أسدل عشية أمس ، الستار عن فعاليات الطبعة ال " 18" لصالون الدولي للكتاب بالجزائر ، فبعد 10 أيام من النشاط المكثف لهذه الدورة و التي اختلفت فيها الآراء بين الايجابي و السلبي لكن يبقى الصالون ناجحا بسبب الإقبال الكبير للجمهور الواسع من عشاق الكتاب بكل روافده الفكرية و العلمية و الدراسية و حتى في فنون أخرى كالطبخ و ما شابه ذلك . و في جولة خاطفة للصالون الدولي للكتاب الذي قادتنا بمناسبة تكريم النقابة الوطنية لناشرين لمجموعة من الأسماء الصحفية عشية الخميس الماضي برئاسة مدير دار النشر "الحكمة" احمد ماضي ، الذي بادر بتكريم مجموعة من الإعلاميين ينتمون إلى الصحافة المكتوبة وكذا القنوات التلفزيونية الخاصة الجزائرية سيما الإعلامية والمبدعة نوارة لحرش، الإعلامي أيمن سمراتي و حياة سرتاح ، وسعيد تريعة، و نبيلة سنجاق، و زهيدة ثابت، وغنية سيدي عثمان،و نفسية لحرش وذلك على هامش الطبعة ال18 لمعرض الكتاب الدولي بالعاصمة الجزائرية .فلقد قال رئيس النقابة، أحمد ماضي، أن هذه المبادرة تأتي اعترافا ويقينا من الناشرين الجزائريين المنضوين تحت لواء " سنال" ، بالمجهودات التي يقوم بها الإعلام الثقافي في النهوض بالمشهد الإبداعي الوطني، واحتفاء بالأسرة الإعلامية المختصة في المجال الثقافي، التي تعمل على الارتقاء بهذا المشهد من منطلق أن الناشر والإعلامي والسياسي والاقتصادي والكاتب والقارئ شركاء في صناعة المشهد الثقافي الذي يشكل الكتاب حجر الزاوية فيه، واعتبر المتحدث في السياق ذاته أن هذا اللقاء الذي يأتي بالتزامن مع قدسية شهر نوفمبر المجيد واحتفاء النقابة به، فرصة ليؤكد هؤلاء على الجهود التي يقدمها الإعلام الثقافي في سبيل بناء أسس وقيم التعاون والشراكة النوعية بين صانعي الكتاب وأهل الإعلام وتنفيذ إستراتيجية الاتصال والتواصل والإعلام التي تنتهجها في كل خطواتها الميدانية، والتي تتضمن تعاملا حضاريا مع كافة الإعلاميين والمؤسسات الإعلامية، هذا وقد أكد ماضي في سياق متصل، على أن النقابة لازالت تراهن على هذا الفضاء في إطار النهوض بالكتاب والمشهد الثقافي الجزائري بالرغم من كل العقبات التي يواجهها هؤلاء، وقد أكد المكرمون في هذه المناسبة على هامش الحفل، على أنهم ليسوا بحاجة إلى تكريم لأن ما يقومون به هو من صميم عملهم وواجبهم المهني قبل كل شيء. يذكر أن النقابة الوطنية لناشري الكتب ”سنال”، تعد أكثر الهيئات التي تهتم بالترويج للكتاب الجزائري سواء داخل التراب الوطني أو خارجه، وقد سبق لها وأن مثلت الإبداع الجزائري في مختلف المعارض العربية والدولية التي تعنى بالكتاب والثقافة. بعدها و ليومين متتالين ، قمنا بجولة في كواليس المعرض و لاحظنا سونامي بشري في الصالون و كأنك في الحرم المكي ، حيث أخذ الصالون الدولي للكتاب طابع المناسبة الثقافية الوحيدة التي سجلت إقبالا قياسيا وصفه ناشرون بغير المعقول، و قال عنه جزائريون بأنه التظاهرة الوحيدة التي تجمع هذا العدد الخيالي من الأشخاص يوميا بإنزال بشري أحدث حالة طوارئ و جعل كل الأيام