صدرت مؤخرا رواية اولى للكاتب الصحفي و الزميل الاستاذ خليفة قعيد و أول ما يتبادر إلى ذهن قارئ رواية – فجر الغيطان- أنه أمام رواية كلاسيكية لما تحمله من خصائص الرواية العربية التقليدية ,, فأدوات فهم الرواية بسيطة وغير مركبة وقد قصد الكاتب ذلك وأصر عليه حسب الاستاذ الجيلاني شاراده الذي اضاف يقول عن صاحبها الذي اصر على اختياره لخصائصها حسب ما صرح بذلك في الندوة التي قدم فيها روايته للقراء – ولا ندري هل ستكون هذه الطريقة منهج الكاتب في المستقبل أم سيختلف الأمر باختلاف المعطيات التي أملت عليه ذلك ( حسب قوله ) لذا نذكر في البداية بأننا سوف نجاري طبيعة كتابة الرواية , وسوف نتجنب المناهج العلمية و النظريات النقدية الحديثة ونقرأ رواية ( فجر الغيطان ) قراءة تقليدية نبرز فيها بعض خصائصها الفنية مبنى ومعنى , وذلك حسب فهمنا لها , وحسب اجتهادنا في تحليلها , دون أن ندعي بأن لدينا الكلام الفصل أو أننا أصحاب اختصاص..... فجر الغيطان : رواية اجتماعية تحكي تطور فئة من المجتمع الجزائري , حسب المعطيات الاقتصادية والسياسية والتغيرات المختلفة التي عايشها المجتمع بعد الاستقلال , تجري أحداثها في بيئتين مختلفتين , الأولى بيئة صحراوية ريفية مركزها ( الغوط = غابة النخيل) بكل ما يحمله الغوط من رموز ثقافية ( عادات وتقاليد ونمط حياتي صحراوي وتقليدي بسيط ). والثانية بيئة المدينة بما تحمله من التقاليد الحضرية الجديدة وما هب عنها من رياح العصرنة آخذة منه التفسخ والتشتت الأسري والانحلال الاجتماعي وما ينطوي عنه من حب الذات والأنانية واستعمال المكائد والدسائس في غياب الضمير ( المهني ) والمصلحة العامة ... صالح : هو البطل الرئيسي للرواية , رجل متشبع بالمبادئ الأصيلة لابن الغوط , يعمل بفرع الجنوب لمعامل التمر يجتهد ليصبح مديرا لهذا الفرع ثم يكافئ بمسؤولية كبيرة في المؤسسة الأم بالشمال وينتقل مع أسرته هناك ليبدأ الصراع ويعيش التناقضات والدسائس والتي تؤدي به إلى التوقيف عن عمله والعزلة عن أسرته رشيد : المسؤول المباشر ومدير الشركة الذي يرقي صالح في عمله ولما لم يسايره في الفساد ينتقم منه بكمين لا أخلاقي محبوك يؤدي إلى عزل ومتابعة بطل الرواية .. صونيا : امرأة لعوب يستعملها رشيد لتنفيذ خطط الفساد المختلفة وبعد تورطها تميل إلى صالح وتتعاطف معه في محنته بل ويعيد معها الزواج بعد عزلته عن أسرته الأولى.. رقية : ابنة الريف العاملة بفرع الجنوب تتزوج صالح وتنتقل مع بقية العائلة إلى المدينة , عرفت بحبها ووفاها لزوجها , على الرغم مما تعانيه من مضايقات .. وعلى اعتبار التركيبة التقليدية للقصة , فهي تنطلق من الغوط ثم الفضاء الاجتماعي الصحراوي بكل أبعاده خاصة صعوبة العيش ومشاق الحياة والصراع مع الطبيعة الصحراوية القاسية وصمود الإنسان فيها وتصميمه على أن يحولها إلى واحة خضراء ثم تنطلق خيوط القصة نحو الشمال وقد نجح الكاتب في المحافظة على حبك أحداث القصة حيث النمو المنطقي للأحداث بكل واقعيته بما فيه الانتقال نحو المدينة والصراع الدائر فيها , حيث ينجح رشيد في حبك خيوط الدسائس ويوقع بالبطل صالح شر الوقع وهنا قمة التأزم حيت يصبح البطل متهما في شرفه ومعزولا لا عن عمله فقط بل حتى عن أسرته وزوجته التي حبذت عدم العيش معه ..