أصبح الشعر عبارة عن كرنفالات وزردات أدبية أستعد لإصدار مجموعة شعرية بعنوان “ السنبلة “ أكد الشاعر عزوز عقيل صاحب رائعة “ مناديل العشق “ في حوار حصري للجمهورية أن الأديب بات اليوم ضحية لسلوكات الإدارة الجزائرية التي كثيرا ما تعرقل عمله الإبداعي و منتوجه الثقافي ، كما وصف في ذات الصدد الحقل الشعري و الأدبي بصفة عامة في بلادنا بأنه مجرد كرنفالات و زردات أدبية ، مشيرا إلى أن هذه الحالة المزرية مجرد سحابة عابرة ستزول آجلا أم عاجلا ، كاشفا في نفس السياق عن مشاريع جديدة هي في طور الإنجاز اكتشفوها في الحوار التالي : كيف تصف لنا لحظة ولادة القصيدة ؟ و كيف ترى حال الشعر والشعراء اليوم ببلادنا؟ عزوز عقيل : من المؤكد أن لحظة ولادة القصيد هي لحظة استثنائية تختلف حسب طبيعة المبدع أو الشاعر , فهناك من الشعراء الذين يرتاحون بعد ميلاد كل قصيد بحيث يشعر أن عبئا كبيرا انزاح من داخله , بينما نجد في الضفة الأخرى من الشعراء من يصاب بوعكة صحية بعد ميلاد كل قصيد ، لكن بين هذا وذاك ، فإن لحظة ميلاد القصيد هي لحظة استثنائية و لحظة ميلاد جديدة , أما بالنسبة لي فأنا أعتبرها من أجمل اللحظات , بحيث أشعر أنني استطعت أن أضيف بصمة جديدة في هذه الحياة ، أما عن حال الشعر والشعراء في بلادنا , فيمكن التطرق للأمر من جانبين , الجانب الأول هو ما يتعلق بحالة الشعر في حد ذاته وهذا يجرنا للقول بأن حالة الشعر على أحسن ما يرام خاصة المتتبع للحركة الإبدعية , فهناك جيل جديد يبشر أيضا بميلاد القصيدة الذي يمكننا أن نتباهى به على مستوى العالم العربي , وخير دليل على ذلك أنني حينما مثلت الجزائر في الإمارات العربية تركت بعض الصدى رغم أن معظم الشعراء من دول الخليج , أما إذا تطرقنا إلى الشق الثاني فيمكننا القول أن الشعر على مالا يرام , وهذا ليس تقصير من الشاعر في حد ذاته بل أراه تقصيرا من الجهات الوصية على الثقافة , إذ أصبح الشعر والأدب عموما عبارة عن كرنفالات و زردات أدبية فاختلط بذلك الحابل بالنابل , ولكن أعتقد أن الأمر لا يمكنه أن يستمر على ما هو عليه خاصة في ظل انفتاح تكنولوجي رهيب . لماذا تصف المرأة دائما بالخائنة في قصائدك ، في حين يصفها أغلب الشعراء بالمخلصة و الحبيبة ؟ عزوز عقيل : سؤال طالما حيرني كثير ا وتوقفت عنده كثيرا , وحينما أقف عند المجموعتين الشعريتين المطبوعتين “ مناديل العشق “ والمجموعة الثانية “ الأفعى “ أجد أنني بالقدر الذي كنت فيه شاعرا عاشقا , وصورت المرأة في هذه المجموعة بكل أنواع الرقة والجمال فهي الفراشة وهي الزهرة وهي الحب , وجدتني أصفها في المجموعة الثانية بالأفعى وغيرها من الأشياء التي تدل على الغدر والخيانة ، هي طعنات من امرأة مرت على مشارف القلب ومضت , ولكن جراحها مازالت لم تندمل , ربما هذا هو السبب الذي جعلني ناقما , ولكن بالتأكيد هذا لا يعمم على كل النساء , فالآن خلفي امرأة تدفعني بكل ما أوتيت من قوة إلى سلالم المجد تسهر من أجل راحتي تدرك قيمة عقل الإنسان وعقل الشاعر , وأنا بالمناسبة أرفع لها كل عبارات التقدير والاحترام , لأنها بالفعل امرأة استثنائية بما تحمل العبارة من دلالات . الكثير من الأدباء يعانون على مستوى مدنهم الداخلية قلت في إحدى اللقاءات أن الشاعر في بلادنا تبدأ معاناته من أول قصيدة لأنه يدخل في صراع دائم مع السياسة والمجتمع , فهل عشت هذا الوضع عند ولوجك عالم الإبداع؟ عزوز عقيل : الكثير من الشعراء يعانون من هذا الإشكال مما جعل الكثير من المبدعين ينصرفون ويتركون الإبداع جانبا ، نظرا للصعوبات بالتأكيد , وهذه المقولة لم تأت بمحض الصدفة ولكنها أتت من تجارب مختلفة على مستوى العمل وعلى المستوى الاجتماعي وفي الجانب السياسي ، فالسياسي يرى أنك تزاحمه على كرسيه من خلال الشعبية التي يتمتع بها المبدع ، ونفس الشيء بالنسبة للجانب الاجتماعي ، تصوري سيدتي أنني كنت ممثلا للجزائر في دولة الإمارات في الملتقى الثالث للإبداع الخليجي , ولما عدت خصمت الأيام من راتبي , وإضافة لذلك تلقيت إنذارا بسبب الغياب اللامبرر , رغم أن الدعوة وجهت إلى الجهات المعنية , هذا يدخلك في صراع مع الإدارة , وبالتالي أنت الخاسر الأول والأخير لأن الإدارة هي دوما من تملك سلطة القرار هذا قليل من كثير ولعل الكثير من الأدباء يعانون على مستوى مدنهم الداخلية . الحركة النقدية الجزائرية مازال يعوزها الكثير كيف تقيم الحركة النقدية في الجزائر ؟ عزوز عقيل : الحركة النقدية الجزائرية مازال يعوزها الكثير ، إلا إذا استثنينا بعض المحاولات التي لا يمكنها أن تؤسس إلى مرحلة نقدية جادة ، فغياب الأستاذ الجامعي عن الحركة النقدية أثر فيها ، بما يعرف بالنقد الأكاديمي , لكن للأسف لم نر منهم شيئا لا نقدا أكاديميا ولا انطباعيا , ومع ذلك تجدهم يتشدقون ويتهجمون على بعض المحاولات النقدية التي يمكننا أن نعتبرها محاولات رغم كل شيء في غياب النقد الجاد ، لي صديق ناقد لم يتلق تعليمه الجامعي , لكنه حريص وجاد على إعطاء الحركة النقدية مفهومها الحقيقي , هو يقول على نفسه أنه ناقد “بريء “ ولكن إسهاماته في النقد على المستوى الوطني جعلت منه اسما نقديا مميزا يضاهي بدراساته تلك التي تتسم بالأكاديمية وما شابه ذلك . كنت أول من أسس الحركة الإبداعية الوسارية وقد بادرت إلى تأسيس نادي وسارة للإبداع الأدبي , و أخيرا عمدت إلى تأسيس صالون“ بايزيد عقيل الثقافي “فمن أين يستمد الشاعر عزوز هذه الإرادة و هل هناك مشاريع تأسيسية في الأفق ؟ عزوز عقيل : فعلا كنت من بين الأوائل الذين ساهموا في إحياء الفعل الثقافي الوساري وهذه لا ينكرها إلا حاقدا , فقد بادرت لتأسيس نادي وسارة للإبدع في المركز الثقافي بعين وسارة , هذا النادي الذي عرف استقطاب الكثير من الأسماء وأبرز الكثير منهم ، بعدها لما ترأست إدارة المركز , ولم يكن لنا فضاء يمكن عقد النشاطات فيه , جعلت من مكتبي قاعة لنشاطات هذا النادي , فكنا كل إثنين نلتقي في أمسية أدبية متنوعة رغم ضيق المكان ، ولكن هذا لم يستمر طويلا , حيث فعلت السياسية فعلها وتحرك البعض منهم وتم استرجاع المركز الثقافي إلى البلدية ، فبقيت مديرا دون إدارة , وبالتالي تم القضاء على مثل هذا النشاط ، ومع ذلك لم يفلحوا , حيث التقيت مع مجموعة من الأصدقاء , وجعلت من بيت ورثته عن والدي صالونا أدبيا نلتقي فيه الخميس الأخير من كل شهر , فكان “ صالون بايزيد