متشابهة، و يضيف الإعلامي و الكاتب محمد بغداد للجمهورية انه يتحدي أي إنسان يقول لا يوجد مقروئية في الجزائر فلا يهم عنوان الكتاب أو مضمونه لكن الأهم انه يقبل و يشتري الكتاب المفضل له و حسبه أن اغلب الناشرين العرب يجدون أن معرض الجزائر ادر عليهم بالربح الوافر بعد كساد التجاري الذي لقوه في كل من معرض تونس و القاهرة و دمشق إضافة إلى الفضاء الكبير و الواسع للمكان بالصنوبر البحري الذي يعطي للمعرض في الجزائر تميزه أفضل من المعارض في الدول العربية لأنه يأتي بعد معرض فرنكفورت و القاهرة . وفي جولة في أجنحة المعرض فلقد ألقت عناوين الثورات العربية الصادرة عن مختلف دور النشر بظلالها على معرض يراهن على أن يحتل المرتبة الأولى من حيث عدد الزوار عالميا هذه السنة. فعلى ما يبدو، قد تمكن الصالون الدولي للكتاب الذي احتضنه الجزائر منذ ال31 من الشهر الفارط و الذي اختتام أمس من إسقاط العبارة القائلة بأن المجتمع الجزائري لم يعد يرغب في القراءة و في مصاحبة الكتاب، و هو ما يعكسه تسونامي بشري الذي كان يزور الصالون يوميا و منذ أول يوم من افتتاحه حسب الكثير من الكتاب وعدد كبير من ممثلي دور النشر العربية و الأجنبية، الذين أجمعوا على أن عدد الزوار قدر بالآلاف يوميا، حيث سجل انزال وصفوه بالقياسي غير أنه و كما قالوا يليق بحجم التظاهرة المهمة و يعكس تطلع المجتمع الجزائري و حرصه على تخليد مكانة الكتاب و إن كانت قد توفرت بدائل أسهل.فلقد ذهلنا للأعداد الهائلة من الأشخاص الذين يدخلون و يخرجون في شكل قوافل خلفت حالة من الاختناق حتى قبل بلوغ البوابة الرئيسية أين يصطف أعوان الأمن لمراقبة كل من يرغب في الدخول لضمان تأمين شامل لمكان لم يسجل حسب بعض المختصين مكان آخر هذا الإقبال عليه.بدا المكان من الخارج و كأن الجميع يحج إلى الحرم المكي، غير أن ما بالداخل كان أعظم، آلاف الزوار يتنقلون بين أجنحة المعرض الذي يتجاوز عددها ال900 جناح، رقم هائل قابله زحف أكبر لزوار الكثيرون منهم اقتنوا كتبا و بدؤوا في مطالعتها داخل المعرض أو في المساحات الخضراء المحيطة به التي تحولت إلى مكتبة مفتوحة. أجنحة بهندسة فنية تمزج بين الحضارات ربما من بين الأشياء التي لفتت انتباهنا بشكل كبير فور دخولنا إلى معرض الجزائر للكتاب، هو تلك الأجنحة التي اختلفت في هندستها، و صنع عدد كبيرا منها التميز بهندسات رائعة تجذب الزائر إلى النظر إليها و حتى التقاط صور أمامها مثلما فعل الكثير من الزوار، فدار القصبة الجزائرية مثلا وضعت جناحا بهندسة بيوت القصبة القديمة و حافظت من خلاله على كل التفاصيل التي ترسلك إلى تلك النقطة من أرض الجزائر و إلى الزمن الجميل. و دور أخرى كدار إصدارات بغدادي العراقية التي وضعت بناء يجعلك تنتقل بخيالك إلى عهد السلاطين و عالم الحكايا، مع الحرص على انتقاء ألوان مثيرة، فيما فضلت دور أخرى إيلاء الأهمية الأكبر للبوابات، و أخرى لرفوف و طاولات العرض، و هو ما حرصت عليه الجهة المنظمة للصالون بالنظر إلى هندسة الأمكنة المخصصة للملتقيات. و