وهنا نقف عند ما يعرف بالعقدة في الرواية التقليدية ..حيث نجح الكاتب في شد خيوطها وبقوة ..حتى خلنا أن الكاتب أيضا كان ضد البطل صالح حيث أغلق عنه كل منافذ الحياة.. ويأتي الحل من الخارج( خارج الوطن) ولا ندري إن كان رمزا مقصودا من الكاتب , أو جاء حسب السياق العام لأحداث الرواية ,حيث يقدم ملف الفساد ( تعاطي الرشوة والعمولات) الخاص برشيد وجماعته إلى سفير البلاد ( في دولة اسكندنافية ) وتبدأ التحقيقات مع جماعة رشيد لتنكشف خيوط المؤامرة المحاكة ضد صالح , فينصفه القضاء ويعاد له اعتباره على أعلى مستوى في البلاد , ويقرر المسئولون تحويل الشركة إلى الجنوب ويعود صالح والعائلة إلى جوار الغيطان .. ما يسجل للكاتب هو استيفاؤه للعناصر الفنية للرواية وإعطاء كل مرحلة حقها الفني المطلوب وكذا التنقل التدريجي والمنطقي من عنصر إلى آخر وفق نسق فني مدروس يعكس تمكنه من فنيات الرواية التي تبدو كما لم تكن- فجر الغيطان- باكورة إنتاجه ., وحتى نعطي لهذه النقطة حقها فقد تبادر لنا في حبكة الرواية كما لو كان هناك خللا في نهايتها , فبعد حل العقدة وإنصاف البطل وعودته بالشركة – التي أصبح مديرها - إلى الجنوب ..وهي النهاية المريحة المنتظرة والتي تنتهي في الصفحة (197) نجد الكاتب يعود من جديد إلى طرح قضية جديدة وهي قضية صعود المياه بالجنوب وهي المعضلة الإيكولوجية المعروفة واسترسل في ذلك جاعلا نهايتها مفتوحة ., فبالمقاييس التقليدية لصياغة الرواية فإن نهايتها تكون بحل عقدتها ., وما يطرح بعد ذلك يعتبر عيبا فنيا في حبك عناصرها ,, وعلى اعتبار أن ما يطرحه الكاتب من إشكال خاص بصراع الغيطان مع صعود المياه هو من صميم موضوع الرواية , فكان بالإمكان طرح هذه القضية داخل الرواية , كأن تطرح القضية في وسائل الإعلام – الجريدة مثلا - في الفترة التي كان فيها البطل نادلا في المقهى وتتم مناقشة الظاهرة , أو بأي صيغة أخرى على أن تكون قبل حل العقدة وهو أمر متاح بالنسبة للكاتب.... أما إذا التمسنا عنصرا الزمان والمكان في الرواية فالأمر أيضا فيه تعقيد , وباختصار فإن الكاتب لم يعطنا اسم مكان ما يمكن أن نحط فيه رحال الرواية ولا تفسير عندنا لتمنع الكاتب عن ذلك ., فما يضير الكاتب لو مركز غيطانه مثلا في (الرباح أو الرقيبة ) فحتى لفظ ( الوادي أو سوف ) لم يرد في الرواية ولم يرد اسم لمدينة ما ولا حتى اسم الدولة , وحتى الدولة الأجنبية التي يتصل بها بعض أبطال الرواية فقد اكتفى الكاتب بوصفها ب :( إحدى الدول الاسكندينافية )...