حضرت بدعوة بإلحاح من المنتج ومستاءة من عدم دعوتي لحضور المهرجان الجزائر قلب الأمة وكل فيلم عن الشهداء يزيدوني فخرا واعتزازا أكدت الفنانة الكبيرة شافية بوذراع، أن اغتيال شهيد المسرح عبد القادر علولة، ترك فراغا كبيرا في وهران، مضيفة في حوار حصري أمس ل*الجمهورية*، أنها لا تزال إلى اليوم تحتفظ بالنظارات التي اشتراها لها علولة، موضحة في سياق آخر أن سر نجاح أي فيلم، وراءه رجال خفاء يعملون ليل نهار لتقديم أجمل الأعمال السينمائية، معبرة عن استيائها لعدم توجيه لها الدعوة لحضور فعاليات مهرجان وهران للفيلم العربي وأمور أخرى اكتشفوها في هذا الحوار: الجمهورية : ما هي انطباعاتك وأنت تشاركين في الطبعة ال11 لمهرجان وهران الدولي للفيلم العربي؟ شافية بوذراع : من الأفضل أن لا أتحدث.. ما هو السبب : ؟ *راني معاديتها وهران*، هل تعلم لماذا ؟ أنا لا أقصد سكان وهران، لما أزورها أتألم، منذ استشهاد عبد القادر علولة، صرت أجد فيها فراغا كبيرا، كان هو من يستقبلني، ولما أدخل إلى الفندق يقول لهم، هذه السيدة ليست مثل الآخرين، هذه أمنا وإنسانة طيبة ومحترمة، أتذكر جيدا لما لاحظ نظاراتي التي لم تكن ذات نوعية جيدة، أخذني عند صانع النظارات، وغيرها لي وهي نفس النظارات التي لا أزال أحافظ عليها إلى اليوم كذكرى، للأسف لما نظموا هذا المهرجان لم توجه لي الدعوة، وكما يقول المثل *لي جاي بلا عرضة يقعد بلا فراش*.. أنا لا أفرض نفسي عليهم، لعلمكم أنا أحب كثيرا الشعب الوهراني واحترمه وهو جزء مني، بل وحتى الجزائريين أحبهم واعتبرهم أبنائي الذين لم تلدهم بطني.. انتظرت لأيام ولم أتلق أي دعوة لحضور مهرجان وهران للفيلم العربي... ... معذرة على المقاطعة ولكن من وجه لك الدعوة لحضور هذه التظاهرة ؟ شكرا على هذا السؤال.. قدمت إلى وهران من أجل فيلم *العرفان* الذي سيعرض اليوم، ومثلت فيه شخصيا، ومثلما يقول المثل الفرنسي *حقيقة حياتي هو جمهوري*، والأكسجين الذي استنشقه هو الفن، ولما افتقد الفن يكون جمهوري دائما حاضر.. ولكن من هي الجهة التي وجهت لك الدعوة ؟ المنتج هو من اتصل بي، وليست محافظة مهرجان وهران، من طبيعتي أن لا آتي بدون دعوة رسمية، ومثلما يقول المثل الشعبي *لي عرضك وعناك اعطيلو لحمة من عضاك ولو يكون قاتل باباك*.. هل فيلم *عرفان* هو آخر أعمالك الفنية أم لديك مشاريع مستقبلية جديدة ؟ ليس آخر أعمالي، ولكن ما قبل الأخيرة، هذا الفيلم جرح كل أبناء الشهداء، حكاية هذا العمل السينمائي، تتلخص فيما يلي : أنا وأختي مجاهدتين، استشهدت شقيقتي وأنا بقيت حية وتألمت كثيرا لعدم الحديث عنها والتطرق إلى مسارها النضالي في مختلف وسائل الإعلام، لكن الذين كانوا مع أختي يتذكرونها ويعددون خصالها ومسارها الكفاحي، وكلما أشتاق إليها استخرج الوسام الذي سلم لها حتى لا يتسخ، وما يزيد من جرحي وألمي، لما أشاهد في التلفزيون يتحدثون عن الشهداء ولا يتطرقون إلى أختي الشهيدة.. وهذا نفس الأمر الذي صادفته مع زوجي الشهيد صالح بوذراع، الذي درس عند الشيخ عبد الحميد بن باديس وفي جامع الزيتونة، وصعد إلى الجبل مع اندلاع الثورة التحريرية ليستشهد في 1961.. هل تقصدين أنه حتى زوجك الشهيد لا يتم التطرق إليه، في مختلف وسائل الإعلام كلما تحل مناسبة من المناسبات الوطنية ؟ في أحد الأيام قال لي أبنائي، أنت مخطئة والدنا ليس شهيدا، ولو كان كذلك لتحدث عنه الجميع مثله مثل باقي شهداء الوطن، وبالتالي لهذا السبب قررت التمثيل في هذا الفيلم. يعني أنك مثلت من أجل رد الاعتبار لزوجك الشهيد ؟ ليس من أجل زوجي ولكن بسبب سؤال أبنائي، قلت لهم من المستحيل التحدث عن جميع المجاهدين والشهداء، ولما قرأت سيناريو هذا العمل السينمائي قررت التمثيل فيه دون تردد... اشتغلت فيه بإخلاص وألم وبصوت أبنائي، حيث كنت أمثل وأستمع إلى صوت الشهداء وأبنائهم الذين يتحدثون عن أبائهم مثل أولادي، ومثلت فيه بدموع حقيقية وليس مصطنعة مثلما اعتدنا عليه في تصوير الأفلام السينمائية.. وماذا عن آخر أعمالك السينمائية التي تعكفين حاليا على تحضيرها ؟ حاليا ما زال، كان من المقرر أن أمثل في مسلسل *الخاوة*، وقعت على العقد وتم خياطة ملابسي وكل ما أحتاجه في التصوير، وقتها تلقيت دعوة من سلطنة عمان، لتكريمي في هذا البلد العربي الشقيق، غير أنني تعرضت لحادث عارض بالفندق التي كنت أقيم فيه، ما أدى إلى كسر في ساقي، وتم نقلي على جناح السرعة إلى المستشفى، وخضعت إلى عملية جراحية ناجحة، تكفلت بمصاريفها إدارة المهرجان، وأنتهز الفرصة لأشكر كثيرا السلطان قابوس بن سعيد الذي سأل عني، دون أن أنسى وزير الثقافة، الذي لم يدخر جهدا للتكفل بي، وقد اشتروا لي كرسي متحرك... بصريح العبارة لن أنسى ما حييت وقفتهم معي.. إذا لهذا السبب لم تمثلي في فيلم *الخاوة* ؟ اتصلت بطاقم تصوير طاقم *الخاوة* وقلت لهم، اختاروا ممثلة أخرى لأنني مصابة، فردوا عليّ، *لا يهم يمكنك التمثيل في الفيلم ولو على الكرسي المتحرك*، وتم اقتراح نادية طالبي على طاقم التصوير، لكنني رفضت تنحية هذه الفنانة وتعويضها بي، هذا الأمر يدخل في إطار تربيتي وأخلاقي.. كيف تقيمين السينما الجزائرية وهل وصلت إلى مستواها المطلوب ؟ الأفلام الجزائرية جيدة، يقول المثل الشعبي والذي كثيرا ما تذكره النساء المسنات في بلادنا، *يلزملو كيسة معمرة ومرا مشمرة*... ... ماذا تقصدين من وراء هذا المثل الشعبي ؟ الكيسة المعمرة معناها المال الوفير والمرا المشمرة، الناس الشاطرين الذين يحبون الفن. في الجزائر يوجد أهل الفن ولكن اليد الواحدة لا تقدر أن تصفق.. بمعنى آخر الفيلم الناجح لا يصنعه الممثل بمفرده، أو السيناريست، أو المخرج، ولكن يوجد جنود الخفاء، والذين أسميهم ب*رجال الظل*، دون أن أنسى عامل الوقت و*الديكور*، فيجب أن تجتمع كل هذه العوامل حتى نؤسس ونقيم سينما حقيقية، على غرار مهندس الصوت، ومؤطر الصورة، حامل الكابل، المساعد الأول والثاني...إلخ.. معذرة على المقاطعة، ماذا عن الدعم المادي، هل هو ضروري أم يمكننا إنجاز الأفلام دون الاعتماد على الأموال ؟ من المستحيل، يجب أن يكون المنتج ملياردير حتى يمكنه إنجاز فيلم سينمائي في المستوى، لذلك دعم الدولة ضروري في هذه الحالة، لأنه يجب دفع المستحقات المادية لأصحابها، وأعباء الأمر بالمهمات، والإقامة والنقل والأكل والشراب..إلخ، ففي السينما العمل الجيد مرهون بالدعم الموجود. ماذا تعني لك الجزائر ؟ هي بطن الأمة الجزائرية، ومن المستحيل أن تضيع الأم أبناءها الذين أنجبهم بطنها، الجزائر هي بلد الرجال، وشعبها عصبي وناس الرجولة، والجميع يحب الجزائر، لما تحدث كارثة الطبيعية، الجميع يهب لنجدة أخيه المتضرر، وهذه هي روح بلد الشهداء، فالجزائر تعني الحب والعشق والاحترام والمودة والإنسانية.. الاستعمار الفرنسي ؟ ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، الشيخ عبد الحميد بن باديس يقول : *خذ للحياة سلاحها ... وخض الخطوب ولا تهب*، وتقول الأبيات الشعرية في نشيد قسما :* يا فرنسا قد مضى وقت العتاب ... وطويناه كما يطوى الكتب* شهداء الجزائر ؟ فازوا لأنهم كافحوا، وقد رفعوا السلاح وهم حفاة عراة، ولم يكونوا ينزعون الأحذية حتى تتمزق جواربهم، الكثير منهم أصيبوا بالقمل، ولما استشهدوا فإنهم لم يموتوا ولكنهم عند ربهم أحياء يرزقون، وكل فيلم عن الشهداء يزيدوني فخرا واعتزازا بأبناء بلدي، والرواية التي لم أقدر على نسيانها هي *الشهداء يعودون هذا الأسبوع*. ماذا تعني لك السينما الجزائرية ؟ لما مثلت *عيني*، لم نتعود على الاستماع للراوي، ولكن في فيلم *الحريق* كان هناك الراوي، وكان يحكي حتى يفهم المشاهد المعنى، ومثلت في فيلم آخر *إمرأة لابني*، وكنت إنسانة قبيحة وقاسية، ولما يلعب الممثل كشخص مؤذي، القصد من هذا العمل السينمائي، هو أن كل إنسان مؤذي فإنه سيشاهد نفسه في صورتي أنا التي تقصمت في الفيلم دور إنسانة مؤذية، ولما الممثل يلعب دور السارق، فليس معناه أنه سارق، ولكن لينبه الأشخاص السارقين، السينما هي مرآة المجتمع، ومن خلالها نظهر إيجابياته وسلبياته. السينما توقظ الضمائر والسينما سياسة، إنسانية، فيه ممثل لعب دور شرير، فجاءه أحد المشاهدين وقال له تصدقني لما شاهدتك وأنت تلعب هذا دور كرهتك، فقال له الفنان :*شكرا على هذه التهنئة، التي معناها أني مثلت جيدا في الفيلم*.. الجزائر العاصمة ؟ قبة، بلاد، البيضاء، ولكن ترعرعت في قسنطينة عاصمة العلم والثقافة، ولم انتقل إلى العاصمة إلا بعد الاستقلال في 1965، أنا مسقط رأسي عاصمة الجسور المعلقة، ودرست في مدرسة *أمبير*، وجمعية التربية والتعليم الإسلامية، وانخرطت في الكشافة. عيد الأضحى على الأبواب، كيف تقضي العيد وهل ما زلت تحضرين الطعام لأبنائك ؟ عندي برنامج يلزم في كل يوم الجمعة يأتي عندي أبنائي وأنا أحضر لهم الغذاء، وأحب كثير طهي الطعام، وأحب *قعدة في الصدر وقهوة بالزهر وشميمة بالعطر والزلايج قد الظفر* مدينة وهران ؟ ناس وهران معروفين بمفردة *واه*، وكل واحد يقول لي *واه* أقول له مباشرة *ران*... تبتسم قليلا ثم تواصل هذا فقط من باب الهزل، شافية بوذراع تحب الوطن، وتحب كل إنسان عنده الإنسانية.. ما هي أجمل وأسوأ ذكرى بالنسبة إليك ؟ سأرد عليك بمثل باللغة الفرنسية :* ذكرياتي تقتلني، ولكن أندامي تشنقني غير أنني لا أريد أن أشنق*، أخاف لما أغضب يصدر مني كلام منحط، لهذا ألتزم الصمت دائما، وبالمناسبة أوجه نداء لسكان وهران لمشاهدة الفيلم اليوم في قاعة السينما، لأنه سيصبر كثيرا أبناء الشهداء وأراملهم وأبناءهم، وسيذكركم ويوجعكم، وفيه الآلاف من الشهداء الذين لم يتم التحدث عنهم. ولهذا السبب جئت إلى هذا المهرجان لتسليط الضوء على قضية التطرق إلى جميع شهداء الوطن.