بالرغم من المجهودات المبذولة من طرف الدولة للنهوض بقطاع الصحة من خلال تسخير كل الإمكانيات وتخصيص ملايير السنتيمات لتحسين الخدمات الصحية بالمؤسسات الإستشفائية إلا أن مسألة التحكم في الأمراض والأوبئة تبقى نسبية مقارنة بالإرتفاع المذهل لعدة المصابين بمختلف الأمراض المنتشرة ببلادنا سيما التي تحمل العدوى مثل داء السل الذي تجاوز في العديد من المرات المؤشرات المعقولة بسبب نقص الوقاية. وما ساعد في إنتشاره في السنوات الأخيرة هو ما يحاط بهذا المرض من الكثير من السرية وعدم الكشف عن العدد الحقيقي لحاملي الفيروس أو المتوفين وبهدف تسليط الضوء أكثر على هذا الداء. إستطلعت الجمهورية أراء المختصين بالمصالح الإستشفائية بوهران حيث كشفت آخر الإحصائيات المسجلة لدى مديرية الصحة عن إصابة 24 شخصا في كل 100 ألف نسمة على مستوى عاصمة الغرب وبالرغم من أن هذا الرقم بعيد عن المعدل الوطني المقدر حاليا ب 61 حالة في 100 ألف نسمة، إلا أن وباء السل المعدي لايزال يهدد صحة المواطنين الذين يتواجدون بالمداشر والقرى والبلديات النائية، وبدرجة متفاوتة الخطورة بالمدن الكبرى وحسب رئيسة مصلحة الوقاية بمديرية الصحة لوهران فإن جميع البلديات المتواجدة عبر تراب الولاية سجلت فيها إصابات وليس فقط بلديات أرزيو، المحڤن أو بوتليليس بإعتبار أن الداء يتنقل عن طريق العدوى بالنسبة للسل الرئوي. كما أضافت مصادرنا أن الوحدات التسعة المتواجدة بوهران ساهمت وبشكل كبير في الكشف المبكر عن الداء عن طريق عمليات لتشخيص التي تتكفل بها ذات الوحدات المتخصصة في وقاية الأمراض التنفسية. وأظهرت الأرقام المسجلة في مطلع السنة الجارية تسجيل 600 حالة جديدة بمختلف المصالح الإستشفائية والتي يتم التكفل بها إما بتوجيهها للعلاج بالمصحات العمومية أو المتابعة بالأدوية لمدة 6 أشهر عدا سل الجهاز العصبي والسحايا. وبحسب الأرقام المدّونة في الثلاثي الأول من هذه السنة. فإن عدد الحالات المكتشفة يوميا قد تصل إلى 4 و5 مصابين جدد بالداء مما يستدعي نقل المرضى المتواجدين في وضع حرج إلى مصلحة الأمراض الصدرية بالمستشفى الجامعي والتي تتكفل بالحالات المستعصية. وأكد لنا في ذات السياق الدكتور عياط مختص في البيولوجيا وهو طبيب بمخبر التحاليل الطبيّة بشارع زيغوت يوسف أن مرض السل يزحف من الرئتين إلى العظام والكلى تم الأمعاء والجلد وهو مسبب لكثير من الوفيات كما أن الشخص المصاب يجهل حمله للمرض دون أن يدري لمدة أقصاها سنتين أما التحاليل الطبية التي يتوجب على الشخص المصاب القيام بها تخص السائل المخاطى للكشف عن المرض وأغلب الأحيان أن الشخص الذي تتأكد إصابته يعزل عن العالم الخارجي ويتم تطعيمه بمضادين حيويين (ستريكتو ميزين) وإيزوليازيد ويواصل العلاج الى غاية شفائه نهائيا من المرض. * الخطر بأرزيو وكشفت التقارير الصحية التي أعدتها وحدات مراقبة الأمراض التنفسية عبر 10بلديات تابعة للمؤسسة الإستشفائية للصحة الجوارية بأرزيو عن تسجيل 300 حالة إصابة بداء السل الرئوي المعدي سنويا حسبما أكده لنا أول أمس البروفسور حاج علي مدير المؤسسة الجوارية وهي الحالات التي يتم كشفها عن طريق القيام بعمليات التشخيص المبكر لمكافحة الوباء. والتي تصل إلى نحو 900 حالة مشكوك فيها في السنة وهي أرقام تعكس الإرتفاع المذهل في عدد الإصابات سيما بالمناطق النائية الكائنة بضواحي وهران وقد أرجع محدثنا سبب ذلك إلى الوضع المعيشي الذي يميز هذه المناطق رغم أن المدن الكبرى ليست في منأى عن إنتشار هذا الوباء، خاصة وأنه كما هو مدون لدى العام والخاص أن مرض السل يمس الفئة الهشة والفقيرة من المجتمع ويلعب الوسط البيئي دورا كبيرا في إستفحال المرض ذلك بثلوت المحيط وغياب الوعي لدى المواطن وإنعدام النظافة والإحتكاك في المقاهي والمطاعم والحافلات وغيرها من الأماكن العمومية المساعدة على إنتقال العدوى من الشخص المريض إلى عدد كبير من الأفراد بواسطة جرثوم باكتيروم سباركوليس 6 (عصيبات الكوخ) السريع الإنتقال عبر الهواء. الى درجة أنه حتى البصق في الطريق من طرف الشخص المصاب يشكل خطرا على المارة، لإحتمال إنتقال العدوى بواسطة الجراثيم التي تحملها الرياح للشخص السليم، وهو ما يؤكد أن القضاء نهائيا على المرض أمر مستحيل إلا في حالة