لم يكن قرار السلطات الجزائرية بقطع العلاقات مع المغرب «ارتجاليا ولا متسرعا» بل جاء بعد سنوات من «ضبط النفس» برغم الطعنات المتتالية التي تلقتها الجزائر في الظهر من الجارة الغربية بداية بتصنيف الجزائر كبلد «عدو» على لسان دبلوماسي مغربي، وصولا إلى تصريحات ممثلها الدائم في الأممالمتحدة الذي دعا صراحة إلى الفتنة في الجزائر، بعدما تبين جليا وقوف المخزن إلى جانب الحركتين الإرهابيتين «الماك» و «رشاد» ودعمهم ماديا، وسعي المخابرات المغربية لشراء ذمم من يسمون بالمعارضين في الخارج والذين أعلنوا صراحة ولائهم للمخزن على حساب وطنهم ومصالحه. و أمام تلك الضربات المتتالية، رفضت السلطات الجزائرية، الخضوع لسلوكيات وأفعال مدانة كما ترفض منطق الأمر الواقع والسياسات أحادية الجانب بعواقبها الكارثية على الشعوب المغاربية، أو الإبقاء على وضع غير اعتيادي يجعل المجموعة المغاربية في حالة من التوتر الدائم تتعارض كليا مع المبادئ والقواعد المنظمة للعلاقات الدولية ولعلاقات الجوار والتعاون. ويجمع المتابعون لملف العلاقات بين البلدين، على أن الطعنات المغربية لم تتوقف طيلة السنوات الأخيرة بل على العكس كانت تزداد حدة في كل مرة تخرج الجزائر منتصرة من محنها، وكانت تلك الطعنات تتزامن و عبارات «الأخوة المزعومة» التي يطلقها الملك المغربي ليخفي الوجه العدائي . فالجو المشحون الذي خلفته ممارسات المخزن المغربي بدأت من تصريح القنصل المغربي العام الماضي، حيث قال في لقاء مع أبناء جاليته المتواجدين في الجزائر، بأنهم في بلد عدو. ومنذ ذلك الحين، بدأ مسار من الأخطاء، التي لا ترتكب من طرف دولة، تعتبر شقيقة وصديقة. وحملت الأيام الأخيرة العديد من التجاوزات الملموسة، كان «أولها دعوة ممثل المملكة لدى الأممالمتحدة، لاستقلال منطقة القبائل، مسانداً بهذا حركة مصنفة في الجزائر كحركة إرهابية، في موقف غير مفهوم، يضاف إلى ذلك فضيحة «بيغاسوس» وثبوت تجسس المملكة على مسؤولين جزائريين، حالهم حال مسؤولين أوروبيين، بالإضافة لموافقة المغرب للكيان الصهيوني، للانضمام إلى الاتحاد الإفريقي كعضو مراقب». كل تلك المساعي والدسائس التي أجهضتها الجزائر، بتحركات دبلوماسية حثيثة، مع الدول الصديقة والشقيقة، ليأتي إطلاق وزير خارجية الكيان الصهيوني لتصريحات، كشف فيها عن قلقه وامتعاضه من التقارب الجزائري الإيراني، والذي كان تعليقا عن لقاء دبلوماسي عادي بين الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان والرئيس الإيراني الجديد خلال حفل التنصيب. والثابت أن المملكة المغربية لم تتوقف أبدا عن توجيه الطعنة تلو الأخرى إلى الجزائر، سواء بأعمال غير ودية وكذا أخرى عدائية ودنيئة ضد بلدنا وذلك منذ استقلال الجزائر. بل أكثر من ذلك فان نظام المخزن المغربي كان يقوم كلما خرجت الجزائر منتصرة من محنة، بزيادة مستوى العداء بطبيعته الممنهجة والمبيتة، الذي تعود بداياته إلى الحرب العدوانية المفتوحة عام 1963 التي شنتها القوات المسلحة الملكية المغربية ضد الجزائر حديثة الاستقلال، هذه الحرب التي عرفت استعمال المغرب لأسلحة ومعدات عسكرية ثقيلة وفتاكة خلفت ما لا يقل عن 850 شهيدا جزائريا ضحوا بحياتهم من أجل الحفاظ على السلامة الترابية لوطنهم الذي ساهموا قبل ذلك في تحريره. وفي عام 1976، قرر المغرب بشكل فجائي قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر التي قامت حينها، إلى جانب عدد من الدول الشقيقة الأخرى، باتخاذ القرار السيادي بالاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. وبعد اثني عشر عاما من قطع العلاقات الدبلوماسية، قرر البلدان سنة 1988 تطبيع العلاقات الثنائية