هناك حوالي 19 حزبا من أحزاب الموالاة اختارت مساندة استمرار الرئيس المستقيل في الحكم لفترة رئاسية خامسة, وقلة من الأحزاب عارضت هذا التوجه, وبقيت بقية الماسكين العصا من الوسط, وهم الأكثرية عددا والأقليات شعبيا. وجاء الحراك الشعبي, وحاول أن يفرض منطقه في الفرز بين مكونات الكتلة الحزبية , فطالب بإقصاء الأحزاب و السياسيين الذين ساندوا العهدة الخامسة , و عبر عن رفضه لأحزاب المعارضة , بحجة أنها منحت شرعية سياسية للنظام السابق باستمرارها في النشاط ؟ إذ كان عليها حل نفسها أو تجميد نشاطها حسب رأي منظري الحراك , بل هناك من طالب بحل أحزاب الموالاة , و إحالة الأفالان -خاصة- على المتحف ؟ الأمر الذي يدعو إلى التساؤل حول ماهية نظام الحكم الذي ينشده الحراك الشعبي ,أو من تصدى للحديث باسمه ,من الشخصيات السياسية الموجودة في حالة استيداع في انتظار من يعيدها إلى المعترك السياسي بعد تحييد كل المنافسين المحتملين بحكم «الماضي السياسي» الذي يصر البعض على إلباسه صفة «غير المشرف» رغم أنه لا يعدو تصرفا عاديا بالنسبة لأي حزب في الحكم , من بين أهدافه الأساسية الاحتفاظ بالحكم لأطول فترة ممكنة , و من أجل ذلك تتحمل أحزاب لا يحالفها الحظ , البقاء في المعارضة لأطول مدة ممكنة , على أمل أن يحالفها «الصندوق» فتصل إلى سدة الحكم . ولأن القضية قانونية بالدرجة الأولى فإن الخريطة الحزبية مرشحة لأن تستمر على ما هي عليه من التعدد الكمي و محدودية البرامج السياسية , و قد يتمدد العدد أكثر لإشباع نزعة الزعامة لدى فئة من السياسيين «الشعبويين» , و إذا كانت هناك حاجة إلى تقليص عدد الأحزاب المعتمدة , فليس الأمر للحزبيين و إنما للمشرع الجزائري الذي عليه أن يفرض ما يراه مفيدا للحياة الحزبية و السياسية و لنظام الحكم , و خارج هذا الإطار , فإن الأحزاب وجدت لتبقى ما بقيت أنظمة الحكم الديمقراطية . هناك من يتساءل حول مصير أحزاب الموالاة التي اضطرتها أوضاعها الداخلية و الأزمة السياسية إلى عدم تقديم مرشحين لها للاستحقاق الرئاسي المرتقب في 12 ديسمبر المقبل ؟, و هو تساؤل يمكن الرد عليه بتساؤل مماثل , حول الغياب الإرادي لأحزاب من المعارضة عن نفس الموعد الانتخابي ؟ و لا شك أن لكل طرف مبرراته و أعذاره , لكن المسألة لا تستدعي التهويل , فالحضور و الغياب في المنافسات الانتخابية يخضعان لعوامل متعددة منها الظرف السياسي غير المواتي مثلما هي حال أحزاب الموالاة حاليا , و منها لمجرد المناورة كما هي حال بعض أحزاب المعارضة . و الحضور و الغياب الحزبي ليسا ظاهرة استثنائية , و إنما من الظواهر التي ميزت كل الانتخابات التي نظمتها الجزائر في عهد التعددية الحزبية و التي لم تخل من المشاركين و المقاطعين و الغائبين ... وعلى ذكر المشاركة في أي استحقاق انتخابي , فإنها لا تقتصر على عدم تقديم مرشح أو مرشحين , لأن المشاركة يمكن أن تكون عبر دعم المرشح التي يتوافق مع توجهات الحزب كليا أو جزئيا , و بالتالي فإن وجود مرشحين من أحزاب الموالاة للرئاسيات المقبلة , يمنح لمناضلي هذه الفئة من الأحزاب إمكانية دعمهما, ولعل في هذا الخيار ما يزيد من حظوظ فوز مرشح هذا التيار , أكثر من تعدد الترشيحات و تشتت الأصوات ؟ وبذلك يكون مطلب «الحراك» بتحييد أحزاب الموالاة في الانتخابات الرئاسية قد تحقق جزئيا, لكن بشكل يخدم هذه الأحزاب , و هو ما نلمسه في تصريحات الأمين العام بالنيابة لحزب الأفالان، علي صديقي، حول «وجوب إنجاح الانتخابات الرئاسية القادمة للانتقال من الحكم المؤقت إلى الشرعية الشعبية»معتبرا:»أن نجاح هذا الموعد الانتخابي المقرر في 12 ديسمبر القادم سيكون نجاحا لحزب جبهة التحرير الوطني نفسه» . وذكر نفس المسؤول السياسي أن «الحزب وجه رسالة واضحة إلى كل مناضلي» الحزب للذهاب يوم الاقتراع إلى مكاتب التصويت و الإدلاء بأصواتهم , ملاحظا أن حزبهم «لم يقدم أي مترشح لخوض غمار الاستحقاق الرئاسي المقبل لقلة حظوظه في الفوز نظرا للظروف التي تمر بها البلاد حاليا. و جدد السيد علي صديقي «رفض حزبهم للأصوات التي تنادي برحيل حزبهم عن المشهد السياسي إذ ليس من حق أي كان مطالبته بالرحيل» منتقدا في هذا الصدد «الذين اصطنعوا شعارات مناوئة للحزب و رفعوها خلال مسيرات الحراك الشعبي» مؤكدا لهم أن» الجبهة ليست خصما لأحد». وهكذا هو الأفالان لا يضره خندق المعارضة , و لا يغره عهد الحكم ,بل إنه يحاول الاستفادة حتى من الضرر , على رأي المثل «رب ضارة نافعة».