أما بالنسبة للزمان فيبدو أن أحداث القصة تجري بعد فترة الاستقلال ويصعب حصرها ., وبعملية حسابية فهي تنطلق من طفولة البطل ( صالح ) إلى أن تحصلت ابنته الكبرى على شهادة الباكالوريا , والسقف الزمني هو ظاهرة الاحتجاجات الشعبية وما يقوم به الشباب من قطع الطرق والتهجم عن المؤسسات الإدارية وإذا أضفنا إلى ذلك ما ورد في الرواية من حق العمال في الإضراب وهو المكسب الذي تحقق بعد التعددية الحزبية والنقابية فسوف نستنتج ملاحظة ذات أهمية وهي أن أحداث الرواية قد مرت ب ( سنوات الجمر) أي سنوات الأزمة الأمنية ( فترة التسعينات ) وما عاناه المجتمع الجزائري من أزمات أمنية واجتماعية مختلفة غفل عنها الكاتب و لم يتوقف عندها ولو بملاحظة عابرة .....أما التحليل النفسي للشخصيات فقد أجاد الكاتب في ذلك خاصة مع شخصية البطلة : صونيا بالدرجة الأولى وكذلك البطل الرئيسي: صالح . أما بالنسبة للزوجة -رقية- فنلاحظ غياب الشعور بالغيرة عندها , فنجدها مثلا – وهي التي تحب زوجها – توافق مباشرة ودون رد فعل عن زواجه من( صونيا ) وتتعامل مع( ضرتها ) فيما بعد كما لو كانت أختها حيث تتعاطف معها بل وتعزي زوجها فيها الخ ..كذلك بالنسبة لصالح الذي يعرف علاقات صونيا ( المنحلة ) بالرجال مع وجود شريط جنسي مصور يكشف هذه العلاقة ومع ذلك يقبلها زوجة له وهو ما لا يتماشى وأخلاقيات أبناء الغيطان.. وعلى الرغم من حرص الكاتب على توظيف الفصيح في اللفظ والتراكيب إلا أن بعض العبارات وردت بشكل غير سليم إما لكونها مستوردة من بيئة أخرى أو للشك في فصاحتها , ومن هذه العبارات ما تكرر عدة مرات مثل عبارة : أكثر من اللزوم .. أو أكثر من اللازم.. و التي وردت في مواضع مختلفة راجع مثلا الصفحات : 57 /169 / 174 /184 الخ وكذلك الحال في بداية الحوار بقوله : على فكرة.,.. وكذا في قوله : مسجل في الشهر العقاري ...أي : إدارة التوثيق . إضافة إلى قوله : مفتش المباحث ..أي : مفتش الشرطة...ومعلومات ...المباحث .أي الأمن ... ص : 193 / و..189./ ..ومن العبارات التي لم يراجعها الكاتب جيدا قوله : رقية التي هي تحت ذمته ..أي : في ذمته...وكذا قوله : يسخط رئيس البلدية في وجوههم...وقوله الشبان المهتاجين ..الخ ....ومن الألفاظ ذات الاستعمال البعيد والتي استعملها الكاتب على الرغم من ثقلها نذكر ما يلي : مستطير...ساهم ...المعاذير... التبضع...أفراس الإعاشة....الخ... وكل ما ذكرته في اللغة والأسلوب يضيف الاستاذ الجيلاني شاراده لا يعدو أن يكون انطباعا عابرا لا يقلل من جمال أسلوب الكاتب وحرصه على اختيار ألفاظه السلسة والفصيحة وكذا الصور البيانية الجميلة , لاحظ مثلا هذه الصورة الجميلة والمأخوذة من البيئة ولا يركبها إلا من ترعرع بين الكثبان الرملية وعايش الجمال واستعمل وبرها ,يقول الكاتب مشبه الكثبان الرملية بعد نزول المطر: (..تبدو الكثبان الرملية المبللة في لونها البني وكأنها تلبس وير الإبل ..)وكثير من مثل هذه الصور الجميلة ., وقد نجح الكاتب في الارتقاء عن أسلوبه الصحفي إلى ما هو أكثر سبكا وجمالا ... وفي اعتقادنا أن كل ما ذكرناه من خصائص أسلوب الرواية لا يمنع صاحبنا من مجارات الأساليب المحدثة في كتابة القصة , خاصة وأن الكاتب يمتلك أدوات اللغة الفصيحة المرنة و مقدرة قوية في التحكم في صيغها مما يؤهله لخوض التجربة الحديثة نظرا لما تحتويه من جماليات لها ذوقها ومتعتها وشاعريتها الجميلة ..