كان شهر جويلية الماضي، شهرا للدبلوماسية الجزائرية بامتياز، حيث تحرّكت الآلة الدبلوماسية، تحت قيادة الرئيس عبد المجيد تبون، الذي استقبل على أرض الجزائر قادة سياسيين من ليبيا والنيجر، وأجرى اتصالات هاتفية مع زعماء أفارقة على غرار الرئيس التونسي، إلى جانب الرئيس الفلسطيني. وعرف الشهر المنقضي زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكية المكلف بالشرق الأدنى، كما تعزّزت هذه الحركية بتنقل وزير الخارجية رمطان لعمامرة إلى أربع دول إفريقية تمثّل محور توازنات في القارة السمراء من أجل حلحلة أزمات وإحياء البعد الإفريقي الإستراتيجي من جديد. «الصّوت المسموع» يتحرّك الجزائر التي لطالما رافعت من أجل قارة إفريقية قوية حاضرة في معادلة القوى العالمية، وكانت بمثابة «الصوت المسموع» في المنطقة، جعلت واشنطن تتحدث عن «جدية» الرئيس الأمريكي جو بايدن للتعاون مع الجزائر في القضايا الإقليمية، وتعويلها على «صوتها المسموع» بالمنطقة، بحسب ما أفاد به جوي هود، مساعد وزير الخارجية الأمريكية المكلف بالشرق الأدنى، في ختام زيارته للجزائر، جويلية الماضي، مبرزا أن أمريكا «تعول على حنكة الجزائر الدبلوماسية، للمساهمة في حل الأزمة الليبية وفي منطقة الساحل الأفريقي». فبعد زيارة مبعوث الدولة الأمريكي، وزيارة رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي، والرئيس النيجري للجزائر، وما صاحبها من مشاورات معمّقة والخروج بقرارات متقاربة ومشتركة، كان الدور على قائد الدبلوماسية لعمامرة بالتحرك نحو دول إفريقية. تنقلات ماراطونية لحلحلة أزمات مستعصية كانت تونس، إثيوبيا، السودان ثم مصر محطات لوزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج رمطان لعمامرة، بصفته مبعوثا لرئيس الجمهورية. فخلال أقل من 10 أيام، تحركت الآلة الدبلوماسية الجزائرية للمساهمة في حلحلة أزمات الأشقاء والجيران والأصدقاء، في إطار تثبيت البوصلة نحو البعد الإفريقي، في حلّ الأزمات ومواجهة تغلغل بعض القوى الإقليمية والدولية في المنطقة، في إطار الحرص على استمرار الجزائر كقوة إقليمية إفريقية في المنطقة، بل وقاطرة لها. وقبلها كان لعمامرة قائد الدبلوماسية قد أجرى اتصالات هاتفية مع كل من ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، يان كوبيش، وتحادث مع وزير خارجية جمهورية تركيا، مولود جاويش أوغلو، وتلقى اتصالا هاتفيا من قبل وزير خارجية إيطاليا لويجي دي مايو، واستقبل مساعد كاتب الدولة الأمريكي، جوي هود. وساطة وتقارب فسّر متابعون زيارة وزير الخارجية لعمامرة إلى إثيوبيا في إطار جولة أفريقية تندرج ضمن تموقع الدبلوماسية الجزائرية من جديد، من خلال لعب أدوارها في حلّ النزاعات، إذ فتحت أديس أبابا مع الجزائر بحسب ما تحدثت عنه وسائل إعلام محلية هناك ، ملف سد النهضة الشائك، فضلا عن ملفات الشراكة والتعاون. واغتنم لعمامرة فرصة وجوده بالعاصمة الإثيوبية لملاقاة مفوض الاتحاد الأفريقي للشؤون السياسية وقضايا السلم والأمن، بانكولي أديوي، وقال: «استعرضنا مع المفوض أهم النزاعات والأزمات في قارتنا وآفاق تسويتها». وأضاف، «أكدت له دعم الجزائر واستعدادها للمساهمة الفعلية في تعزيز الجهود من أجل تجاوز مختلف التحديات وترسيخ مبدأ الحلول الأفريقية لمشكلات القارة». ودعا وزير الخارجية نائب رئيس الوزراء الإثيوبي، ديميكي ميكونين، خلال لقائه لعمامرة، الجزائر إلى لعب دور بنّاء في «تصحيح التصورات الخاطئة لجامعة الدول العربية بشأن سد النهضة»، مؤكداً «نيات إثيوبيا في الاستخدام العادل والمنصف لمياه النيل»، معرباً عن التزام أديس أبابا الراسخ استئناف المفاوضات الثلاثية بشأن سد النهضة برعاية الاتحاد الأفريقي. كما طلب من الوزير لعمامرة إقناع السودان بحل مشكلته الحدودية مع إثيوبيا سلميا، وفق الآليات المشتركة