أمتطي عواصفي الموعودة، أخبئ في القلب والعين ألحاني وأهازيجي السروقة عنوة، هنا النبض يتشظى كما الكريستال، لا زالوا هنا جيوشا خرافية يترصدون أجسادي العصية، يفرشونها حصى ورملا وحجرا، وأنا أخبئ حريري وعطري في دمي الصلد، من منكم يصلي معي صلواتي الأخيرة، صلاة الغائب وصلاة الجنازة وصلاة المسافر، وصلاة التسبيح، وصلاة الضحى، وصلاة النوافل، وصلاة الاستسقاء، وصلاة العيد، وصلاة التراويح، وصلاة التهجد، وصلاة الخوف، وصلاة الخسوف، وصلاة الكسوف، وصلاة الاستخارة... أعرفها كلها أيها الأفاقون، الواقفون على عتباتي تقيسون حجم الجمرات وتكيلون وزن الحصى. غابت عنكم فقط صلوات النور والحب والفرح.. أنا الآن أبحث عن أبواب الجنة الثمانية كما وعدوني، هكذا رووا والعهدة على الراوي. لست أدري لماذا الآن يحضرني تاريخ الأبواب، ربما لما خزن في ذاكرتي من حكايا جدي، الذي جاب العالم مكتشفا أسراره وخفاياه، منذ أن قام برحلته الأولى إلى الحج مشيا على الأقدام مكتفيا بقربة ماء وزوادة تمر وتين وعصا من خشب زيتونته العتيقة، وحمار يمشي بجانبه يستعين بصبره ويسر له بما تخفى من أسراره. كان يحكي لنا عن كل ما صادفه وما رآه وما شاهده وما لمسه وما سمعه عن الناس وعاداتهم، وعن تاريخ المدن العتيقة والأساطير المحيطة بها وبأسوارها وقلاعها وأبوابها، (سور الصين، أسوار القدس، أسوار المنصورة، أسوار المغرب، أسوار الهند ، سور عكا، أسوار طروادة، أسوار ديار بكر.... كان يصف لنا أدق تفاصيلها وتواريخها ومن بناها وشيدها وعمرها، ومن سطى على مدنها وهجر ناسها وقتل أبناءها وسبى نساءها وأحرق مكتباتها، كأنه زارها كلها، أو حفظ عن ظهر قلب كتب الأولين والرحالة الموثقين. كان يفاجئنا باستمرار بالجديد. كما أبهرنا ذات مرة بتاريخ الأبواب وأنواعها ورموزها وما تحمله من عمق تاريخي وأسطوري. وهو يحكي عن تاريخ البلدان وما يميز كل بلد عن آخر يقول: صنعاءالمدينة الأثرية العتيقة كان لها تسعة أبواب، "باب السباح وباب البلقة وباب القاع وباب سترات وباب خزيمة وباب الروم وباب شعوب وباب الشقاديف وباب اليمن". أما في بلاد الشام تتميز بأبواب دمشق" باب كيسان ويرمز إلى زحل، الباب الشرقي ويرمز إلى الشمس، باب توما ويرمز إلى كوكب الزهرة، باب الصغير ويرمز للمشتري، باب الجابية ويرمز للمريخ، باب الفراديس ويرمز لعطارد". في رمشة عين يرحل بنا إلى فلسطين، ليصف لنا وبدقة أبواب بيت المقدس، باب العمود أو باب دمشق، باب الساهرة، باب الأسباط، باب المغاربة، باب الخليل أو باب يافا، باب الجديد وباب الرحمة، باب الواحد ، باب المثلث، باب المزدوج. عودنا جدي ألا نغلق البواب إلا للضرورة القصوى. ربما لذلك لا زلت أشتهي الأبواب مفتوحة مشرعة ومفاتيحها مفقودة. فمن أي الأبواب أتسسل الآن. ومن أي باب أبدأ رحلتي. من باب الحقيقة أم باب الأسطورة أم باب اليقين أم باب الشك أم باب الخرافة أم باب الحجّاية والحكايات الغريبة. هنا تبدأ ارتعاشة القول وارتعاشة الفعل، هنا والوجع المكلس يتصدع مثل الزلزال، يعرش الأنين حد التمزق، أخط في الرمل حكاياتي الوهمية، كما علمني جدي وهو يناولني عيدان النخيل وعيدان القصب الندية، وأنا أجمع بذور التمر والزيتون لنتفنن في صنع المسابح والقلادات التي لم يصنعها أحد قبلنا.. كان يعلمني كيف أراود الزمن وكيف أخط تفاصيله في الرمل. أين أنا الآن وأين نحن؟؟؟ تعددت الزلازل والأرض واحدة، تشكو عطبها، ترجئ وجعها إلى حين، وعين واحدة لا تكفي لرش كل هذا الدمع. وكف واحدة لا تكفي لجمع كل هذي الشظايا.