تجديد أنفاس عمل السياسة الجزائرية للوصول إلى تحقيق الأهداف المسطّرة لا يكتمل إلّا بدبلوماسية مثمرة، تقف عند أمّهات قضايا العالم على مسافة واحدة ، ترجح فيها صوت العقل ، البعيد عن الحسابات الضيقة التي عوّدتنا عليها كثير من الدول و التي تكون في معظم الأحيان صانعة للنزاعات لتصطاد من ورائها مغانم كثيرة ، تبقيها على الساحة الدولية و في مركز القرار أو مجرّد مكمّلة لدور قوّة أو كيان ما . و اتّضح مرّة أخرى من الخطاب الذي دافع من خلاله وزير الخارجية رمطان لعمامرة في النقاش المفتوح للجلسة العامة للأمم المتحدة في دورتها السادسة و السبعين عن القضايا التي تبنّتها الجزائر ، بأنّ هذه الأخيرة ليست رقما في محيطها الإفريقي و لا العربي بل قوّة ضاربة ، تفتح كلّ الملفات من أجل استئصال فتيل الفتن و النزاعات و بعنوان اكبر تصفية الاستعمار و فسح المجال للشعوب من أجل تقرير مصائرها ، و حتّى عندما تُدوّل تلك القضايا فإنّ الدبلوماسية الجزائرية تقارعها في محافل الهيأة الأممية ، دون أن تحيد عن خطابها المتّسم بصوت العقل ، و الاجتهاد من أجل حلحلة الأوضاع و من ذلك سعيها الجاد في عديد الملفات مثل المرافعة من اجل استقلال الصحراء الغربية و فلسطين و لملمة أزمة سد النهضة و إصلاح مجلس الأمن بتوسيع عضويته لإفريقيا المظلومة تاريخيا على حد قول لعمامرة . رصيد الجزائر المتأصّل في عمق الجغرافيا من خلال روابطها التاريخية في محيطها القريب و البعيد يمكنها من دور محوري يحتّم عليها شحذ الهمّة ، فالحاجة ماسة إليها للمشاركة في صناعة و صياغة و تنفيذ القرارات افريقية و عربية و أيضا دولية عندما تستدعي الحاجة، وفق منطلق استراتيجي . و من خلال اعتلاء الجزائر المنبر الأممي فإنّ الهدف ليس تحقيق ذات و لا تسجيل حضور أو كيل ضغائن بل تعرية واقع مرير تعيشه الشعوب ، سواء المستعمَرة أو التي تعيش انقسامات داخلية أو تلك التي نشبت بينها و بين دول جارة نزاعات حول ثروات ( مصر ، السودان ، اثيوبيا ) ، دون نسيان الملفين الليبي و المالي ، حيث تضع الجزائر المجتمع الدولي أمام مسؤوليته من أجل إعلاء قيم الحوار و الاحتكام إلى الحلول السلمية كآلية وحيدة لفض النزاعات و تمكين الشعوب من انتقال سياسي و ديمقراطي سلس تغيب عنه القوى أو الدول التي تستهويها معاول هدم و تدمير الشعوب تحت حجج واهية منبعها و مصبّها جني المكاسب .