القائمة، والامتناع عن استخدام القوة، لأنه لن يحل المسألة إلا ودياً، وبعد زيارة أداها للسودان لنفس الغرض اختتم لعمارمة جولته بالقاهرة. وراوحت أزمة ملف سد النهضة مكانها، بسبب رفض إثيوبيا وساطة رباعية لتحريك المفاوضات الثلاثية المتعثرة منذ أشهر، وتمسك مصر والسودان بمقترح إنشاء هذه الآلية برئاسة الاتحاد الإفريقي للتوصل إلى اتفاق حول السد العملاق. «السّيدة الأولى» في المغرب العربي ودون إغفال منطقة المغرب العربي، حيث تتصدر الجزائر المشهد حاليا، لم تجد تونس من بد لحل أزمتها سوى بالتواصل مع الجزائر الحريصة على دفاعها المستميت عن حقوق الشعوب، على غرار احترام حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، وتمسكها بمبادئها الثابثة بشأن الصحراء الغربية، التي عبثا يواصل المغرب المحتل الهروب الى الأمام باستعمال تحركاته الخارجية، ولعب آخر أوراقه للاستمرار في استعمار الصحراء الغربية، مشهرا ورقة التطبيع مع الكيان الصهيوني، وما يحمله من تحديات كبيرة في المنطقة، وما ينتج عنه من ضغوط دولية أيضا. غير أن تصريح الأمريكيين مؤخرا حول قضية الصحراء الغربية، تشير إلى أنهم حسموا الأمر لصالح الشرعية الأممية، حيث أكد مساعد وزير الخارجية بالنيابة لشؤون الشرق الأدنى، جوي هود، موقف إدارة الرئيس جو بايدن من النزاع في الصحراء الغربية على أن موقف واشنطن هو دعم جهود الأممالمتحدة من أجل حل سياسي مقبول من طرفي النزاع. الجيران والأشقاء أولى ولم تنتظر الجزائر كثيرا بعد أحداث تونس الأخيرة، حيث تواصل الرئيس تبون مع نظيره التونسي، وتبادلا الحديث عن مستجدات الأوضاع هناك، وعلى جناح السرعة وصل إلى العاصمة التونسية رمطان لعمامرة مباشرة بعد إعلان الرئيس التونسي عن حلّ البرلمان، حيث توّجت هذه التحركات بإعلان الرئيس قيس سعيد عن أن بلاده تسير «في الطريق الصحيح» لتكريس الديمقراطية والتعددية، مشيرا إلى أن هناك قرارات هامة سيتم اتخاذها قريبا، جاء ذلك خلال اتصال هاتفي أجراه تبون مع سعيّد. ليبيا والحفاظ على المبادئ وخلال زيارته للجزائر، حظي رئيس المجلس الرئاسي الليبي يونس محمد المنفي، باستقبال من قبل الرئيس تبون، قائلا، إنه تم الإتفاق على الكثير من القرارات التي تساعد في حلحلة بعض المشاكل المطروحة في ليبيا. مؤكدا أن الجزائر رهن إشارة ليبيا، خاصة وأن الجزائر ليس لديها أطماع أو رؤية أخرى سوى الأشقاء الليبيين في بلدهم». تصريحات تؤكد على سعي الجزائر الدائم لإيجاد حلول «ليبية ليبية» بعيدا عن التدخلات الأجنبية، خاصة وأن لعمامرة قد سبق هذا اللقاء ببحث التنسيق الجزائري التركي وراهن ليبيا في مكالمتين هاتفيتين مع كل من وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، وممثل الأمين العام الأممي في ليبيا، التشيكي يان كوبيش. وقال لعمامرة، «أكدنا على عزمنا المشترك لتعزيز علاقات الصداقة والتعاون التي تجمع بين وعبر تبادل الزيارات رفيعة المستوى وترسيخ سنّة التشاور والتنسيق المتبادل حول المسائل ذات الاهتمام المشترك». كما بحث لعمامرة في حديث مطول مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، يان كوبيش «آخر تطورات العملية السياسية لإنهاء الأزمة في هذا البلد الشقيق. وجدد له دعم الجزائر لجهود الأممالمتحدة وكذا استعدادها التام لمرافقة وإنجاح مشروع المصالحة الوطنية بالتعاون مع الاتحاد الإفريقي». الساحل أولوية من جهة أخرى، تحتفظ الجزائر بالريادة في قيادة القاطرة في منطقة الساحل والصحراء وكذا في القرن الأفريقي، لما قامت به وتواصل في إحلال السلام في مالي والنيجر ومساهمتها في إبعاد «الإرهاب» عن المنطقة ككل، وتعمل جاهدة للتوصل إلى تسوية سلمية للأزمات والنزاعات، التي تؤثر على استقرار المنطقة، الغاية منها إحلال السلم والمحافظة على دورها القيادي في القارة الإفريقية وتعزيزه.