أجمع الباحثون والأكاديميون الذين حاورناهم أمس بخصوص اندلاع ثورة الفاتح من نوفمبر المجيدة أن هذه الثورة الشعبية الجزائرية المزلزلة كانت حدثا تاريخيا عظيما ومزلزلًا لفرنسا السادية الإستدمارية، واعتبروا أن التضحيات الجسام التي قام بها المجاهدون والثوار الأشاوس أكدت وبالفعل أن إستقلال الجزائر عن هذه الدولة ذي النزعة الاستعمارية التوسعية آنذاك لم يكن دون فواتير باهظة الثمن تكبدها الجزائريون في النفس والنفيس، وهو ما جعل ثورته إلياذة مقدسة وأسطورة تتوارثها الأجيال مهما طالت السنون. * بيان أول نوفمبر لم يكن إنتقاميا وقد أكد البروفيسور والنائب في المجلس الشعبي الوطني طيبي محمد أمس ل« الجمهورية» بأن بيان أول نوفمبر 1954 الذي صدر معلنا انطلاق الكفاح التحرري، قد نزع مشروعية الأحزاب القائمة آنذاك عن التبني المنفرد أو حتى الجماعي للكفاح المسلح واضعا علنا مسؤولية المبادرة عن أصحاب البيان وهم وعيل ثوري وطني لجيل بدأ يرى الأمور بمنظار عملي واستشهادي بعيدا عن حسابات السياسة التي أحيانا لا تتلاءم مع فكرة التضحية والشهادة في سبيل الوطن، وأضاف نفس المتحدث بأنه حتى وإن اعتقد قادة الحركة الوطنية «بأن أول نوفمبر بيانا وحدثا وتبعات هو من صنع نضالهم وثمرة أفكارهم فإنه تحول من جانب آخر إلى مد شعبي تماهت في مشروعه ورمزيته وأفقه مطامح شعب ظلت مكتومة ومخنوقة حتى برزت من خلاله المكنونات الجهادية والمكنوزات البطولية التي حولت شعبا بكامله إلى بطل تكفل بمصيره مقدما معجزات غير مسبوقة في التفاني وحب التضحية»، وأوضح في سياق متصل بأن الفلسفة السياسية التي حملها بيان أول نوفمبر قد تحاشت ومنذ البداية السلوك الإنتقامي وكل ما ارتبط به من نعرات دينية أو سياسية أو عرقية وأنه دفع بالمكونات العرقية وجماعات المصالح في الجزائر إلى اتخاذ مواقف بعضها معاد ومناهض علنا وبكل الوسائل لضاع أول نوفمبر، وفي سياق آخر، شدد نفس الأكاديمي أن الهجمات العسكرية القمعية التي قادها جنرالات الجيوش الفرنسية دعمت موقف جبهة التحرير وجيش التحرير ومعها غالبية الجزائريين حتى صارت الحرب فيها وسيلة للسياسة وليس السياسة وسيلة للحل، وأن مسار المفاوضات وشدة القتال حتى داخل التراب الفرنسي لدليل على أن الثورة التحريرية ونتاجها كانت من حيث المنهج والنتائج حالة نوعية تجاوزت بكثير فكر الحركة الوطنية السياسية .. * التلاحم الشعبي مع الثورة كان عفويا من جانبه أكد البروفيسور والباحث في التاريخ الجزائري بجامعة وهران حسن رمعون، أن التلاحم الشعبي الجزائري مع الثورة التحريرية كان عفويا وبالتدريج حيث صرح لنا هذا الأكاديمي المعروف بأن الشعب احتضن الثورة لأنها جاءت معبرة عن طموحاته في الإستقلال عن المستعمر الفرنسي الذي سرق ممتلكاته واظطهده بأبشع الصور التي لا يمكن للعقل البشري أن يتصورها، وأضاف بأن الجزائريين كانوا يرغبون في التحرر والإنعتاق من قيود الغزاة