- أين أنت الآن ؟. - هل أنت في الجزائر؟ .. - أنت في فنزويلا..؟ لا بأس.. إنهم هناك يشبهوننا كثيرا. الغريب أن هناك أشياء عادة ما تقرب الناس في كل مكان من الأرض وتجعلهم يتشابهون. - أنت في العاصمة أم في عاصمتها.. في أي شيء تتشابهان ؟ - نعم .. على الرغم من البترول فإن الناس هنا يحبون الشعر. يقفون بالساعات أمام القاعات الكبيرة المخصصة للأمسيات لكي يشتروا تذكرة حضور. يستمعون بشغف للأشعار ، ومشاهدة سحنات الضيوف الشعراء القادمين من بلدان العالم، وربما الالتقاء بهم للحظات وتخليدها بتوقيع و بصورة أو اثنتين. -كيف حال الجزائر ؟ يسأل الشاعر الكبير والمناضل (بريتن بريتنباخ) المرشح لجائزة نوبل من جنوب إفريقيا وهوبيده المتغضنة يسرح شعره الأبيض إلى الخلف. - نحن بخير ..وما حال جهنسبرغ يا ترى؟ تردين دون لؤم ! يجتمع الشعراء من كل حدب وصوب ..لا أحد منهم راض. هكذا عادة هم الشعراء. يتطلعون دائما إلى أفق أبهى. يحلمون دوما بفجر جديد يعِد بالمساواة والعدل بين البشر . لكن!! تتحرك الحافلة العامرة بالشعراء. في برنامج اليوم زيارة المتحف الشهير، إنه البيت حيث ولد الزعيم المُحرر الشهير سيمون بوليفار ( 1783-1830) . حقا لم أر شخصية يُجمع الناس على محبتها كما يفعل الأمريكولاتينيون حيال هذا الرجل سيمون بوليفار. إن له مكانة خاصة وعظيمة في مخيال الناس هنا في أمريكا اللاتينية وفي قلوبهم . كيف لا وهو الفارس البطل المشارك في تحرير فينيزويلا وبوليفيا والبيرو وكولومبيا والإكوادور ..؟! إنه مثَل ومِثال ورمز تاريخي، ظل تمجيد ذكراه يجمع بين قلوبهم ويصالح بينهم على الرغم من اختلافهم . المتحف/البيت يبدو بسيطا في بنائه. حقا فالبساطة عادة ما تخلق المعجزات. بيت أرضي بغرف متجاورة تتوسطها ساحة كبيرة.تشبه البيوت الأندلسية العتيقة في ندرومة وتلمسان. نقوم بزيارة الغرف واحدة واحدة. وصوت الدليل المحنك ،المحب هو الآخر لشخصية الزعيم سيمون بوليفار، ينقلنا إلى عالم مواز نكتشف فيه هذا الرجل البطل عبر الأشياء المحافظ عليها في هذا البيت، الذي لا يشبه المتاحف الأخرى. إنه من نوع خاص. ولد بوليفار هنا بالضبط !. ( يقرفص دليلنا ويضع يده على مكان معين على أرضية الغرفة . يعم صمت وكأننا نسمع صراخ الطفل الوليد. - أيها السيدات والسادة هذا المتحف بيت الزعيم سيمون بوليفار، يتم ترميمه والمحافظة عليه بشكل مستمر.! تؤكد السيدة المرافقة للوفد (آنخيل) وهي تساعد الدليل أحيانا . جدران على شكل لوحات تصور حياة ذلك الزمن. رحلة في تفاصيل حياة زعيم شعوب هذه البقعة من الأرض . جدران لغرف كثيرة مصطفة أبوابها ومختلفة . تمتلئ بلوحات تنقل صورا عن شجاعة الرجل وحكمته واستماتته من أجل خير البلاد .غرف تحتوي على لوحات وبرتريهات له، و بعض من ألبسته و الأشياء التي كان يستعملها خلال حياته المضطربة المليئة بالنضال والحراك. كم ستدوم سلطة الماضي على الحاضر وقدرته على الردع أو الصلح يا ترى، في زمن ما عادت مشاكله العويصة السياسية منها والاجتماعية والثقافية تحصى ؟ كم من سيمون بوليفار يلزم العالم لكي يؤجل انتفاضاته وحروبه وشعوره بالغبن والظلم.؟ حان الوقت عليّ التسلل وحيدة دون المرافقة والمعلق السياحي. بعيدا عن شارع (ألتاميرا) الباذخ نحو أقاليم (ألباريوس) جغرافية الفقر والخوف. لم أتعب. لا بد من المشي حتى الوصول إلى الأزقة الخلفية المنزوية بعيدا عن الأبهة الظاهرية. على جانب الطريق غير المعبد من الحي القصديري الضخم تقف سيدة بملامح قاسية إلى جانب رجل مسن، تعرض قيتارة للبيع . توقفت عندهما ثم أشرت بيدي: - Buenos días ..cuanto cuesta por favor? وإذ انتبها لوجودي، فجأة غطت علامات السعادة على علامات الفقر الظاهر على ملامحهما. كأن نافذة فتحت أمامهما بعد طول إغلاق وهما يريا أمامهما جزائرية تحمل جينات ثورة عظيمة . holà comó va Argelia . Comó va el presidente Benbella-? سألني الرجل المسن بحرارة . لم أخْذِلْه، ولم أخبره أن الزمن فعل أفعاله في الكثير من الناس منذ ذلك الوقت. طال الحديث بين الثلاثة في المقهى القريب . وأخيرا José Raphaël المغني القديم وابنته Andrea التي تبيع قيتارته لتشتري شيئا من الطعام وقنينتَي بيرة ،عثرا على سيدة من قارة أخرى. يستطيعان الآن أن يفضيا لها بهمومهما دون خوف من رقيب . لم يقتصدا في ذم السلطان وأهله وذويه وزبانيته، كل باسمه ولقبه وصفاته الدنيئة. كانا غاضبين يتنافسان في البحث عن أكثر الصيغ قتامة في اللغة الإسبانية. عن أبشع النعوت لوصف وذم الواقع السياسي والاجتماعي. يتباريان في نشر الممزق المهترئ الذي تخفيه الأنظمة عادة عن العالم تحت أغطية متعددة. لم أقاطعهما. كان حديثهما لا يصف حالة بلدهما، بل يتعداها إلى أمكنة أخرى. أندريا وخوسي غاضبان من وضع شعبهما المزري، ويعلمان أن بلدهما يتصدر قائمة البلدان ذات الاحتياط البترولي العالي، وكنت أعلم أن بلادي تحتل الرتبة الخامسة عشرة . - الغضب يتعاظم يا سيدتي.. الشعب سيستيقظ وسينفجر الوضع! قال المغني القديم الشيخ خوسي قبل أن نفترق من حول مائدة الشاي. كم ..كنت حكيما يا سينيور خوسي رافاييل ..صدقت فقد طال الصبر غضبت شعوبنا وانفجر الوضع .