لعل البعض يتساءل لما وصلت الجزائر إلى درجة قطع علاقاتها مع المغرب واضعة شروطا واضحة لإعادتها، ففي الحقيقة عرفت العلاقات الجزائرية- المغربية تحرشات وإعتداءات مغربية بدأت منذ 1963 لتنتهي إلى شنها حربا إلكترونية أو حروب الجيل الرابع والخامس في السنوات الأخيرة بهدف ضرب الجزائريين بعضهم ببعض وتفجير الجزائر من الداخل مع دعمها الواضح اليوم لمنظمات إرهابية ممثلة في الماك الإنفصالية وحركة رشاد التي ثبت تورطها في الحرائق الأخيرة برعاية مغربية، كما أنه من غير المستبعد أن تكون المغرب قد شكلت وبصدد تدريب مجموعات إٍرهابية في أراضيها لشن أعمال إرهابية في الجزائر، فالكثير من التحرشات والإعتداءات المغربية قد وصلت درجة لا يمكن السكوت عنها منذ أن قامت بالتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتحولت إلى قاعدة لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الجديد كما سنشرح ذلك فيما بعد، فكل هذه الإعتداءات المتكررة ضد الجزائر تتطلب مواجهتها بصرامة وحزم شديد. لايمكن لأي متتبع فهم مختلف هذه التحرشات والإعتداءات وتطورالعلاقات الجزائرية-المغربية إلا في إطار عدة عوامل تتحكم فيها منذ فترة طويلة، ويأتي على رأسها ترويج المغرب لما تعتبره «إستعادة الحدود التاريخية للمغرب الأقصى»، وهي فكرة وضعها علال الفاسي في 1956، وتقول أن للمغرب الأقصى حدودا تمتد إلى سانت لوي في السنغال، وتضم أجزاء من الغرب والجنوب الغربي الجزائري، وكذلك موريطانيا والصحراء الغربية وجزء من المالي، وهي تدعي أن هذه الآراضي قد وصلها السلطان المغربي مولاي إسماعيل في القرن 18، وأن الكثير من القبائل قد بايعته آنذاك، وهو ما يعني أن هناك نية توسعية مغربية في المنطقة تحت غطاء هذا الإدعاء الوهمي، ولو تتبعنا هذا المنطق المغربي لتحول العالم كله إلى حروب حدودية، ولقالت الجزائر أيضا أن لها حق في أجزاء من الآراضي المغربية لأنه تم التوسع الجزائري في أراضيها في عدة فترات من فترات التاريخ الطويل، وكي تتجنب أفريقيا كل هذه الصراعات الحدودية أقرت منظمة الوحدة الأفريقية في 1963 مبدأ هام جدا وهو «إحترام الحدود الموروثة عن الإستعمار» الذي لاتعترف به المغرب، بل كل ما أستقلت دولة في المنطقة حاولت التوسع فيها تحت غطاء وهم «إستعادة الحدود التاريخية للمغرب الأقصى»، فرفضت الإعتراف بموريطانيا عند إستقلالها، ولم تضطر إلى ذلك إلا بضغط من الجزائر في عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، كما أعتدت على الجزائر في 1963 تحت نفس الغطاء، وأستشهد أكثر من 850 جزائري فيما يسمى بحرب الرمال، وينحدر هؤلاء الشهداء من كل مناطق الجزائر، ومنهم عدد كبير من منطقة القبائل بقيادة المجاهد العقيد محند ولحاج آنذاك آخر قائد الولاية التاريخية الثالثة، كما قسمت المغرب الصحراء الغربية مع موريطانيا بعد إنسحاب إسبانيا منها في 1975، فقام المغرب بما يسميه «المسيرة الخضراء»، فلب المشكلة كله يتلخص في هذه الإدعاءات المغربية، فلنتصور لو سلم للمغرب بمطلبها التوسعي في الصحراء الغربية، فمعناه ستطالب فيما بعد بآراضي أخرى تدعي انها تدخل في إطار ما تعتبرها «حدودها التاريخية»، فهو ما سيهدد السلم في المنطقة، ويدخلها في حروب لن يستفيد منها إلا تجار الأسلحة، كما ستحول المنطقة كلها إلى خراب