مع الطبعة ال18 للصالون الدولي للكتاب بالجزائر، فإن ما ألفناه من تهافت على المعارض التجارية و الأسواق اليومية و تسجيل تزايد لمحلات الفاست فود على حساب المكتبات التي تقلص عددها بشكل كبير في السنوات الأخيرة قد ولى، و لم يتمكن كل هذا من القضاء بشكل تام على حب المطالعة و اللهث خلف العلم لدى شريحة واسعة من الجزائريين بمختلف الفئات و الشرائح و لم يقتصر الحضور على المثقف و الطالب فقط. ولد خليفة وبشيشي و ونيسي وزهرة ظريف واعلاميون أبرز كتاب "سيلا 2013" كما شهدت الطبعة الثامنة عشرة للمعرض الدولي للكتاب، مشاركة قوية لعدد من الوزراء السابقين والشخصيات السياسية البارزة، وذلك من خلال مجموعة من الإصدارات الجديدة التي تصب في قوالب سياسية وأدبية وتاريخية وسير ذاتية ومذكرات. ومن أبرز هؤلاء رئيس المجلس الشعبي الوطني العربي ولد خليفة والدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وزهور ونيسي ولمين بشيشي، و المجاهدة زهرة ظريف بيطاط بالإضافة إلى علي هارون ومحمد بوعزارة. فالوزيرة السابقة والأديبة زهور ونيسي التي قاموا بتوقيع إصداراتهم الجديدة كما أفرجت، صبيحة أول أمس، المجاهدة زهرة ظريف بيطاط عن مذكراتها الشخصية التي وسمتها ب " مذكرات امرأة مناضلة" ، حيث ارتأت المجاهدة أن تكشف النقاب عن محتوى هذه الشهادات التي أنهت إعدادها منذ سنوات، لكنها رفضت أن تصدرها قبلا، لكن قناعات الأمس تغيرت اليوم في نظرها وهو الذي دفع بها إلى أن تصدر هذه المجموعة بعد مرور أكثر من نصف قرن على استقلال الجزائر، وبعد أن رحل رفقاء الكفاح والنضال في سبيل الاستقلال. و تعمدت جميلة بوحيرد الظهور في الصالون الدولي للكتاب والتجول بين أروقته بفستانها الأبيض الرائع، الذي بدت فيه كالعروس، وكأنها تقول "ها أنا لازلت حية أرزق" عكس الإشاعة التي أوردتها احدى الصحف اللبنانية كما وقعت الإعلامية و نجمة التلفزيون الجزائري صوريا بوعمامة كتابها الصادر عن منشورات المؤسسة الوطنية للإتصال، النشر والإشهار " يوميات لم تكن للنشر "وشمل برنامج المعرض تنظيم عدة نشاطات فإلى جانب البيع بالتوقيع للعديد من الإصدارات لروائيين معروفين وناشئين على غرار الروائي واسيني الاعرج، الروائي والاستاذ الجامعي محمد ساري وكذا الروائي أمين الزاوي والروائي والإعلامي عبد الرزاق بوكبة ، رئيس الجمعية الجزائرية للشعر الشعبي الشاعر توفيق ومان وكذا الكاتب والإعلامي محمد بغداد والإعلامي عثمان لحياني ، شمل البرنامج أيضا تنظيم ندوات وموائد مستديرة اهتمت بالعديد من المواضيع الفكرية والأدبية و كذا ورشات خاصة بالكتابة كما تم تكريم العديد من الوجوه الأدبية في اليوم الأول للمعرض من قبل وزيرة الثقافة . اما جناح المؤسسة الوطنية للإتصال، النشر والإشهار عرف هو الآخر تميزا كبيرا من خلال إتباع سياسة حاولت خلالها التوفيق بين مكتسباتها السابقة، وتحقيق التجدد بإعطاء نفس جديد، وذلك بدعم المواهب الشابة، و التفتح على مؤلفين جدد لم يسبق لهم أن خاضوا تجربة النشر حسب تصريح الشاعر