تجنيد كل المعنيين من أطباء ومختصين وكذا أفراد المجتمع، من أجل التخفيف من إنتشاره خصوصا مرض السل الرئوي بإعتباره ينقل العدوى بسرعة ويضيف البروفسور حاج علي أن التكفل الصحي بالحالات المستعصية والتي تتطلب الحجر تتم على مستوى وحدات مراقبة الأمراض التنفسية والسل ببلديتي ڤديل وعين البية، وكذا توجيه فئة من الحالات الحرجة صوب المؤسسة العمومية الاستشفائية بالمحڤن التي تستقبل أيضا المرضى المحوّلين من مصلحة الإستعجالات والذين يكونون في وضع صحي جد متدهور. * إنتشار القصدير وراء تفشي الظاهرة وهناك عوامل أخرى ساعدت في السنوات الأخيرة على تفشي الوباء تتمثل أساسا في نقص التغذية، وإنتشار البناءات الفوضوية كالبيوت القصديرية التي نجدها في مداخل البلديات النائية وكذا المناطق الصناعية التي ترفل النفايات السامة، وتساهم في تلوث البيئة والمحيط واهتراء أيضا قنوات الصرف الصحي. بينما المشكل العويص الذي يبقى على نشاط الفيروس في الجسم هو غياب المتابعة في العلاج لدى المصاب إذ بمجرد خروجه من المصحة يعتقد أنه شفي تماما، ويستغني عن تناول الدواء بإنتظام مما يستدعي على المصلحة إعادة النظر إستقباله وهذا راجع يقول محدثنا الى عدم الإلتزام بالنصائح والتي تفرض على المريض إحترام مواعيد تناول الجرعات فعادة ما تتطلب أخذ الأقراص في الصباح الباكر ابتداء من الساعة السادسة صباحا، وبعدها بساعتين وذلك على مدار 6 أشهر من العلاج وقد تصل المدة الى سنة كاملة للقضاء نهائيا على المرض لكن أغلبية المرضى غير منضبطين في علاجهم بمجرد خروجهم من الرعاية الصحية التي لا تتجاوز 15 يوما، على اعتبار أن المريض في حالة تناوله للدواء خلال هذه الفترة لا ينقل العدوى الى الآخرين ومع ذلك يبقى الحذر مطلوب، فيما يتعلق بإنتظام أخذ الأدوية في مواعيدها، وحاليا ومنذ 5 سنوات يضيف البروفسور إختلفت الأمور لأن الأربع أقراص المخصصة لمداواة مرضى السل عوضت حقنة (إيتومبيستوم) التي يضطر لأخذها بالمصحة، ومع ذلك لا يحترم المصاب هذه المواعيد المضبوطة التي تقيه من الداء. وبمصلحة الأمراض الصدرية والرئة بمستشفى المحڤن فإن هذه الأخيرة ومثلما جاء على لسان الطبيب العام بحري تستقبل الحالات المستعصية حيث يتواجد تحت المتابعة الصحية حوالي 14 مريضا مصاب بالسل الرئوي، وسجلت في الفترة الأخيرة 29 حالة حاملة للفيروس. وكشفت الطبيبة المختصة بمصلحة الوقاية التابعة للمستشفى عن إحصاء 55 حالة جديدة في الثلاثي الأول من السنة الجارية، ويعني بها الإصابات الحرجة التي خضعت للعلاج بالمستشفى، وتم عزلها لفترة واستفادت من الأدوية مجانا، وأكدت ذات المصادر أن المصلحة تستقبل مرضى من مختلف الولايات، على غرار تيارت، مستغانم وحتى من الجزائر العاصمة من ذلك أيضا المرضى الذين يتم توجيههم من الوحدات الصحية من أجل إعادة الفحص الدقيق، وإجراء التحاليل والأشعة اللازمة كون أن المؤسسة تتوفر على العلاج المتخصص، وحسب مدير مستشفى المحڤن السيد بن زانة فإن عملية التكفل بالمصابين تتم وفق الإجراءات الوقائية المتبعة بالمصلحة، لتفادي إنتشار العدوى، بحيث تعزل الحالة وتخضع للعلاج المكثف من أدوية، وتحاليل مخبرية إذ أن المرضى المقيمين يعانون في نفس الوقت من أمراض أخرى مزمنة، لا يمكنهم مقاومة مرض السل، لذلك يتم التكفل بهم ثم يغادرون المصلحة لمتابعة العلاج بعد تجاوزه مرحلة نقل العدوى. * التشخيص المبكر يقضي على العدوى بينما يبقى دور الوحدات الخاصة بمراقبة الأمراض التنفسية يكمن في علاج وتوجيه وتشخيص المرضى لإحتوائه والحد من إنتشاره غير كاف أمام غياب الوعي ونقص حملات التحسيس مادام أن النظافة والحفاظ على المحيط البيئي هي أهم العوامل المساعدة على مكافحة الوباء خصوصا بالتجمعات السكنية والأوساط المدرسية، سيما إذا علمنا أن خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية سجلت 9 حالات لدى التلاميذ ببطيوة وأرزيو، ولهذا الغرض تم إعتماد مخطط للوقاية خاص بسنة 2010 حيث اعتبرت هذه السنة مخصصة لمكافحة هذا المرض وتكفلت كل مؤسسات الصحة الجوارية خاصة الوحدات المكلفة بالتشخيص المبكر للداء، للقيام بهذه العملية علما أن 9 وحدات على مستوى وهران معنية بتجسيد هذا المخطط الذي يندرج في إطار البرنامج الوطني لمكافحة داء السل.