المستبدين وأنهم بمجرد انطلاق الثورة في الفاتح من نوفمبر 1954 بدأ الجميع في الانضمام إليها ومن مختلف الشرائح الإجتماعية وأوضح في سياق متصل، بأنه وقبل ذلك، كانت الحركة الوطنية قد تجذرت في المجتمع الجزائري بفضل نضالها السياسي المستميت من أجل توعيته وتعبئته حتى يكون مستعدا لذلك اليوم الموعود الذي انبلج في غزة الفاتح نوفمبر 1954 ، وأن إنتشارها في الوسط الشعبي كان على مراحل ولكنه عمّ جميع أرجاء الوطن في ظرف زمني قياسي، حتى صار جميع الجزائريين على اتصال مباشر مع هذه الثورة التحريرية المباركة . وفي سياق آخر، طالب البروفيسور حسن رمعون من السلطات الفرنسية الحالية أن يكون اعترافها بجرائمها المرتكبة في الجزائر صريحا وشفافا، حيث قال إن المجازر المرتكبة آنذاك في بلادنا لا تقتضي فقط أن نطلق على جرائم 17 أكتوبر 1961 بالمهجر بأنها قمع وعمل وحشي، مثلما وصفها الرئيس الحالي لفرنسا فرانسوا هولاند، لكنه اعتبر هذه الخطوة مؤشرا إيجابيا قد يؤدي في الأخير إلى اعتراف نهائي وصريح بجرائم فرنسا في الجزائر طيلة 132 سنة من الاحتلال. * 7 ملايين شهيد وليس مليون ونصف المليون! من جهة أخرى أكد الدكتور والمتخصص في تاريخ الولاية الخامسة التاريخية جيلالي عبد القادر ل «الجمهورية » أمس أن العدد الحقيقي لشهداء الجزائر ليس مليون ونصف المليون شهيد كما هو متداول حاليا من لدن الإعلام الوطني وحتى الأجنبي، بل قال إنه يقارب ال 7 ملايين شهيد...! وأوضح في نفس السياق في محاولة منه لتبرير هذا الرقم الكبير لعدد الشهداء الجزائريين، بأن العدد الحقيقي للثورات الشعبية هو في حدود 137 مقاومة منذ دخول الاستعمار إلى ثورة بني شقران، أضف إليها الإبادات الجماعية وضحايا الحربين العالميتين الأولى والثانية وكذا الثورة التحريرية المباركة، فإن العدد يقارب ال 7 ملايين شهيد، وأضاف في سياق آخر بأن هذه الإنتفاضة الشعبية الكبرى التي شهدتها بلادنا في نوفمبر 1954، لم تكن مقتصرة فقط على ولاية دون أخرى، بل أنها كانت شاملة ومست جميع مناطق الوطن، لذلك جرائم الإستعمار الفرنسي كانت هي الأخرى ولم تقتصر على مدينة دون الأخرى مثل التي وقعت في الظهرة وكذا زاوية سيدي قدور الدبي إلخ، من جهة أخرى، دعا هذا الأستاذ الجامعي إلى ضرورة البدء في كتابة التاريخ وتدوينه بصفة موضوعية وبدون عواطف أو حساسيات جهوية أو قبلية وختم لنا تدخله، بأنه طرح هذه الإشكالية في ملتقى حول الولاية الخامسة الذي نظم أول أمس بمعسكر عن سبب عدم تركيز الباحثين عملهم الأكاديمي والجامعي حول الولاية الخامسة التاريخية بالرغم من أن مساحتها تزيد عن المليون كلم مربع وعدد جيشها كان في حدود ال 25 بالمائة وأنه نفذت فيها 23 عملية عسكرية كان لها صدى إعلامي كبير منها 12 عملية تركزت في الظهرة معتبرا أن هذا الأمر قد يكون راجعا لواجب التحفظ بإعتبار أن غالبية قادة هذه الولاية وصلوا إلى السلطة بعد الاستقلال.