صحيح أن انهيار قيمة الدينار و الأزمة الصحية التي عصفت باقتصاديات العالم و ما أعقبها من عرقلة لحركة التجارة الدولية بسبب القيود المفروضة على النقل و حملات الغلق التي هي بين مد و جزر حسب ارتفاع و انحسار موجات كورونا قد أدت إلى جنون الغلاء و انفصامه تماما عن واقع جيب المواطن ، و أكيد أن نار الأسعار التي اكتوت بها الطبقات المتوسطة و المطحونة لم تكن من مستصغر الشرر بل راجعة إلى فشل قناطير مقنطرة من السياسات الشعبوية و البرامج التنموية الخماسية و السباعية التي أقل ما يقال عنها أنها مجرد هرطقة كلام لا يسمن و لا يغني من جوع تم استغلالها لتعميق الهوة أكثر بين غالبية الشعب وفئة أوليغارشية فاسدة استغلت تواجدها داخل دائرة صنع القرار و على حواشيه لتأتي على الأخضر و اليابس و قنَّنت قواعد المضاربة و سنَّنت أسس الاحتكار و فنون الغش . نعم هذه العوامل أساسية في إضعاف القدرة الشرائية و إنقاص عمر الراتب الشهري لأزيد من النصف فلم يعد يعيش إلا أياما معدودة و سرعان ما يلفظ أنفاسه الأخيرة تحت ضربات أسعار الخضر و الفواكه و البقوليات و اللوازم المدرسية أما الدجاج فيبدو أن لونه أضحى أحمرا و نحن لا ندري ... لكن هناك عامل آخر لا يقل سوء و قبحا عن إخوانه السابقين و هو انعدام كامل للقيم الأخلاقية في التعاملات التجارية فلا يمكننا مثلا أن نرجع سبب ارتفاع القرنفل خمسة أضعاف عن سعره الحقيقي بانهيار قيمة الدينار و إنما بارتفاع منسوب الشجع عند البائع الذي بمجرد ما علم أن الكثير من العوام اعتقدوا فعالية هذه المادة في مكافحة فيروس كوفيد و تقوية المناعة استغل الموقف أبشع استغلال ، مثال آخر أكثر قسوة يشي بأن الأزمة لا يمكن حصرها فقط في بعدها الاقتصادي المبني على أرقام و إحصائيات مجردة فما حدث من أزمة أوكسجين داخل غالبية مستشفيات الوطن و ما أعقبها من بيع للقارورات المعبأة بهذه المادة الحيوية في مزاد اللا إنسانية تحت شعار من يدفع أكثر يعش و من خذله جيبه فليحفر رمسه ، هذا المنطق التجاري الإجرامي المنسلخ من أي تعاليم سماوية أو توجيهات وضعية لا يمكن إلصاقه البتّة بالتداعيات الاقتصادية و إنما بأمراض نفسية وتشوهات أخلاقية جعلت الدرهم والدينار آلهة تعبد من دون الله .