عقيل الثقافي “ البوابة الكبرى للإبداع بعيدا عن وجع الرأس , إضافة إلى الجو الحميمي الذي كان سائدا بين أعضاء الصالون , وكنا نستضيف في كل جلسة مجموعة من المبدعين من مختلف أرجاء الوطن عبر هاتف موصول وبمكبرات صوت , فكانت الجلسة وطنية وليست محلية , مما زاد في انتشار سمعة الصالون وكانت تصلنا مكالمات من خارج الوطن للمساهمة في جلسة الصالون ولو عبر الهاتف , فصنعنا بذلك فضاء جميلا لكن لظروف تنقلي للدراسة الجامعية توقف الصالون , ولكن بعد أن أنهيت دراستي الجامعية هاهو الصالون يتأهب للعودة من جديد لإكمال المسيرة وتحقيق الأهداف المرجوة , والتي سطرها الصالون منذ البداية وفق قانون معنوي تعهد الجميع على احترامه. الشاعر الذي لا يكون فاعلا في مجتمعه لا أعتبره شاعرا هل يمكن أن يكون الشاعر فاعلا في المجتمع ويساهم في التغيير؟ عزوز عقيل : بالتأكيد الشاعر الذي لا يكون فاعلا في مجتمعه لا أعتبره شاعرا ، الشعر الذي لا يدقدق الأحاسيس ويحرك العقل ويمر على شغاف القلب أكيد فيه خلل ما , الشعر الحقيقي هو الذي يمس ضمير الأمة ،أنا لا أتحدث عن موضوع القصيدة فيمكن أن توخز ضمير الأمة في قصيدة وطنية أو في قصيدة غزلية , لكن في الأخير لا بد أنك تشعر أن هناك هدف و رسالة من خلال هذا النص أو هذه القصيدة , والتاريخ طافح بمثل هذه الشهادات , فحرب داحس والغبراء خير دليل على ذلك والكثير من الأمثلة التي يمكن أن نستدل بها , لكن في الأخير أقول أن الشعر رسالة موجهة إلى المجتمع والتغير أكيد حاصل إذا عرف الشاعر كيف يستمد قوته من قوة مجتمعه . التزاوج بين النشر الورقي و الإلكتروني بات ضرورة لابد منها
الكثير من الشعراء يفضلون نشر قصائدهم إلكترونيا.. فما رأيك بهذا الخصوص ؟ عزوز عقيل : أنا مع الفكرة , لأن النشر الالكتروني أصبح مهما لدرجة كبيرة ،لأنه يفسح لك المجال الرحب للتواصل , وأن يكون نصك في لمح البصر بين أيدي الكثير من القراء ، لكن بالموازاة لا بدا من النشر الورقي لأن النشر الورقي له طعمه وخصوصيته , إضافة لميزة يتمتع بها النشر الورقي ولا نجدها في النشر الالكتروني , وهي أن الأعمال الجادة هي التي يمكنها أن ترى النور في النشر الورقي , بينما يختلف النشر الالكتروني في هذا فتجد كل من هب ودب ينشر مقالا باسم قصيدة وخاطرة باسم رواية , وهذا يولد خلطا في المفاهيم عند القارئ , هذا إن وجد على مستوى النشر الالكتروني ، وأنا لي ملاحظة في هذا الأمر سبق وأن أدليت بها في عدة ملتقيات وهي أن النشر الالكتروني يخدم الاسم ولا يخدم النص بينما النشر الورقي يخدم النص أكثر مما يخدم الاسم ولذا أرى أن التزاوج بينهما أصبح ضروريا . ماهو الجديد الذي تعكف عليه في المدة الأخيرة ؟ عزوز عقيل : الجديد الذي أعكف عليه هذه المرة هو تصفيف مجموعة من الكتب المتنوعة منها الاختيارات الإيقاعية في شعر امرؤ القيس , وهو دراسة في البني الإيقاعية لديوان امرؤ القيس ودراسة أخرى في الصالونات الأدبية وأثرها في تطور الأدب العربي , ومجموعة شعرية رابعة قيد الإنجاز لم أختر لها عنوانا بعد ولي مجموعة شعرية تحت الطبع بعنوان “ السنبلة “ , وهناك عدة مشاريع أخرى في الأفق تنتظر دورها لتجسيدها ..