ودمار، فلو لم تتنازل بريطانيا وفرنسا للمطلب النازي الهتلري في السوديت في مؤتمر ميونيخ في 1938 ما تجرأ هتلر إلى إبتلاع كل تشيكوسلوفاكيا ثم أوروبا ليدخل العالم في حرب عالمية خلفت أكثر من 50 مليون قتيل وخراب ودمار عالمي. إن الوقوف في وجه المطامع التوسعية المغربية في المنطقة هو في الحقيقة دفاع عن الأمن والسلم في منطقتنا، فالمغرب ينظر إلى الجزائر كمعرقلة لمشروعها التوسعي هذا في المنطقة، وبالتالي يجب إضعافها بكل الوسائل والأساليب، ولهذا لا يمكن لنا فهم كل هذه الإعتداءات والتحرشات المغربية ضد الجزائر إلا في هذا الإطار. أخطر الاعتداءات المغربية ومن أخطر هذه الإعتداءات هو توصل التحريات إلى أن للمغرب الإقصى يد في الحرائق الأخيرة عن طريق منظمات إرهابية هي الماك الإنفصالية وحركة رشاد التي هي إمتداد لحزب الفيس المنحل الذي كان وراء إرهاب التسعينيات، والذي لقي دعما غير مباشر من المغرب آنذاك لإضعاف الجزائر، ويبدو أن الجزائر قد علمت أن المغرب يقوم بتدريب جماعات إرهابية متكونة من عناصر من الماك ورشاد وإرسالها إلى الجزائر للقيام بأعمال تخريبية، ويدخل هذا كله في إطار مخطط واسع ضد الجزائر ووحدتها له خيوط وعلاقة حتى مع ما يحدث على الحدود الجزائرية الملتهبة بفعل تردي الأوضاع الأمنية في ليبيا وشمال مالي، وممكن تونس مستقبلا، وترى المغرب ذلك فرصة لزيادة الضغط على الجزائر والدفع إلى فوضى داخلية تضعف الجزائر، وتبعدها عن أي دور إقليمي، مما سيسمح للمغرب بتحقيق مشروعها الوهمي المسمى ب «إستعادة الحدود التاريخية للمغرب الأقصى»، فهي لم تطبع مع الكيان الصهيوني إلا رغبة منها في تحقيق دعم دولي لهذا المشروع، كما تروج المغرب منذ سنوات بأن الجزائر حليفة لإيران، وقد صرح وزير خارجيتها عدة مرات بأن عناصر من حزب الله يتدربون في الجزائر، وكأن هذا الحزب ليس له مكان آخر للتدرب إلا في الجزائر، وهو الذي يلقى دعما سورياوإيرانيا، لكن الهدف المغربي من كل هذه الأكاذيب هو إدخال الجزائر ضمن محور إيران كي تضرب حتى هي في حالة إندلاع حرب ضد إيران من دول غربية وعربية والكيان الصهيوني. فلنشر ان الإعتداءات المغربية ضد الجزائر قد تفاقمت منذ أن قام نظام المخزن بالتطبيع مع الكيان الصهيوني والسماح له بالتغلغل في منطقتنا عن طريق المغرب التي تحولت إلى قاعدة لهذا الكيان لتجسيد مشروعه «الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الجديد»، فهذا المشروع يستهدف في ظاهره كما تحدث عنه شمعون بيريز في كتابه الشهير «الشرق الأوسط الجديد» إقامة تعاون إقتصادي في المنطقة بين كل دول الشرق الأوسط، ومنها الكيان الصهيوني، وهو ما عبر عنه الملك المغربي الحسن الثاني ب«تعاون العبقرية اليهودية مع المال العربي»، لكن يستهدف هذا المشروع في الحقيقة فرض سيطرة الكيان الصهيوني على المنطقة بطريقة ناعمة جدا، وبتعبير آخر إعادة تكرار التقسيم الدولي للعمل الذي فرضه الإستعمار في القرن19 على شعوبنا حيث فرضت عليها مهمة تصدير المواد الأولية للبلدان المصنعة ثم تعيدها إلى أسواقنا المفتوحة لها كمواد مصنعة بأسعار عالية جدا، وهو التقسيم الذي أبقانا في تخلف إلى اليوم وعدم قدرة دولنا من التحرر إقتصاديا ومن التبعية لهذه المواد الأولية، وكذلك الطاقة التي تنتجها، لكن تتحكم في أسعارها الرأسمالية