شهدت الرواية الجزائرية سنة 2019، انتعاشة وقفزة نوعية، سواء من حيث الوفرة أومن حيث القيمة الأدبية؛ هناك عدد كبير من الروايات صدرت هذه السنة، من الواضح أن عددها أكبر بالمقارنة مع السنوات الماضية. تبدو التقديرات واضحة في ضوء إعلان دور النشر الجزائرية عن إصدارتها الجديدة، من خلال شبكة التواصل الاجتماعي، التي أصبحت منابر حقيقية في التواصل بين الكتّاب، ومناسبة للإعلان عن جديد الكتب من طرف دور النشر، خاصة خلال الفترة التي تسبق موعد انطلاق الصالون الدولي للكتاب؛ ومع ذلك يطرح بحدّة سؤال الإحصاء؛ كم عدد دور النشر في الجزائر؟ كم عدد الأعمال الروائية الصادرة لأول مرة؟ ما هي أكثر دور النشر إصدارا؟ ما هي أكثر الأعمال مبيعا؟، ما هي الثيمات الغالبة على الروايات في مجملها؟ .. هي أسئلة وأخرى، لن نحظى للأسف بإجابات وافية ودقيقة عنها، في ظل غياب منظومة ثقافية حقيقية تواكب هذا الزخم، وعلى رأسها المجلات الثقافية والأدبية تحديدا. هكذا شهدت الرواية الجزائرية السنة الماضية، وعلى عكس السنوات الأخرى، قفزة نوعية من حيث التتويج والتألق على مستوى الجوائز العربية الكبرى، خاصة الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر)، والتي تعتبر أهم وأبرز جائزة للسرد العربي، يتطلع إليها ويطمح إلى التتويج بها جميع الروائيين في المنطقة العربية؛ هكذا بلغت أربع روايات جزائرية القائمة الطويلة، جرى اختيارها من بين 128 رواية تقدّمت للجائزة؛ يتعلق الأمر بالروايات التالية : "اختلاط المواسم" للكاتب بشير مفتي، رواية "حطب سراييفو" للكاتب سعيد خطيبي، رواية "سلالم ترولار" للكاتب سمير قسيمي، رواية "الديوان الإسبرطي" للروائي عبد الوهاب عيساوي؛ ولعلها سابقة أولى من نوعها في السرد الجزائري لم تقع من قبل؛ الأمر الذي يؤشر حسب المختصين، إلى وصول روايتين على الأقل للقائمة القصيرة؛ ومن المرجح أن تحقق الرواية الجزائرية حضورها في التتويج، بجائزة أدبية مرموقة لم يسبق أن نالتها من قبل رواية جزائرية. كما شهدت سنة 2019 كذلك، فوز كاتبين جزائريين بجائزة كاتارا، يتعلق الأمر بالكاتب الحبيب السائح عن روايته "أنا وحاييم " في فئة الروايات العربية المنشورة، والكاتب سالمي ناصر عن فئة الروايات العربية غير المنشورة، بفضل روايته الموسومة "فنجان قهوة وقطعة كرواسان". لا يمكن أيضا أن نمرّ مرور الكرام على جائزة آسيا جبار للرواية، التي أعلن عن نتائجها نهاية سنة 2019؛ والتي أعترف الكثيرون بنزاهتها ومصداقيتها، حيث فاز بالجائزة الخاصة باللغة العربية، كاتب شاب، غير معروف، قادم من الجزائر العميقة؛ بمعنى أن التتويج كان على النص لا الشخص، على عكس ربما الطبعات السابقة، التي كانت مثار جدل واسع؛ وهو الأمر الذي سيؤشر مستقبلا إلى عودة المصداقية التي افتقدتها الجوائز الأدبية الجزائرية؛ يتعلق الأمر برواية "نبوءات رايكا"، للروائي خيري بلخير، الصادرة عن دار خيال للنشر، وهي دار واعدة أنشأها حديثا الكاتب الشاب رفيق طيبي؛ رواية خيري بلخير تستحق التتويج، نظرا للغتها الراقية وحبكتها، وخاصة ثيمتها التي تستمدّ مادتها من عناصر محلية تزخر بها منطقة الجنوب الغربي الجزائري. نفس الشيء يمكن أن يُقال عن رواية "قلب الاسباني"، للكاتبة والإعلامية جميلة