وإدراجها ضمن منظور تاريخي يأخذ بعين الاعتبار «المصير المشترك للشعبين الجزائري والمغربي» وضرورة تعزيز التعاون المثمر بين البلدين. جاء هذا التطبيع بعد الجهود الحميدة والجديرة بالتقدير التي بذلها رؤساء عدد من البلدان الشقيقة والصديقة نذكر من بينهم خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك فهد بن عبد العزيز الذي مكن التزامه الشخصي بالوساطة الفعالة من خلق مناخ سياسي ملائم سمح بتطوير الوضع بطريقة ايجابية. المغرب يدعم الإرهاب ويمول خططه لاستهداف الجزائر دعم المغرب بالمال والعتاد للمخططات العدائية الإرهابية التي تستهدف الجزائر ليس وليد اليوم، مع ما تقوم به من دعم مستمر لحركتي الماك ورشاد لزعزعة استقرار الجزائر، بل يعود لسنوات الأزمة الأمنية التي عاشتها الجزائر، حيث كشفت العشرية السوداء التي مرت بها أن الجماعات الإرهابية كانت تتاجر بالمخدرات لتمويل قدراتها الإجرامية، وكانت مرتبطة بشكل كبير بعلاقات واسعة مع تجار المخدرات في المغرب الذين يتقدمهم بعض الجنرالات المغاربة، حيث ظلت الحدود الغربية منفذا للعصابات المغربية لتهريب مخدراتها باتجاه الجزائر. وكشفت التحقيقات الأمنية مع تاجر مخدرات يسمى محمد خزار، الملقب ب «الشريف بين الويدان»، بتواطئه مع مجموعة من رجال الأمن ضمنهم عبد العزيز إزو، مدير أمن القصور الملكية المغربية، و تورطهم في التنسيق مع جماعات إرهابية بالجزائر في إطار «صفقات» جمع الغنائم وتبييض الأموال، ويكفي للدلالة على ذلك فقط أنه بين سنتين 1992 و1998 بلغ حجم النشاط التجاري للمخدرات بين الجماعات الإرهابية وبارونات المخدرات في المغرب حوالي 6 ملايين دولار. وعلى مدار السنوات الأولى للإرهاب في الجزائر، باتت الحقيقة ظاهرة للعيان من أن تورط الغرب في دعم الجماعات الإرهابية كان واقعا حقيقيا، فالمخابرات المغربية أثبتت تورطها في نقل الأسلحة من بعض الدول الأوروبية إلى الجزائر، وهو ما اتضح جليا سنة 1994 بعد أن كشفت الصحافة البلجيكية تفاصيل صفقة أسلحة بين مصنع «لياج» في بلجيكا للأسلحة الخفيفة المملوك من طرف اليهود وبين الجماعات الإرهابية عن طريق وسطاء من المخابرات المغربية. كما ثبت أن الأسلحة الإسرائيلية التي ضبطت عند بعض الجماعات الإرهابية في الجزائر على غرار ذخائر إيمي وسكوربيو أو سلاح عوزي دخلت إلى الجزائر عن طريق المغرب وهو ما أكدته صحيفة «هارتز» الإسرائيلية في ذلك الوقت وتناقلته بعض الصحف المحلية، وعلى مدار أسبوعين في أعقاب مجزرة بني ونيف في ولاية بشار، التي أسفرت عن مقتل تسعة وعشرين شخصا سنة 1999، نقلت الصحف الجزائرية عن شهود ناجين من المذبحة أن القتلة انتقلوا بعد ارتكابهم المجزرة إلى الجانب المغربي من الحدود، فضلا عن روايات أخرى عن تهريب السلاح عبر الحدود. وفي سنة 2006 فتح القضاء الجزائري ملفا أكبر عملية تهريب للسلاح، بتوجيه التهمة إلى 38 شخصا في وقائع اشتهرت ب «أنياب الفيل» كناية عن العملية الاستخباراتية التي أفضت إلى إحباط محاولة نقل شحنة كبيرة من السلاح والمتفجرات إلى معاقل «الجماعة السلفية للدعوة والقتال» سابقا في الشمال وتحديدا إلى بلدات يسر وبوغني وبني عمران، مصدرها المغرب. المخزن يحتضن حركة «الماك» الإرهابية ولم تتوقف الأعمال العدائية المغربية بعد القضاء على الإرهاب، بل استمرت مع بروز تنظيم «الماك» الانفصالي الذي انتقل من المطالبة بالحكم الذاتي إلى الانفصال ليصنف كمنظمة إرهابية، حيث تأكد لمصالح الأمن وجود تعاون «بارز وموثق» للمملكة المغربية مع المنظمتين الإرهابيتين المدعوتين «ماك» و»رشاد» اللتين ثبت ضلوعهما في الجرائم الشنيعة المرتبطة بالحرائق المهولة التي شهدتها