العالمية . فمشروع الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الجديد سيجعل كل دول المنطقة تابعة للكيان الصهيوني الذي يمتلك التكنولوجيا بسبب الدعم الغربي له، وسيستفيد إقتصاده حسب المشروع من المال العربي، خاصة الخليجي منه، وأيضا من اليد العاملة الرخيصة في المنطقة التي ستتوجه للعمل في مصانع الكيان الصهيوني الممولة بالمال الخليجي مقابل فتح دول المنطقة أسواقها للمنتجات الصناعية لهذا الكيان، وبتعبير آخر هو سيطرة هذا الكيان على منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فيعوض بذلك السيطرة الرأسمالية السابقة الممثلة في أمريكاوبريطانيا وفرنسا، وهو ما يعني في الأخير إعادة بناء النظام العالمي الرأسمالي في منطقتي الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن بسيطرة تامة للكيان الصهيوني. الجزائر بلد مُصدِر للسلم لكن ما خفي عن الكثير هو أن هذا المشروع يتطلب دولا ضعيفة جدا وصغيرة في منطقتي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهو ما يستدعي تفتيتها إلى دول طائفية في الشرق الأوسط وعلى أساس أوهام عرقية في شمال إفريقيا والمنطقة المغاربية، فتتشكل دويلات صغيرة متصارعة فيما بينها وخاضعة كلها للكيان الصهيوني القوي، هذا ما يفسر لنا صعود الخطاب الديني الطائفي والعرقي المتطرف بشكل قوي جدا في المنطقة في السنوات الأخيرة، فالكثير من الحركات الدينية والقومية الشوفينية وأصحاب النزعات العرقية تخدم هذا المشروع بوعي او دون وعي، فمثلا أي دولة دينية في بلد متعدد الطوائف، سيؤدي حتما إلى تفتيته بسبب رد فعل طائفي مقابل، وينطبق نفس الأمر على النزعات العرقية. نلاحظ انه منذ قطع الجزائر علاقاتها الدبلومسية مع المغرب قامت عدة دول بمبادرات دون أن تعي لب المشكلة، فلتعلم هذه الدول أن عودة هذه العلاقات يتطلب تنفيذ المغرب للشروط التي أوردها بوضوح وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة، وهي ليست شروطا يستحيل على المغرب تنفيذها، نعتقد انه على المغرب ان يكف عن سياسته التوسعية وعن هذا المشروع الوهمي الذي وضعه علال الفاسي في 1956 والمسمى ب «إستعادة الحدود التاريخية للمغرب الأقصى»، وتلتزم بالقرارات الأممية والدولية، ومنها مبدأ الإتحاد الإفريقي «إحترام الحدود الموروثة عن الإستعمار» وإعتبار قضية الصحراء الغربية قضية تصفية إستعمار كما حددتها هيئة الأممالمتحدة منذ1966، وتلتزم بقراراتها، فلتكف المغرب عن إعتبار ان هذه القضية هي مسألة جزائرية- مغربية، وهو غير صحيح، كما على المغرب ان يكف على إستفزازاته للجزائر ومحاولاته ضرب وحدتها بتشجيع منظمات إرهابية وإنفصالية. فالمسألة هي في ملعب المغرب الأقصى، فالجزائر لم تعتد على أي أحد، بل تتعرض يوميا لإستفزازات وإعتداءات مغربية في إطار مخطط شامل لإضعافها، وتدخل فيها أطراف لا تريد الخير لدول المنطقة، ومنها الكيان الصهيوني، فعلى المغرب أن يدرك، ويعي ان سياساته وتحالفاته ومحاولاته ضرب الجزائر سينقلب عليه بشكل كبير، فنعتقد أن بداية الحل هو إقناع المغرب بأخطاء وسياسات ليست في صالحه، وهو الخاسر الأكبر فيها، فمن هنا يمكن التفاوض على كل شيء بين الدولتين من أجل السلم والتعاون وإعادة تفعيل الإتحاد المغاربي الذي سيعود بالخير الوفير على كل شعوب المنطقة.