طلباوي، الصادرة عن منشورات الوطن اليوم؛وهي الرواية المتوّجة مطلع هذه السنة بجائزة "يمينة مشاكرة" عن أحسن عمل روائي باللغة العربية. تدور أحداث الرواية بين مكانين مختلفين: منطقة في الجنوب الغربي الجزائري ومنطقة في اسبانيا؛ يبدو لا شيء يجمعهما، لأول وهلة، هكذا ستنفض الروائية الغبار عن الأرشيف، ستتحسس بعمق حنين التاريخ، وستوجد مشتركا تاريخيا وإنسانيا، من خلال الأندلس، الفردوس المفقود، دون كيشوت، المورو؛ وإنسانيا من خلال زرع قلب متبرع اسباني لبطل الرواية المريض جسديا ونفسيا، بالبلد وهمومه. هناك التاريخ إذًا، وهناك الرمز وهناك المشترك الإنساني؛ الرواية كما سيكتشف القارئ مؤثثة بتراث شعبي متنوّع، تزخر به بشار والقنادسة، من خلال أهازيج، وأغان وأمثال شعبية، وعادات وتقاليد؛ تعكس إلمام، ابنة مدينة بشار الجنوبية، الواسع، بتراث المنطقة وتاريخها الضارب في أعماق التاريخ؛ ولعل الأمر ليس غريبا، عندما نعرف أن المبدعة جميلة طلباوي، مذيعة نشطة في إذاعة بشار، أعدّت وقدمت العديد من البرامج التي تُعنى بتاريخ المنطقة وتراثها. والجدير بالتنويه في الجائزتين الوطنيتين، تخصيص جائزة للأعمال المكتوبة باللغة الأمازيغية، تشجيعا للكتابة بهذه اللغة الوطنية؛ هكذا فاز في جائزة آسيا جبار الكاتب جمال لسب عن روايته "النا غني" بالأمازيغية وهي الرواية الصادرة عن منشورات امتداد. كما افتكت كايسة خليفي من جهتها، الجائزة الأولى في الرواية الأمازيغية عن روايتها "إيهولفان" في جائزة يمينة مشاكرة. . وماذا عن الرواية الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية؟ لم تحقق الشيء الكثير، مما كان يأمل منها، على الرغم مما تتيحه الساحة الأدبية الفرانكفونية، من مساحة واسعة للتنافس الأدبي؛ الرواية الوحيدة المتوّجة سنة 2019، هي رواية "عيون منصور"، للروائي الجزائري رياض جيرو؛ والتي نالت جائزة الاكتشاف الأدبي. رواية تسترجع التاريخ، وتسقط دروسه على الحاضر؛ تنتصر للإسلام الصوفي من خلال كتابات ومواقف الأمير عبد القادر، الذي تخصّص له مساحة واسعة في المتن، مسترجعة تاريخه الحافل بالمحبّة والتسامح الديني، مع الإشادة ببعض أعلام الصوفية مثل الحلاج وعمر الخيام وابن عربي، وتنفرد بإدراج بعض أقوالهم المأثورة كما جاءت باللغة العربية. رواية أخرى كان ينتظر منها الكثير، وصلت إلى القوائم الطويلة في عدد من الجوائز الأدبية، لكنها فشلت في التتويج؛ الأمر يتعلق برواية كوثر عظيمي الموسومة "صغار ديسمبر"، وهي رواية تتحدث عن الفساد المالي والسياسي في الجزائر، عن الحقرة والاستبداد وعن الوعي بإمكانية تغيير الأشياء. وكأنّ العمل الذي كتبته الروائية الشابة قبل الحراك الشعبي، يتنبأ بانتفاضة عارمة، وقودها الشباب، ستغيّر الوضع القائم في الجزائر؛ أم لماذا لم تنل حظها من التتويج، رغم عمق ثيمتها؛ يبدو الخلل واضحا من خلال بعض التقريرية التي طبعت الرواية على حساب الحبكة، كما لاحظ بعض النقاد. هكذا تبدو ثيمات الرواية الجزائرية الصادرة سنة 2019، متعددة ومتنوّعة، لم تقف على موضوع بعينه انفرد باهتمامها؛ غير أنه من المنتظر أن يستأثر الحراك الشعبي في الجزائر، بزخمه وسلميته وتداعياته، باهتمام الرواية الجزائرية السنة الجديدة، وربما السّنوات القادمة.