لعلّ العرض المسرحي «من قتل أبي» للمخرج الشاب «ستانيسلاس نوردوي» وإنتاج المسرح الوطني لستراسبورغ يكون واحدا من أنجح العروض في هذه الفترة بباريس وان مان شو من تأليف إدوارد لويس وعلى غرار كتابات «مرغريت دوراس» أو «سيمون دي بوفوار» أو «آني إيرنو» أو «ديديي إيربون» تتكشف كتابات «إدوارد لويس» عن وجودها وتسير في التيار ذاته. هذا العرض مأخوذ من رواية بالعنوان نفسه للكاتب نُشرت في العام الماضي (ماي 2018) عن دار لوسوي الفرنسية حيث استجاب لرغبة المخرج نوردوي في تقديمها على المسرح تمثيلا إلى جانب الإخراج. العرض أيضا نال اهتماما واسعا من قبل الإعلام الفرنسي الذي اهتم أيضا بالسينوغرافيا التي أنجزها إيمانويل كلوليس والموسيقى التي أعدها أوليفيي ميلانو. والواقع أنّ العمل على مستوى النص موجها للمسرح أو في نصه الأصلي كرواية يجعلك ترغب في اكتشاف الأعمال الكاملة لإدوارد لويس فهو عمل على قدر جيد من الجمالية الفنية استطاع أن يجملها لنا ستانيسلاس نوردي وهذا ما يوضح المتعة التي يجدها الكثير منا كقراء للأدب ومحبين للمسرح عندما نرى أعمالا روائية جيدة بهذا المستوى يتم تحويلها إلى المسرح. استطاع النص المسرحي أن يتخلص من بعض الاستفاضات وال«زوائد السردية» التي إن كانت مفهومة وربما «مقبولة» عند البعض في عمل روائي يمكن أن يصبح وجودها في عمل على الخشبة داعيا للملل. يصوّر العرض شابا يعود إلى بيت والده بعدما غادره بسبب ميولات جنسية لم تكن مقبولة عند عائلته ليصبح بعدها كاتبا في باريس، سافر الابن وفي اعتقاده أنّ حرية كبيرة تنتظره في العاصمة لا يمكن أن ينالها وهو بالقرب من أسرته وخلف وراءه ذاكرة ليس أكثرها ورديا. وعندما يعود بعد حفنة من السنوات يكتشف في ذلك البيت وعلى كرسي هناك جسما تالفا لشخص من طبقة العمال من هذه المنطقة المحرومة التي هي مدينته الأصلية التي ولد فيها وعرف فيها أولى خطواته،لم يكن هذا الجسم التالف لأحد عدا «أبيه»، فهو في سن الخمسين يحتاج إلى جهاز للتنفس. لقد نالت حياة العمل والفقر منه، ولمدة ساعتين تقريبا نسترجع العلاقة العميقة لهذا الابن بوالده. في هذا العرض نجد السياسة تجاور الحميمة، فهذا الابن يخبرنا بذكريات طفولته: الفقر، العنف المتكرر، إدمان الكحول، النساء، والعنصرية مع ذوي البشرة المختلفة والمثليين جنسياً وغيرهم. ومن جهة أخرى لا ينسى العرضُ أن يحكي الوجه الخفي لهذا الأب. هذا الرجل الذي أحبّ الأوبرا ودمعت عيناه مرة بسبب إحدى عروضها. والذي عاش حياة محطمة فهو لم يكن يملك المال ولم يدرس ولم يسافر، بجملة واحدة: لم يفعل ولا شيئا واحدا من الأشياء التي كان يحلم بها. هذا ما يجعل الشاب يقول له:«أنت تنتمي إلى تلك الفئة من البشر الذين تحتفظ السياسة بموتهم المبكر» ولذلك يجد أن صديقه كان على حق عندما قال له ذات مرة: «لم يكن والدك يريد أن يحكي ماضيه لأن هذا الماضي يذكّره أنه كان يمكن أن يصبح شخصًا آخر ولم يصبح كذلك». العرض لم يكن مأساويا بقدر ما كان موضوعه حزينا، العنوان «من قتل أبي» مرافعة ضد التهميش والسياسة الاقتصادية السيئة، الرأسمالية الشرسة التي تجعل قدرة الإنسان على العيش الكريم تتآكل شيئا فشيئا، إنه عرض، وقبلها إنه نص مسرحي (وروائي قبل كل شيء) قد يكون على تماس مباشر مع ما تعيشه فرنسا من احتجاجات واسعة لحركة السترات الصفراء.