عديد ولايات الجمهورية مؤخرا، إلى جانب عملية التعذيب والقتل الهمجي الذي راح ضحيتها المواطن جمال بن اسماعين (تغمده الله بواسع رحمته). ومن جانبها، فإن الفضيحة، التي لا تقل خطورة عن سابقتها، والمتعلقة ببرنامج «بيغاسوس» قد كشفت، بما لا يدع مجالا للشك، عمليات التجسس الكثيفة التي تعرض لها مواطنون ومسؤولون جزائريون من قبل الأجهزة الاستخباراتية المغربية مستعملة في ذلك هذه التكنولوجيا الإسرائيلية. من الجلي أن المملكة المغربية قوضت بصفة آلية ودائمة القاعدة التوافقية التي ارتكز عليها البلدان لرسم ملامح علاقة أخوية مبنية على حسن النية والثقة المتبادلة وحسن الجوار والتعاون. وبهذا فإن قادة المملكة المغربية يتحملون مسؤولية تعاقب الأزمات، الواحدة تلو الأخرى، التي ما فتئت خطورتها تتزايد، مدخلة بذلك العلاقات الجزائرية-المغربية في نفق مسدود. إن هذا التصرف المغربي يجر لا محالة شعوب المنطقة إلى الخلاف والمواجهة بدل التآخي والتكامل والاندماج والوحدة، كما يرهن، بصفة خطيرة، حاضرها ومستقبلها. وقد قرر المجلس الأعلى للأمن برئاسة رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، "مراجعة" العلاقات مع المغرب المتورط في الحرائق التي اشتعلت في شمال الجزائر وخلفت عشرات القتلى والمصابين وخسائر مادية فادحة للفلاحين وسكان القرة والمداشر بمنطقة القبائل والولايات الأخرى، وأكدت الرئاسة الجزائرية أن "الأعمال العدائية والمتواصلة التي ترتكبها المغرب ضد الجزائر استدعت مراجعة العلاقات وتكثيف المراقبة على الحدود الغربية". واستنادا إلى التقارير الأمنية والصور التي أعدتها الوكالة الجزائرية للفضاء، فإن معظم هذه الحرائق كانت "إجرامية» وكشف التحقيق أن شبكة إجرامية مصنفة على أنها منظمة إرهابية "تقف وراء الحرائق" بحسب اعتراف أعضائها المعتقلين. حيث تقرر تكثيف جهود الأجهزة الأمنية لتوقيف باقي الأفراد المتورطين في الجريمتين، وكذا جميع منتسبي الحركتين الإرهابيتين اللتين تهددان الأمن العام والوطني والوحدة، حتى القضاء التام عليها، وعلى وجه الخصوص «الماك»، التي تحظى بدعم ومساعدة جهات خارجية، وعلى رأسها المغرب والكيان الصهيوني". المغرب وراء «مؤامرة متكاملة الأركان» وكانت مجلة الجيش في افتتاحية شهر أوت الجاري، قد ردت ضمنيا على خطاب الملك، بالتأكيد أن "التحالفات بين المخزن والكيان الصهيوني في مجال الحرب الإلكترونية، تعني استهدافا مباشرا لبلادنا وتحرشا مبيتا بالسيادة الجزائرية، خلافا لما يعبر عنه دبلوماسيا بخطاب الأخوة والجوار والروابط التاريخية". كما أكد الفريق سعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي، عزم المؤسسة العسكرية على «إفشال المؤامرة الشاملة والمتكاملة المتعددة الأركان»، التي تستهدف بلادنا، داعياً منتسبي الجيش إلى «التحلي بالمزيد من اليقظة والحيطة والحذر لإحباط كافة المخططات الدنيئة، التي تحاك» ضد الجزائر. وقال شنقريحة في رسالة له عشية إحياء الجزائر الذكرى المزدوجة لهجومات الشمال القسنطيني وانعقاد مؤتمر الصومام، إن «النيران التي اندلعت في الفترة الأخيرة في عدة مناطق من الوطن، ما هي إلا عينة صغيرة من هذه المؤامرة الشاملة والمتكاملة الأركان، التي لطالما حذرنا منها، وأدركنا مبكراً خلفياتها وأبعادها». وأضاف شنقريحة، بان الشعب الجزائري الذي قدم أروع صور التضامن والتآزر خلال هذه المحنة، ولم ينجرف أبداً وراء الخطابات المسمومة لدعاة الفتنة والتفرقة، بل أصبح أكثر وعياً من أي وقت مضى بأن أعداء الأمس واليوم يستهدفون وحدة بلادنا، انتقاماً منها لمواقفها الشجاعة، ووقوفها غير المشروط مع القضايا العادلة في كافة ربوع العالم.