هل تتحول احتجاجات *السترات الصفراء* في فرنسا إلى ثورة شعبية؟ لقد أوردت شبكة آرتي الروسية على موقعها الإلكتروني هذا السؤال لاستطلاع رأي متابعيها , وكانت إجابات أكثر من 56% من المصوتين ؛ بنعم ؟ وهو ما يعكس توجهات الرأي العام حيال التطورات التي عرفتها هذه الأحداث ولاسيما يوم السبت الماضي بباريس العاصمة, واضطرت الرئيس الفرنسي إلى الدعوة إلى اجتماع طارئ للحكومة فور عودته من اجتماع مجموعة العشرين في الأرجنتين , ولم يستبعد وزير الداخلية الفرنسي إمكانية فرض حالة الطوارىء في البلاد !للتعامل مع ظاهرة *القمصان الصف*, التي تحيل الذاكرة الجماعية للرأي العام على *الثورات الملونة* التي يعرفها العالم منذ بداية القرن الحادي والعشرين . وكما لا يخفى فإن القاسم المشترك بين هذا النوع من الثورات هو إسقاط الأنظمة و رحيل الحكام , و هو ما كشفت عنه بعض شعارات مطالب المحتجين في فرنسا ثم في بلجيكا التي يبدو أن عشرات الآلاف من المتظاهرين أرادوا سحب المبادرة من *القمصان الصفر* فنزلوا في شوارع بروكسل دفاعا عن المناخ... وأيا كانت عناوين المظاهرات وأهدافها فإنها بدأت تثير المخاوف لدى النخب الأوروبية من خطر تفكك الاتحاد الأوروبي الذي اكتشف حكامه أنه يفتقر إلى استراتيجية أمنية موحدة تحول دون وقوع اختراقات تتيح لخصومه تنفيذ مخططاتهم لإضعافه كلما أرادوا ومتى شاءوا. ومن غريب الصدف أن تندلع هذه الاحتجاجات الدامية عقب اقتراح بعض زعماء الاتحاد الأوروبي إنشاء قوة أمنية أوروبية مستقلة عن حلف الناتو و تنطلق من فرنسا بالذات. غير أن الاحتجاجات الشعبية ليست العامل الوحيد الذي يهدد وحدة الإتحاد الأوروبي, إذ هناك عوامل أخرى سبقتها , كرغبة بعض الأعضاء في الانفصال عنه , كما فعلت بريطانيا وكما حاولت اليونان قبلها, فضلا عن كل الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا التي ترفع شعار تغليب النزعة القومية على ما سواها , ثم المشاكل المالية التي تعاني منها العديد من الدول , و كذا الفرق في المستوى المعيشي بين دول أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية , وارتفاع نسب البطالة, دون إغفال عوامل جحافل اللاجئين وموجات الهجرة غير الشرعية وما تثيره من مشاعر الكراهية والعداء للأجانب. إن كل هذه العوامل من شأنها أن تشكل خلطة خطيرة ليس فقط على الوحدة الأوروبية , و لكن قد تشعل فتيل *ربيع أوروبي * , لا يختلف عن الربيع العربي إلا بنقطة واحدة , و هي افتقاره إلى منظر كبرنارد لويس أو برنار ليفي ,لرسم مخططات تقسيم أوروبا على أسس طائفية أو عرقية , أو دينية كما فعل هذان اليهوديان بخارطة الوطن العربي . خارطة استهوت العالم الغربي إلى درجة أن انشغال أوروبا بوضعها اليوم, لا يضاهيه إلا انشغالها بتقسيم الوطن العربي .و كما كان للثورات العربية انعكاساتها الخطيرة على أوروبا , لا شك أن انعكاسات ثورات الربيع الأوروبي ستكون أخطر على كل العالم .