا يملكُهُ ، ياهووه نعيمة : محمود .. أيها الشاعر .. هل في إمكاني الحصول على توقيعك الكريم في الأتوجراف ؟ صوتُ درويش : هل لي في تقديم نفسَكِ كما الأعراف نعيمة : آه .. الإسم ُ نعيمة .. جزائرية .. في الأصل أمازيغية .. لكنى ياابن فلسطين أيضاً مثلك .. عربية .. أنا مولودة من زيتونٍ ، وتين .. ياابن الشام .. هل تقبل التحدى من امرأة ٍ تحملُ ذاتَ الهموم .. نفس الهوية ؟ فأنا وأنت .. لسنا سوىَ لُعبَةَ نرد .. مثلنا ، مثل أي فرد لعبةُ النرد ، ليس بها حسابات .. ولا عملياتُ جرد .. أنت وزهرك .. سوف تحيا بالطول ، والعرض .. إما أن يرفعك زهرُكَ للسماء .. وإما أن يخسِفَكَ لسابع أرض . صوتُ درويش : انا لاعبُ النرد .. أربحُ حيناً ، وأخسرُ حينا أنا مثلُكُم ، أو أقلُّ قليلاً وُلدتُ الى جانب البئر .. والشجرات الثلاث الوحيدات كالراهبات ولدت بلا زفة وبلا قابلة .. وسمبت باسمي مصادفة وانتميت إلى عائلة مصادفة ً .. وورثتُ ملامحها والصفات . نعيمة : هاهاهااااااااااااا .. هاأنذا أوحيتُ إليكَ بقصيدة .. تُرَىَ هل هيَّ لُعبَةُ النَّردِ ، أم هيَّ مصائرُ الأقدار ؟ .. صوتُ درويش : تُغَطي حبةُ الزيتونِ جلدي نعيمة : وأنا أيضاً كذلك .. وُلِدتُ تُظللني شجرة ليمون ، وظلال البرتقال ، ورائحةُ أشجار الكباد ، أي اللارنج .. وُلِدتُ في رمضان .. والمطر والثلج يُغطي المكان .. فشكراً لكلِ شجرةِ زيتونٍ ظللتني .. أطعمتني .. شُكراً لكلِ سحابَةٍ بللتني .. صوتُ درويش : إذن ضعي منامك في يدي .. فزهرُكِ مثل زهري نعيمة : لكن دربك غير دربي .. محمود .. يامن تقضى أيامك في لفافات التبغ ، وفنجان القهوة ، وتقضى لياليك مابين أمسية شعرية ، وندوة .. ثم سهرة .. لا يُمكنني أن أتبعَك .. لا .. لا .. لن أقدر .. لا .. لا لن أسافر خلفك .. لا .. لا .. فأنا أخاف على قلبي منك .. لا .. لا تُحاول .. فلن أسمعك صوتُ درويش : ريتا .. الجرح مفتوح .. نعيمة : نعيمة ، ولستُ ريتا .. مازالت ريتا كظلك تتبعك .. أنت لا تُفَرِّقُ بين خطوطِ يديكَ ، وبين خطوطِ يديها .. أنتَ لا تُفَرِّقُ بين كوفيةِ الحريرِ على كتفيك ، وبين شالِ الحريرِ على كتفيها .. أشعُرُ أنكَ تخونُ الحقيقة بين الحنينِ إلىَّ ، وبين الحنينِ إليها .. صوت درويش : مهلاً دقيقة .. الجرح مفتوح .. رجاءاً لا تحُكِّي جروحي .. فجروحي سحيقة .. نعيمة : ولكنك صوتُ شعبٍ ، أُخرِسَ صوتَه .. صوتُ درويش : فماذا تسمينَ هذا التشتُت ؟ .. هذا التَّمَزُّق ؟ .. هذا العذابُ الطويلُ الطويلا ؟ .. كيف نختارُ أيامَنا بيدَينا ؟ نعيمة : لست وحدك .. أنا أبكى على زمن ٍ ضائع ٍ لن يعود ، وأنت تبكي على وطن ٍ ضائع ٍ قد يعود أنا هنا .. وأنت من هناك .. نحنُ غريبان يلتقيان على شارعٍ لا يؤدي إلى هدف . صوتُ درويش : أنا العاشقُ السيئ الحظ .. لا أستطيعُ الذهابَ إليكِ .. لا أستطيعُ الرجوعَ إلىَّ .. تمرَّدَ قلبي عليّ .. نعيمة : بل أنا العاشقةُ السيئةُ الحظ .. معكَ يذوبُ الوقتُ كقطعةِ سُكَّر في فنجان قهوة .. ويكونُ الوقتُ ألذّ .. صوتُ درويش : على هذه الأرض مايستحقُ الحياة .. رغم أني عشتُ للقصيدة .. لا أبناء .. ولا زوجة بقت معي .. ولا صديقة .. نعيمة : هيَّ القصيدة .. الحبل الحميميّ بينك وبيننا صوت درويش : مضت الغيوم ُ وشرّدتني ، ورمت معاطفَها الجبالُ ، وخبأتني .. وكنتُ وحدي نعيمة : لا .. لست وحدك كان اكتشاف ُ الذات ِ ، والسؤال ُ عن الحقيقة ( للجمهور ) سبعة ُ شهور لم تلد أمه إلا دقيقة .. وانسحبت عشراً .. وأنا كذلك .. يُريدُ هويّة ً ، فأ ُصيبَ بالبركان .. وأنا كذلك .. صوت درويش : وجدتُ نفسي قُربَ نفسي نعيمة : وجدتُ نفسي وحدي مع نفسي .. باعوني للأبد .. متى يتخلى عني نحسي .. لم يعُد لي بين إخوتي مقعدا ليس لي بين أشقائي مرقَدا .. صوتُ درويش : إقتربي مني .. تقبّلي حياتي قليلا .. نعيمة : أخافُ على قلبي منك .. فأنت ككلِّ الشُعراء ، إنتهازي عاطفي . صوتُ درويش : هل يُرضيكِ أن أتسكعَ على طُرُقاتِ الحُزنِ وَحدي ؟ .. نعيمة : إني لمُضرَجةٌ بدموعي .. دموعي نزيفُ ألم .. سقطت دموعي في يديكَ ياالله .. فارحم ضعفى .. ارحم خنوعي صوتُ درويش : أوَ تدري لم يعُد من الموت أحد .. لا يعودُ من يمووت .. نعيمة : آه ٍ يامحمود .. ليت المكبوتُ داخلي يموت .. أنا أدري لن يعُد من القبر أحد للبيوت . صوت درويش : كيف يمكن تصوُّرُ المنفَىَ ؟ نعيمة : أنت منفيُّ عن وطنِك .. وأنا منفيّةٌ عن أبي .. والدي .. تطلبُ مني أراجعَ نفسي .. أ ُحاوِرَ نفسي !! .. عن ماذا ؟ .. عن الغائبَ مني ؟ .. عن الغائبَ عني ؟ أنت خرجتَ إلى طُرقاتِ المنفىَ ، وعُمرُكَ ستُ سنين ، وأنا عشتُ المنفىَ ، وعُمري سبعُ شهور . أنت أدمنتَ الزعتر والمرمرية.. وسأظلُ أنا رفيقةَ الحَبَقْ والعِطريّة .. فعلى مَن يقع اللوم يامحمود ؟ .. محمود ياابن درويش .. بعيداً عن الوطنية .. حكايتي ذات ملامح شخصية .. أبي مات !! الوالدُ مات !!! .. فهل تُحيي الموتىَ الكلمات ؟ .. الرجُلُ الصالحُ مات .. صالح مات .. مات ولن يعود .. هل يعود أحدٌ بعد الممات ؟ ..