هيثم سعد الذي شكر كثيرا سميرة قبلي الذي فتحت الباب لمبدعين للنشر . الثورات العربية تلقي بظلالها على الصالون لم يفتتح الصالون الدولي الثامن عشر للكتاب في الجزائر من دون حمل عدد كبير من دور النشر العربية و الأجنبية لكتب و مؤلفات جديدة تسلط الضوء على ما تعيشه الدول العربية و الساحة السياسية من ثورات و متغيرات قلبت الموازين و تحولت إلى مادة دسمة أسالت الكثير من الحبر لمؤلفين و كتاب أبوا إلا أن يؤرخوا لها عبر منشورات جديدة حضرت بقوة و كان الإقبال على اقتنائها كبيرا. و لعل من بين الإصدارات التي استوقفت عددا كبيرا من الزوار، هو كتاب الربيع العربي، آخر عمليات الشرق الأوسط الكبير الصادر عن دار القلم الجديد للنشر بدولة لبنان وكذا كتاب آخر حمل عنوان حوار الديموقراطية و الإسلام، مفاعيل الربيع العربي عن دار النشر الضفاف اللبنانية أيضا، حيث قال ممثل هذه الدار بأن الإقبال كان كبيرا على هذا النوع من الكتب، و هو ما تسبب في نفاذ بعض الإصدارات خلال اليومين الأولين. كما كان لما نزل به المركز العربي للأبحاث و دراسة السياسات من إصدارات جديدة حول ما تعيشه الدول العربية من متغيرات و التي عكف على إبرازها لاستمالة القراء صدى واسعا في المعرض أثر كبير، حيث باع نسخا كثيرة من هذه الكتب كما حرصت دور النشر المصرية التي حضرت بقوة المعرض على إبراز عناوين لإصدارات سياسية تعكس واقع التغيرات التي يعيشها العالم العربي أيضا، و سجلت مبيعات وصفت بالقياسية التي لم تكن متوقعة حسب بعض من تحدثنا إليهم من ناشرين. ديوان المطبوعات الجامعية يسجل الاستثناء فعلى الرغم من أن كل الأجنحة بالمعرض قد شهدت اقبالا كبيرا، إلا أن الاستثناء قد سجل على مستوى جناح ديوان المطبوعات الجامعية، الذي بدى ولوجه أمرا مستحيلا في بعض الأوقات، بسبب كثرة من يتفقد عناوينه و من يقف أمام البائعين لدفع قيمة ما اقتنوه من كتب. عشرات إن لم نقل المئات و طوال الفترة التي كنا فيها بالمعرض دخلوا هذا الجناح، أغلبهم كانوا في أعمار متقاربة و أكد كل من تحدثنا إليهم بأنهم طلبة جامعيين، البعض يدرس بالجزائر العاصمة، و البعض الآخر قدم من ولايات أخرى خصيصا من أجل المعرض لعدم تفويت فرصة الحصول على عناوين محددة لطالما عجزوا عن الوصول إليها عبر مختلف المكتبات، و يضيف المعنيون بأن الجامعة تفرض أنواع محددة من الكتب و كذا تخصصاتهم، و هذا ما لا يمكن إيجاده إلا في هذا الجناح بحسب تعبيرهم. الشيء الأكيد لقد سجلت الجزائر مع الصالون الدولي للكتاب فوزا ثمينا، فقد عكس الإقبال عليه كل ذلك و بين مكانة الكتاب لديهم و إن كان من الصعب الوصول إليه، فإن ذلك لم يكن مستحيلا بالنسبة للكثيرين. بعض زوار المعرض ممن تحدثنا إليهم قالوا بأنهم قدموا من ولايات مختلفة خصيصا لأجل المعرض و شراء ما يحتاجون إليه من كتب من موردها الأصلي و بأثمان تبقى معقولة مقارنة بما تلصق من أرقام على واجهات الكتب بالمكتبات الخارجية، و البعض الآخر قال بأنه يعمل منذ فترة من أجل توفير ما تمكن من المال لأجل المعرض.